إسحق قومي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

سيميليات .. تحية محبة لسيميل

اذهب الى الأسفل

سيميليات .. تحية محبة لسيميل Empty سيميليات .. تحية محبة لسيميل

مُساهمة من طرف أبدل يوسف أبدل الأحد أغسطس 09, 2009 12:38 pm

سيميليات

(!)

كنا عائلة كبيرة و كنا نسكن في بيت كبير
كان جدي نجارا يحترف صنع الأشياء الجميلة من قطع خشبية كان يحضرها من جبل قريب .
و كان أبي فلاحاً يجيد رسم الأمل على جبين حقول ٍ أدمن عشقها منذ زمن بعيد .
و كانت أمي ملاكاً تفيض المحبة من عينيها الجميلتين كلما نظرت إلينا .
ذات آب ٍ ....
دخلوا علينا ببنادقهم و سيوفهم و خناجرهم ...
حطموا كل الأشياء الجميلة التي ظل جدي يفتخر بصنعها ...
أضرموا النار في الكرم القريب ...و احترق أبي بعد أن قتلوه رمياً بالأحقاد .
قتلوا أمي و أخي الصغير و وتفرق الآخرون من إخوتي كل ٌ في مكان ...
و أنا ما زلت انتظر خبراً منهم منذ ذلك اليوم .


(2)

ما زالوا يسيرون ... و أغلب الظن أنهم قد ضلوا الطريق .
قتلهم آب ٌ مرتين ...
مرة ً... حين انهمرت عليهم شلالات الشمس ِ لتزيد لهفتهم لقطرة مطر ٍ تبلل كل هذه الأفواه الصامتة العطشى .
و مرة ً .... حين أملوا حدوث معجزة ٍ و هطول المطر ِ فانهمر الرصاص عليهم زخات ٍ صيفية صبغت أجسادهم بألوان ٍ حمراء زاهية روت ظمأ هؤلاء البرابرة للدماء و القتل .
جدهم ظل يقول لهم و هو يسير ... قد أموت في الطريق ... لا تلتفتوا ورائكم ... سيروا ... لابد أن ينجو أحدٌ منا ليخبر العالم عن سيميل .
ينظرون إليه ... يحاولون أن يفعلوا له شيئاً .. لكن خطواته كانت تتثاقل رويداً رويداً .
توقف برهةً و نظر ورائه و بكى ...
استلقى على الأرض و حدق إليهم و ابتسمت شفتاه المتشققتان من العطش كأرض تحلم بمطر ...
حدق في السماء ..
تمتم بكلمات ٍ صعب عليهم فهمها ..
ربما كان يصلي صلاته الأخيرة قبل أن يغط في موت ثقيل.


(3)

إنه اليوم الثالث للمذبحة الرهيبة ...
دماء ٌ متخثرة ٌ ترسم فوق الأرض آثار ذئاب قد فتكت بقطيع خراف .
جثث ٌ متناثرة ٌ حينا ً .. مكومة ٌ حينا ً , كمقاطع أغنية ٍ حبلى باليأس ِ .
ما زال يسير برفقة امرأة ٍ لا تشبه رائحتها عبق أمه أبدا ً ...
من تكون هذه المرأة التي انتشلته من حضن رجل ٍ ميت ٍ ربما كان أباه ؟؟
ربما هناك أمل ٌ بالنجاة .. و لكن عيناه ما زالتا تتساءلان فيما إذا كان سيعود مرة أخرى ذات يوم ٍ إلى بيته الحبيب .
يسأل عن أمه ... يطلب ماءا ً .. يشعر بالتعب و النعاس .. تتباطأ خطاه أحيانا ً ...
تنهره المرأة .. تطلب منه أن يسرع في خطواته فالوحوش الجائعة لن تتوقف عن القتل , و القافلة الجريحة لن تتوقف عن السير حتى تقطع النهر الكبير .
أعوامه الأربعة الفتية قادرة أن تحفظ في ذاكرته صورا ً متزاحمة تنزف من صفحاتها دماء ٌ و دموع .
أعوام ٌ طويلة ٌ مرت في هذه القرية التي تجاور النهر بكل هدوء ...
يجتمع رجال القرية كل مساء ...
يظلون يكررون نفس الأمنيات ..
(غدا ً سنعود.. ربما بعد الحصاد , أو ربما قبل العيد الصغير ... )
ينتهي موسم الحصاد .. يهطل المطر , و تنبت الأقماح من جديد .
يطل َ عيد ٌ و يليه عيد ... و لا أمل ٌ قريب ٌ بعودة ٍ ربما لن تكون .
يظل شارداً طيلة الوقت ..
هل ما رآه ذات آب ٍ كان حلما ً ؟؟؟
ربما كان كابوساً ثقيلا ً .. فالإنسان لا يمكن أن يذبح أخاه الإنسان .

(4)

يتذكر كل عام ٍ ذلك اليوم بمزيد ٍ من الأسى و الحزن ...
ثمانون عاما ً و سيميل ترسم في أعماق ذاته الجريحة صوراً ممزقة ً .. مضمخة بدماء تأبى أن تجف .
أزوره بين الفينة و الأخرى .. لأجترع كأساً ... من ألمٍ و دموع .
يذهلني هذا الآشوري العنيد ..
تجاعيد وجهه .. عروق يديهِ .. شعره الأبيض الكثيف كثلوج الشمال .. كل تضاريسه تروى ملحمة حزن تأبى الصمت .
من أنت أيها القادم من عمق مذبحة ...؟؟
من أنت أيها الصامد في زمن الطاعون ..؟؟
يطيب له أن يسرد أحداثاً ظل يذكرها رغم مرارة السنين ..
يتوقف عن الحديث برهة ً ..
يتذكر كيف قتل أباه بضربة سيف ..
يضغط بيديه المتخشبتين على عكازة ٍ ظل يتكئ عليها حين قصدت رصاصة قلبه فضلت طريها و استقرت في ركبته ..
يزفر حسرة ً متخثرة ً في أعماق القلب ...
ينفجر بالبكاء حينا ً .. كطفل ٍ أضاع أمه في الزحام .


م . أبدل أبدل

أبدل يوسف أبدل
شــاعر
شــاعر

ذكر
عدد الرسائل : 6
العمر : 49
الموقع : سوريا
العمل/الترفيه : مهندس زراعي
تاريخ التسجيل : 30/05/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى