عبد الأحد قومي يكتب عن ظاهرة الشعراء الذين كتبوا من أجل الإسترزاق من دول الخليج.

من طرف اسحق قومي الخميس مارس 19, 2009 4:12 am

بانوراما في هموم ثقافة

في العدد3 من الجزيرة الخضراء كانون الثاني 1998م
كتب عبد الأحد قومي

( يبدو أنَّ هذا النص كتبه الشاعر الراحل عبد الأحد رداً على ظاهرة شعراء كتبوا تكسباً للرزق من دول الخليج).

النار تشعل المتراكم من أيام الشتاء، البرد يجتاح المدى وأنتَ تبحثُ عن دفء القصيدة…
هل نختلف كثيراً إن قلنا: الأفكار العظيمة هي مثل النار في الهشيم بالنسبة لعقول المتحررين من عقد الخوف والجهل
وشتى الأمراض المزمنة.والإبداع سيد الأفكار العظيمة.وهو الذي يُكرس منظومة قيم أخلاقية قابلةٍ للتطور والتجدد والانبعاث في واقعٍ معاش.لماذا إلغاءُ الآخر؟!
في مشهدٍ ثقافي متجانس المفترض أن تتباين فيه حالات الإبداعْ.تختلفُ، تنصهر، تتلاقح، تتبادل…يتم التحول والاستفادة،فمثلاً إنْ كان أحدهم يمثلُ حالة أولى ويمثل الآخر حالة ثانية.فإنَّ التبادل المعرفي يؤدي وبالضرورة إلى حالة ثالثة أرقى وأكثر نضجاً وديمومة وأصالةً وإبداعاً،لكنَّ الأمر ليس هكذا، فالواحد منا يُلغي الآخر لشهوانيةٍ وبدائيةٍ متمركزة حول الذات.وفي الغالب تكون الذات متضخمة ومريضة.
فالإبداع قابلٌ للتعدد،قابلٌ لاستيعاب مجمل حالات الفكر الإنساني،الإبداع الثقافي ليس كالعلوم التطبيقية
الصيدلانية.يُقاس بقوانين ثابتة ودقيقة.بل هو أشمل وأوسع وأكثر التصاقاً بالنفس والروح والتجربة الحياتية الثقافية فالشاعرية مثلاً: لا تُقاس بموازين الشعر وفق بحور الخليل وفقط وربما في عالم النثر والقصيدة المنفلتة من سجون القديم .ولا تُقاس بالكم الهائل من السطو على تراث شعراء كبار أو صغار سبقونا في تجربتهم الإنسانية .والشعرية والشاعرية.لا تقاس بمقياسٍ مدرسي ووفق ما تشتهي أنتَ فقط وليس سواك…
ـ الشاعرية تدرك ومن وجهة نظر خاصة.من خلال تجارب إنسانية متفردة تستلهم تجارب الآخرين
ولا تسطو عليها.تستمد جذوتها وتبعثُ صوتها واضحاً ومنفرداً وجديداً…وتعمد إلى الارتقاء بالذوق الجمعي.
وتصنع جمالية النص والفكر غير مجترة تجارب الآخرين، فالتكرار والاجترار في الإبداع ليس مقبولاً .بل لقد أصبح عيباً.
والنقد الأدبي قد ساهم كثيراً في توضيح ذلك:ونحنُ لسنا بحاجة إلى أعداد هائلة جديدة من أدعياء الشعر.بل نحن بحاجة إلى شعراء مبدعين. ولعلَّ الموهبة وأدوات الإبداع المختلفة هي المطلوبة.
والجرأة في فرز حالات الإبداع عن سواها هي المطلوبة أيضاً،
فحب الظهور والتصابي.وأمراض النفس المختلفة والعديدة
لا تصنعُ شاعراً.والتكسب والمديح والإسفاف فيه والغريزة في إشباع البطن ليست شروطاً لازمة وكافيةً للشاعرية.
(وهنا أيضاً لستُ بحاجة إلى أمثلة من الواقع).
إنَّ ظاهرة (بترو شعر دولار)1.هي حالة خطيرة وسنفرد لها مقالاً خاصاً في مرة قادمة. يجب علينا أن نمتلك القدرة على احترام الآخر…نحترم تجاربه وبموازين حضارية بعيداً عن الأمراض.
نطالب المبدع أن يحترم مجتمعهُ وجمهور الشعر …وبالمقابل أن نحترم ـ وبحب وود ـ الآخر.
وندعوه لاحترام العقل والنكوص إلى الذوق السليم الناجز اجتماعياً ومعرفياً،ونحن على ثقةٍ بأن المستهلك من الوقت في إلغاء الآخر والبحث في الوسائل الأكثر فعالية في تشويه تجاربه .
يكفي لإشعال الكامن من قدراتنا الإبداعية…مما يجعلنا أكثر عبقرية لتطوير ذواتنا الإنسانية المبدعة.
***
عبد الأحد قومي.

الحسكة سوريا