الأدب الأشوري القديم الوثني....نقلاً من موقع أشوري
صفحة 1 من اصل 1
الأدب الأشوري القديم الوثني....نقلاً من موقع أشوري
- الأدب الآشوري القديم / الوثني (ق. م ):
- الأدب في بلاد الرافدين:
معظم المدونات التي تناهت إلينا من حضارة ما بين النهرين القديمة يتم تصنيفها كأدب ديني، لأن جوهرها بقدر أو بآخر يهيمن عليه الطابع الديني، فمضمون النص الأدبي هو الذي يُحدد صنفه الأدبي إن كان أسطورة أم ملحمة أم ترانيم توبية (تكفيرية) أم تعاويذ أم أدب حِكَمي. وأستثناءً فهناك خارج المجال الأدبي العديد من المدونات العملية التطبيقية النمط. أثنان منها فقط، يعالجان أرشادات الطقوس والفأل وينحَيان منحىً دينياً جلياً، أما الباقي فيتألف من مجموعة رسائل في التاريخ والقانون والأقتصاد والرياضيات والتنجيم والقواميس (المعاجم) وقواعد اللغة، وهي عموماً ذات منحى دنيوي.
ولأن الدين وحده كان قادراً على توفير تصوّر شامل عن الوجود في الحضارة الرافدية القديمة، فالموضوعات والسلوكيات والأفتراضات الدينية تبرز مراراً حتى في الكتابات شبه الدينية.
- الأدب السومري:
نشأ الأدب في بلاد الرافدين على يد السومريين الذين تعود أقدم مدوناتهم المعروفة الى أواسط الألف الرابع قبل الميلاد وهي تُعدُّ أقدم النصوص الأدبية التي عرفتها البشرية. فضلاً عن أن المعايير المنطقية تدل على أن تقليداً عريقاً من الأدب الشفاهي تناقلته الأجيال قد سبق و لاريب تدوين النصوص الأدبية بزمن سحيق، وربما تزامن مع تدوين نصوص تراتيله وأغانيه وقصصه. ويمكننا الأفتراض أن ذلك الأدب الشفاهي قد طوَّر أشكال الأدب الأساسي. بغض النظر عن تضمنه العَرَضي للصيغ الشفاهية، ويمكن الأفتراض عموماً بأنه قد تم تدوينه بعد أختراع فن الكتابة، أستجابة للأمكانية الملفتة بأن الكتابة قد وُجِدت بغية جمع وتنظيم المعلومات.
الغاية من وضع الأدب الأساسي بصيغته الشفاهية الأولية على ما يبدو كان سحرياً بقدر كونه جمالياً أو ترفيهياً مسلياً على نحو أكثر بالأصل. ففي السحر تخلق وتسترد الكلمات وجود ما تعلنه – فكلما كانت النصوص مفعمة بالحيوية وقوية بتعابيرها كلما أزدادت فاعليةً وتأثيراً – إذن بالأدب المُعبِّر والمؤثر تتشكّل أداة طبيعية خلاقة ومبدعة.
يبدو أن الغاية الرئيسية لسكان بلاد الرافدين القديمة كانت تزيين ما يرونه مجدياً وتمجيد ما يجدونه صالحاً. مع أستثناء وحيد للأدب الحِكَمي، فأن نمط الأدب الأساسي أطرائي (مدحي) بطبعه. وأن القوة الساحرة وأستعمال الأطراء والتمجيد غايتها غرس أو مناشدة أو تفعيل الفضائل المتمثلة في الأطراء.
ذلك التمجيد هو في جوهر التراتيل، مثلاً، فقد أظهرت الحقائق أن المدّاح المحترف ، كانت مهمته تلاوة هذه التراتيل المرة تلو المرة، وكان يختتم ترتيلته بالعبارة التالية:
" يا أيها الإله (....)، ما أعذب تسبيحك ". والعبارة ذاتها كانت شائعة في أختتام نصوص الأساطير والملاحم، وهما نمطان آخران من أنماط التمجيد، اللذان يندرجان أيضاً ضمن أدوار وألحان المدّاح. فهما (الأسطورة والملحمة) لا تمجد بالوصف فحسب بل بالرواية أيضاً، وذلك بسرد وتعداد أعمال البطولة والبسالة التي يجترحها البطل المعني، وبالتالي يثبتون ويعززون قوته لأنجاز هكذا مآثر، وفقاً لمنظورهم السحري.
وفي زمن، ربما موغل في القدم، مالت السمة السحرية للأدب الى التواري والغياب عن وعي الناس، فاسحة بذلك المجال لأساليب ومناهج أكثر قرباً الى الجمالية التي أظهرت تراتيل التمجيد كتعبير عن الأخلاص والوفاء والطاعة والولاء، إن كانت شعراً أو بضروب أدبية أخرى.
كان الأعتقاد السائد أن كلاً من التراتيل والأساطير والملاحم تؤازر قوى الوجود والفضائل والمناقب التي تتحلى بها عن طريق التمجيد، لكن المرثيات يُفهم منها أنها لتمجيد النِعَم والقوى الضالة، سعياً الى التواصل معها وأستدعائها أو أستحضارها سحرياً، من خلال قوة وبلاغة التعبير عن التوق الشديد والتلهف إليها والتمثيل الحي لها. وكان نمط الرثاء حرفة قائمة بذاتها يمارسها الندّاب (النوّاح)، وتضمنت ترنيمات جنائزية للآلهة الميتة في شعائر الخصوبة ومرثيات المعابد والمدن المدمرة والمدنَّسة قدسيتها. فمراثي المعابد - التي تعود الى زمن أقدم من سلالة أور الثالثة (نحو 2112 – 2004 ق م)- كانت تُستخدَم للتذكير بجمال وبهاء وقدسية المعبد المفقود كوسيلة لأقناع الإله وحجة لأستمالة مالك المعبد لإعادة ترميمه أو بنائه.
تندب المزامير التكفيرية (التوبية) الأسقام والمحن والمصائب الشخصية وتسعى الى أستعطاف وإثارة شفقة الإله المخاطَب والحصول على دعمه ورضاه. وقد ظهر هذا النمط الأدبي في عهد متأخر، وأغلب الظن أنه قد ظهر في العصر البابلي القديم (نحو القرن التاسع عشر ق.م)، وقد أختفى فيه العامل السحري لكل النوايا والمقاصد.
الأشكال الأدبية الأساسية للآداب النهرينية قد تم تطويرها على يد السومريين على نحو لا لَبَس فيه كمؤلفات شفاهية. والكتابة (الأسفينية / المسمارية) التي تم أقرارها وتبنيها لأول مرة في منتصف الألف الرابع ق.م، كانت في البداية تصويرية في الغالب (كتابات صورية ورمزية) وبقيت وسائل التدوين لزمن مديد تعاني من نقص شديد وقصور في القدرة على الأداء والتعبير عن الكلمة المحكية. وحتى في مطلع عهد السلالة الثالثة في جنوب بلاد الرافدين، تحمل النصوص الأدبية المدونة على رقم محفوظة سمات طريقة الأستذكار، وهي على ما يبدو وسيلة تفترض توفر معرفة شفاهية مسبقة لدى القارئ بالنص المدوَّن.
مع تطوّر دقة الكتابة رويداً رويداً في غضون الألفية الثالثة ق.م، يبدو أن المزيد من المؤلفات الشفاهية قد تم تدوينها، وبحلول عهد السلالة الثالثة في أور (زهاء عام 2112 – 2004 ق.م) كان مقداراً لا بأس به من النصوص قد تم تدوينه وتمت الأضافة اليه من قبل الأجيال المتعاقبة من المؤلفين الموهوبين. وقد حُفِظت لحسن الحظ، وأصبحت نصوص ذلك الأدب جزءاً من المنهج التعليمي المتبع في مدارس التدوين السومرية، تُدرَّس وتُستنسخ نصوصه من قبل الطلاب جيلاً بعد جيل. وبلغت وفرة الألواح والرقم المستنسخة ذروتها إبان العصر البابلي القديم، حيث توفرت خمسون نسخة أو أكثر لكل نص وربما أكثر من ذلك بكثير لا يزال مطموراً في باطن الأرض.
- الأدب الأكدي:
شهدت القرون الأولى من الألفية الثانية ق.م، تراجع السومرية كلغة التداول والثقافة وحلول اللغة الأكادية محلها بسبب دورها كحاملة للثقافة السومرية، لغة الدين والثقافة وسائر الفنون، وعلى أي حال أستمرت السومرية، شأنها شأن اللاتينية في القرون الوسطى لغة للتعليم والتداول في مدارس الكتابة طوال الألفيتين الثانية والأولى قبل الميلاد. وتم وضع مؤلفات جديدة بها، ألا أن فصاحتها أخذت تتدنى مع مرور الزمن.
وحينما حلَّت اللغة الأكادية محل السومرية كلغة التداول اليومي في بلاد ما بين النهرين، لم تكن الأولى (الأكدية) لتفتقر الى تقاليد أدبية خاصة بها. فالكتابة الأكدية، كانت قد تمت أستعارتها عن السومرية منذ زمن مبكر. وكان الأدب الأكادي لا يزال حتى العصور البابلية القديمة (نحو القرن التاسع عشر ق.م) واقعاً تحت تأثير النماذج والأساليب السومرية وكذلك موضوعاته، لكن الأكادية قد طوَّرت الأساطير والملاحم وأسبغت عليها سماتها وخصوصيتها، ومن ضمنها ملحمة جلجامش الرائعة (التي تعالج مشكلة الموت)، وكذلك تم تطوير الترانيم ونصوص الخُطب والمواعظ والترانيم التوبية، ووضع عدد غير قليل من الكتابات الأرشادية الجديدة التي تبحث، على سبيل المثال، في: الفأل والشعائر والطقوس والقوانين (التي كانت في أغلب الأحيان مترجمة عن النصوص السومرية الأصلية) ونصوصاً في الرياضيات والنحو. وثمة كم جدير بالأهتمام من الترجمات المنقولة عن السومرية جلية للعيان منها: سلسلة نصوص التعويذ (التعزيم) مثل الـ" الأرواح الشريرة: utukke limnuti)، والمناحات على المعابد المدمرة والمزامير التوبية وغيرها.
تبقى المكانة الرفيعة التي تمتعت بها السومرية كلغة ثقافة جلية من خلال ندرة الترجمات وحتى في حال السماح بأستنساخ النصوص السومرية الأصلية، لا يتم الأستغناء عن النص السومري أو التخلي عنه بل يُحتفظ به جنباً الى جنب ترجمة أكدية تُقحَم ما بين سطور النص الأصلي لتشكل عملاً ثنائي اللغة.
الدراسة والأستنساخ المستمر للنصوص الأدبية السومرية والأكادية في المدارس قاد بحلول منتصف الألف الثاني ق.م الى توحيد معايير الكتابة وأستقرارها ورسوخها. وتم تصنيف النصوص وفقاً لصنفها الأدبي، وكان يتم جمعها وترتيبها غالباً برعاية ودعم ملكيين ومن ثم تمحيصها وتنقيحها ليتم الأقرار بها كصيغة معتمدة.
معظم النصوص الموثوقة أو الرسمية التي كانت مكرَّسة للتعويذ (التعزيم) والتوبة والفأل والنصوص الطبية والمعاجم وغيرها. فضلاً عن الأساطير والملاحم ذات النصوص المطولة والهامة مثل قصة الخليقة الأكادية "إينوما إيليش" وأسطورة "إيرّا"، نرجال وإريشكِغال، وأسطورة إيتانا، وملحمة جلجامش، وملحمة توكولتي – نينورتا، قد تم تنقيحها وتجديدها.
كانت المؤلفات الفلسفية الحكمية التي تُعرَف في الأكادية بـ" لأُمجِّدن سيد الحكمة: Ludlul bel nemeqi" تحظى بأهمية خاصة. وهي تسوّغ أساليب العرّاف التي تتعاطى مع مشكلة المعاقَبين من قبل العدالة، وتشكل مستوى راقياً في صنف الأدب الحكمي (الفلسفي).
ومنذ الألفية الأولى ق.م، نشأت الحوليات التي تستعرض الوقائع والأحداث التاريخية، وجدير بالأشارة الكمّ الوافر من مدونات الجدالات السياسية والدينية التي تعكس التنافس والخصومة بين بابل وآشور. وكذلك ظهور النصوص الأولى لعلم الفلك أو التنجيم.
- النصوص الأدبية:
تعتمد معرفتنا الحالية بآداب بلاد ما بين النهرين في الغالب على الأستكشافات الأركيولوجية، التي شرعت بسبر أغوار أتربة وأنقاض المدن البابلية الآشورية الخربة في أواسط القرن التاسع عشر الميلادي. فتم نبش وتنقيب وأستخراج الآلاف من الألواح من باطن الأرض.
وجاء الأكتشاف المبكر لمكتبة العاهل الآشوري آشور بانيبال في نينوى عام 1849، ليتوج أعمال التنقيبات الأثرية، وذلك في وقت كانت فيه عملية فك رموز وطلاسم المسمارية لا تزال في المهد. هذه المكتبة التي سهر الملك المُحبّ للعلم والمعرفة، آشور بانيبال (668 – 627 ق.م)، أحتوت على ألواح تضم تقريباً كل أنماط وضروب الأدب الرافدي القديم، وأهم ما عُثر عليه في المكتبة الملكية، تلك الألواح التي حملت نصوص المعاجم ذات الفائدة العظيمة، التي نرتاب في أمكانية النجاح في فك رموز المسمارية لولا العثور عليها. وقد تم العثور على مكتبات أخرى - لكن محتوياتها أقل شمولاً – في نمرود وسلطان تبة وآشور (الشرقاط) وهي تعود للعهد ذاته. وقد قام الآثاريون الألمان بالتنقيب عن عدد من المكتبات الخاصة التي كانت النصوص الأدبية تشكل جانباً مهماً من محتوياتها.
كانت مكتبة آشور بانيبال مكتبة حقيقية ، وثمة أكتشاف آخر واسع للنصوص يُعرف بمكتبة المعبد في نيبور تحتوي على مخلفات مدارس النسّاخ في العصر البابلي القديم. فضلاً عن النصوص والكِسَر والشظايا التي تم العثور عليها في أساسات دورٍ للخاصة والتي يبدو بوضوح أنها قد تم نقلها بالعربات الى هناك من بين ركام أنقاض المدارس القديمة ليتم أستخدامها كحشوات لأساسات الأبنية فهي تفي بالغرض تماماً.
-
- الأدب في بلاد الرافدين:
معظم المدونات التي تناهت إلينا من حضارة ما بين النهرين القديمة يتم تصنيفها كأدب ديني، لأن جوهرها بقدر أو بآخر يهيمن عليه الطابع الديني، فمضمون النص الأدبي هو الذي يُحدد صنفه الأدبي إن كان أسطورة أم ملحمة أم ترانيم توبية (تكفيرية) أم تعاويذ أم أدب حِكَمي. وأستثناءً فهناك خارج المجال الأدبي العديد من المدونات العملية التطبيقية النمط. أثنان منها فقط، يعالجان أرشادات الطقوس والفأل وينحَيان منحىً دينياً جلياً، أما الباقي فيتألف من مجموعة رسائل في التاريخ والقانون والأقتصاد والرياضيات والتنجيم والقواميس (المعاجم) وقواعد اللغة، وهي عموماً ذات منحى دنيوي.
ولأن الدين وحده كان قادراً على توفير تصوّر شامل عن الوجود في الحضارة الرافدية القديمة، فالموضوعات والسلوكيات والأفتراضات الدينية تبرز مراراً حتى في الكتابات شبه الدينية.
- الأدب السومري:
نشأ الأدب في بلاد الرافدين على يد السومريين الذين تعود أقدم مدوناتهم المعروفة الى أواسط الألف الرابع قبل الميلاد وهي تُعدُّ أقدم النصوص الأدبية التي عرفتها البشرية. فضلاً عن أن المعايير المنطقية تدل على أن تقليداً عريقاً من الأدب الشفاهي تناقلته الأجيال قد سبق و لاريب تدوين النصوص الأدبية بزمن سحيق، وربما تزامن مع تدوين نصوص تراتيله وأغانيه وقصصه. ويمكننا الأفتراض أن ذلك الأدب الشفاهي قد طوَّر أشكال الأدب الأساسي. بغض النظر عن تضمنه العَرَضي للصيغ الشفاهية، ويمكن الأفتراض عموماً بأنه قد تم تدوينه بعد أختراع فن الكتابة، أستجابة للأمكانية الملفتة بأن الكتابة قد وُجِدت بغية جمع وتنظيم المعلومات.
الغاية من وضع الأدب الأساسي بصيغته الشفاهية الأولية على ما يبدو كان سحرياً بقدر كونه جمالياً أو ترفيهياً مسلياً على نحو أكثر بالأصل. ففي السحر تخلق وتسترد الكلمات وجود ما تعلنه – فكلما كانت النصوص مفعمة بالحيوية وقوية بتعابيرها كلما أزدادت فاعليةً وتأثيراً – إذن بالأدب المُعبِّر والمؤثر تتشكّل أداة طبيعية خلاقة ومبدعة.
يبدو أن الغاية الرئيسية لسكان بلاد الرافدين القديمة كانت تزيين ما يرونه مجدياً وتمجيد ما يجدونه صالحاً. مع أستثناء وحيد للأدب الحِكَمي، فأن نمط الأدب الأساسي أطرائي (مدحي) بطبعه. وأن القوة الساحرة وأستعمال الأطراء والتمجيد غايتها غرس أو مناشدة أو تفعيل الفضائل المتمثلة في الأطراء.
ذلك التمجيد هو في جوهر التراتيل، مثلاً، فقد أظهرت الحقائق أن المدّاح المحترف ، كانت مهمته تلاوة هذه التراتيل المرة تلو المرة، وكان يختتم ترتيلته بالعبارة التالية:
" يا أيها الإله (....)، ما أعذب تسبيحك ". والعبارة ذاتها كانت شائعة في أختتام نصوص الأساطير والملاحم، وهما نمطان آخران من أنماط التمجيد، اللذان يندرجان أيضاً ضمن أدوار وألحان المدّاح. فهما (الأسطورة والملحمة) لا تمجد بالوصف فحسب بل بالرواية أيضاً، وذلك بسرد وتعداد أعمال البطولة والبسالة التي يجترحها البطل المعني، وبالتالي يثبتون ويعززون قوته لأنجاز هكذا مآثر، وفقاً لمنظورهم السحري.
وفي زمن، ربما موغل في القدم، مالت السمة السحرية للأدب الى التواري والغياب عن وعي الناس، فاسحة بذلك المجال لأساليب ومناهج أكثر قرباً الى الجمالية التي أظهرت تراتيل التمجيد كتعبير عن الأخلاص والوفاء والطاعة والولاء، إن كانت شعراً أو بضروب أدبية أخرى.
كان الأعتقاد السائد أن كلاً من التراتيل والأساطير والملاحم تؤازر قوى الوجود والفضائل والمناقب التي تتحلى بها عن طريق التمجيد، لكن المرثيات يُفهم منها أنها لتمجيد النِعَم والقوى الضالة، سعياً الى التواصل معها وأستدعائها أو أستحضارها سحرياً، من خلال قوة وبلاغة التعبير عن التوق الشديد والتلهف إليها والتمثيل الحي لها. وكان نمط الرثاء حرفة قائمة بذاتها يمارسها الندّاب (النوّاح)، وتضمنت ترنيمات جنائزية للآلهة الميتة في شعائر الخصوبة ومرثيات المعابد والمدن المدمرة والمدنَّسة قدسيتها. فمراثي المعابد - التي تعود الى زمن أقدم من سلالة أور الثالثة (نحو 2112 – 2004 ق م)- كانت تُستخدَم للتذكير بجمال وبهاء وقدسية المعبد المفقود كوسيلة لأقناع الإله وحجة لأستمالة مالك المعبد لإعادة ترميمه أو بنائه.
تندب المزامير التكفيرية (التوبية) الأسقام والمحن والمصائب الشخصية وتسعى الى أستعطاف وإثارة شفقة الإله المخاطَب والحصول على دعمه ورضاه. وقد ظهر هذا النمط الأدبي في عهد متأخر، وأغلب الظن أنه قد ظهر في العصر البابلي القديم (نحو القرن التاسع عشر ق.م)، وقد أختفى فيه العامل السحري لكل النوايا والمقاصد.
الأشكال الأدبية الأساسية للآداب النهرينية قد تم تطويرها على يد السومريين على نحو لا لَبَس فيه كمؤلفات شفاهية. والكتابة (الأسفينية / المسمارية) التي تم أقرارها وتبنيها لأول مرة في منتصف الألف الرابع ق.م، كانت في البداية تصويرية في الغالب (كتابات صورية ورمزية) وبقيت وسائل التدوين لزمن مديد تعاني من نقص شديد وقصور في القدرة على الأداء والتعبير عن الكلمة المحكية. وحتى في مطلع عهد السلالة الثالثة في جنوب بلاد الرافدين، تحمل النصوص الأدبية المدونة على رقم محفوظة سمات طريقة الأستذكار، وهي على ما يبدو وسيلة تفترض توفر معرفة شفاهية مسبقة لدى القارئ بالنص المدوَّن.
مع تطوّر دقة الكتابة رويداً رويداً في غضون الألفية الثالثة ق.م، يبدو أن المزيد من المؤلفات الشفاهية قد تم تدوينها، وبحلول عهد السلالة الثالثة في أور (زهاء عام 2112 – 2004 ق.م) كان مقداراً لا بأس به من النصوص قد تم تدوينه وتمت الأضافة اليه من قبل الأجيال المتعاقبة من المؤلفين الموهوبين. وقد حُفِظت لحسن الحظ، وأصبحت نصوص ذلك الأدب جزءاً من المنهج التعليمي المتبع في مدارس التدوين السومرية، تُدرَّس وتُستنسخ نصوصه من قبل الطلاب جيلاً بعد جيل. وبلغت وفرة الألواح والرقم المستنسخة ذروتها إبان العصر البابلي القديم، حيث توفرت خمسون نسخة أو أكثر لكل نص وربما أكثر من ذلك بكثير لا يزال مطموراً في باطن الأرض.
- الأدب الأكدي:
شهدت القرون الأولى من الألفية الثانية ق.م، تراجع السومرية كلغة التداول والثقافة وحلول اللغة الأكادية محلها بسبب دورها كحاملة للثقافة السومرية، لغة الدين والثقافة وسائر الفنون، وعلى أي حال أستمرت السومرية، شأنها شأن اللاتينية في القرون الوسطى لغة للتعليم والتداول في مدارس الكتابة طوال الألفيتين الثانية والأولى قبل الميلاد. وتم وضع مؤلفات جديدة بها، ألا أن فصاحتها أخذت تتدنى مع مرور الزمن.
وحينما حلَّت اللغة الأكادية محل السومرية كلغة التداول اليومي في بلاد ما بين النهرين، لم تكن الأولى (الأكدية) لتفتقر الى تقاليد أدبية خاصة بها. فالكتابة الأكدية، كانت قد تمت أستعارتها عن السومرية منذ زمن مبكر. وكان الأدب الأكادي لا يزال حتى العصور البابلية القديمة (نحو القرن التاسع عشر ق.م) واقعاً تحت تأثير النماذج والأساليب السومرية وكذلك موضوعاته، لكن الأكادية قد طوَّرت الأساطير والملاحم وأسبغت عليها سماتها وخصوصيتها، ومن ضمنها ملحمة جلجامش الرائعة (التي تعالج مشكلة الموت)، وكذلك تم تطوير الترانيم ونصوص الخُطب والمواعظ والترانيم التوبية، ووضع عدد غير قليل من الكتابات الأرشادية الجديدة التي تبحث، على سبيل المثال، في: الفأل والشعائر والطقوس والقوانين (التي كانت في أغلب الأحيان مترجمة عن النصوص السومرية الأصلية) ونصوصاً في الرياضيات والنحو. وثمة كم جدير بالأهتمام من الترجمات المنقولة عن السومرية جلية للعيان منها: سلسلة نصوص التعويذ (التعزيم) مثل الـ" الأرواح الشريرة: utukke limnuti)، والمناحات على المعابد المدمرة والمزامير التوبية وغيرها.
تبقى المكانة الرفيعة التي تمتعت بها السومرية كلغة ثقافة جلية من خلال ندرة الترجمات وحتى في حال السماح بأستنساخ النصوص السومرية الأصلية، لا يتم الأستغناء عن النص السومري أو التخلي عنه بل يُحتفظ به جنباً الى جنب ترجمة أكدية تُقحَم ما بين سطور النص الأصلي لتشكل عملاً ثنائي اللغة.
الدراسة والأستنساخ المستمر للنصوص الأدبية السومرية والأكادية في المدارس قاد بحلول منتصف الألف الثاني ق.م الى توحيد معايير الكتابة وأستقرارها ورسوخها. وتم تصنيف النصوص وفقاً لصنفها الأدبي، وكان يتم جمعها وترتيبها غالباً برعاية ودعم ملكيين ومن ثم تمحيصها وتنقيحها ليتم الأقرار بها كصيغة معتمدة.
معظم النصوص الموثوقة أو الرسمية التي كانت مكرَّسة للتعويذ (التعزيم) والتوبة والفأل والنصوص الطبية والمعاجم وغيرها. فضلاً عن الأساطير والملاحم ذات النصوص المطولة والهامة مثل قصة الخليقة الأكادية "إينوما إيليش" وأسطورة "إيرّا"، نرجال وإريشكِغال، وأسطورة إيتانا، وملحمة جلجامش، وملحمة توكولتي – نينورتا، قد تم تنقيحها وتجديدها.
كانت المؤلفات الفلسفية الحكمية التي تُعرَف في الأكادية بـ" لأُمجِّدن سيد الحكمة: Ludlul bel nemeqi" تحظى بأهمية خاصة. وهي تسوّغ أساليب العرّاف التي تتعاطى مع مشكلة المعاقَبين من قبل العدالة، وتشكل مستوى راقياً في صنف الأدب الحكمي (الفلسفي).
ومنذ الألفية الأولى ق.م، نشأت الحوليات التي تستعرض الوقائع والأحداث التاريخية، وجدير بالأشارة الكمّ الوافر من مدونات الجدالات السياسية والدينية التي تعكس التنافس والخصومة بين بابل وآشور. وكذلك ظهور النصوص الأولى لعلم الفلك أو التنجيم.
- النصوص الأدبية:
تعتمد معرفتنا الحالية بآداب بلاد ما بين النهرين في الغالب على الأستكشافات الأركيولوجية، التي شرعت بسبر أغوار أتربة وأنقاض المدن البابلية الآشورية الخربة في أواسط القرن التاسع عشر الميلادي. فتم نبش وتنقيب وأستخراج الآلاف من الألواح من باطن الأرض.
وجاء الأكتشاف المبكر لمكتبة العاهل الآشوري آشور بانيبال في نينوى عام 1849، ليتوج أعمال التنقيبات الأثرية، وذلك في وقت كانت فيه عملية فك رموز وطلاسم المسمارية لا تزال في المهد. هذه المكتبة التي سهر الملك المُحبّ للعلم والمعرفة، آشور بانيبال (668 – 627 ق.م)، أحتوت على ألواح تضم تقريباً كل أنماط وضروب الأدب الرافدي القديم، وأهم ما عُثر عليه في المكتبة الملكية، تلك الألواح التي حملت نصوص المعاجم ذات الفائدة العظيمة، التي نرتاب في أمكانية النجاح في فك رموز المسمارية لولا العثور عليها. وقد تم العثور على مكتبات أخرى - لكن محتوياتها أقل شمولاً – في نمرود وسلطان تبة وآشور (الشرقاط) وهي تعود للعهد ذاته. وقد قام الآثاريون الألمان بالتنقيب عن عدد من المكتبات الخاصة التي كانت النصوص الأدبية تشكل جانباً مهماً من محتوياتها.
كانت مكتبة آشور بانيبال مكتبة حقيقية ، وثمة أكتشاف آخر واسع للنصوص يُعرف بمكتبة المعبد في نيبور تحتوي على مخلفات مدارس النسّاخ في العصر البابلي القديم. فضلاً عن النصوص والكِسَر والشظايا التي تم العثور عليها في أساسات دورٍ للخاصة والتي يبدو بوضوح أنها قد تم نقلها بالعربات الى هناك من بين ركام أنقاض المدارس القديمة ليتم أستخدامها كحشوات لأساسات الأبنية فهي تفي بالغرض تماماً.
-
عدل سابقا من قبل اسحق قومي في الأحد أبريل 26, 2009 5:41 am عدل 1 مرات
تابع للموضوع ضروب الأدب الرافدي القديم.(الأسطورة)
ضروب الأدب الرافدي القديم:
- الأسطورة:
يتمحور صنف الأساطير في الأدب الرافدي القديم عموماً حول التمجيد الذي يُعدد المآثر والبطولات، التي يكون أبطالها ومجترحوها في الغالب من الآلهة وأنصاف الآلهة.
- الأساطير السومرية:
تنزع الأعمال في أقدم الأساطير السومرية الى كونها وثيقة الصلة بالخصوصيات أكثر من كونها تتناول مواضيعاً كونية شاملة، إذ يمكن فهمها من خلال تعاطيها مع مآثر وسلطات إله خاص ضمن مضمار محدود بأطار بنفوذه في الكون. وتُعدُّ أسطورة "موت دوموزي" نموذجاً لهذا الضرب من الأساطير، فالأسطورة تروي كيف أن دوموزي " مُحيي الشباب" رمز خصوبة الربيع، كان قد حلم بموته على أيدي مجموعة من العفاريت المرسلة من العالم الأسفل، ومحاولته التواري عن الأنظار، بيد أن خيانة صديقه كشفت مخبئه رغم كل مساعي شقيقته في التستر على مخبئه.
أسطورة مماثلة هي "نزول إينانا" تروي كيف أن الإلهة إينانا (سيدة أعذاق البلح) التي عقدت العزم على السيطرة على العالم الأسفل، فحاولت عزل شقيقتها الكبرى، ملكة العالم الأسفل "إيريشكيغال: سيدة الأرض العظمى" ، لكنها لم تُفلح في مسعاها، إذ قُتِلت وأُحيل جسدها إرباً من اللحم النتن في العالم الأسفل.
كلَّفت إعادة إينانا الى الحياة الإله إنكي (سيد الأرض) كل حذاقته وبراعته، حتى أن أخلاء سبيلها تم شريطة توفير بديل لها يحلّ محلها في العالم الأسفل. وبعودتها من العالم الأسفل وجدت زوجها الشاب دوموزي وهو يحتفل بدل أن يُعلن الحداد بسبب غيابها، فأعترتها الغيرة وفي سورة غضبها أختارته ليكون بديلاً عنها. حاول دوموزي الفرار من قبضة العفاريت المرافقين لإنانا، فتدبر فراره بمساعدة إله الشمس (أوتو)، الذي غيَّر هيئة دوموزي، لكن سرعان ما أستطاعت العفاريت العثور عليه وألقاء القبض عليه ليفر ثانية ويُلقى عليه القبض مجدداً ويتكرر ذلك المشهد مراراً حتى يتم أخذه في نهاية المطاف الى العالم الأسفل، فأخبرت الذبابة شقيقته الصغرى (غيشتنانا) بأمره، فأخذت شقيقته تبحث عنه. وتنتهي الأسطورة حينما تكافئ إنانا الذبابة وتقرر تناوب دوموزي وشقيقته الصغرى ليُمضي كل منهما نصف السنة في العالم الأسفل ويقضي النصف الآخر من السنة في عالم الأحياء.
" فلنمضِ أذن الى "كولاب" مدينة "دموزي"
(وفي كولاب) وضع دموزي عليه ثياب فاخرة وأعتلى عرشه
فأنقضَّت عليه العفاريتُ وجرّوه من ساقيه
أنقضَّت عليه العفاريتُ السبعة كما يفعلون مع الرجل العليل
فأنقطع الراعي عن نفخ نايه ومزماره
ثم ركزت (أنانا) أنظارها عليه . ركزت أنظار الموت
ونطقت ضده بالكلمة نطقت بالكلمة التي تُعذِّب الروح
وصرخت فيه صرخة الأتهام قائلة:
أما هذا فخذوه
وبذلك أسلمت أنانا الطاهرة دموزي الراعي الى أيديهم."
أما الأسطورة الثالثة التي تتناول موضوع الأرتحال أو النزول الى العالم الأسفل فهي أسطورة "ولادة إله القمر وأشقاءه"، والأسطورة تروي كيف أن أنليل (سيد الريح) ألتقى في شبابه الإلهة الشابة ننليل (إلهة الحبوب) التي لم تطع أمها فذهبت للسباحة في الجدول، وثمة ضاجعها أنليل رغم أحتجاجها لتُنجِب منه في ما بعد إله القمر( سين) وبسبب ذلك الإثم تم نفي إنليل من نيبور ليسلك سبيله الى العالم الأسفل. وبعد أن أنجبت ننليل ولدها تبتعته. وفي الطريق تنكّر أنليل أولاً بهيئة بوّاب نيبور، ومن ثم بهيئة رجل نهر العالم الأسفل وأخيراً بهيئة مراكبي نهر العالم الأسفل، وفي كل مرة كان أنليل المتنكر يُغري ننليل لتدعه يضاجعها فتُنجب ولداً يحل محل ولدها (سين) في العالم الأسفل ويطلق سراحه ليعود الى العالم الأعلى. وتختتم الأسطورة بترتيلة شكر لأنليل بأعتباره مصدر خصب ووفرة ولدوام صدق كلمته.
- الملاحم:
يبدو أن صُنف الملاحم في الأدب الرافدي عموماً قد جاء متأخراً عن الأساطير وكان الأول وثيق الصلة بالحاجة الى ترسيخ مفهوم الملكية في أواسط عصر السلالات المبكرة. وكما يبدو فأن الأعمال التي وصلتنا تعود جميعها الى مراحل متأخرة. وتنفرد ملحمة "جلجامش وأجّا من كيش"، بكونها قد رويت على النمط الأولي للملحمة. والملحمة المذكورة تتناول نجاح تمرد جلجامش على اسياده وعلى أجا الكيشي الذي كان قد أحسن إليه في السابق.
في حين تتسم روايات "إنميركار وسيد آراتّا" و "إنميركار وإنسوهكيشدانّا" و"ملحمة لوجال باندا" برومانسية أكثر ولكل منها حكام أبطال من سلالة أوروك الأولى (زهاء 3500 ق م). وتتناول رواياتها الحروب ما بين تلك المدينة و مدينة آراتّا الخرافية في المرتفعات الشرقية. كما يُعتبر جلجامش وهو ينتمي الى السلالة ذاتها أيضاً بطلُ عدد من الروايات القصيرة، فعلى سبيل المثال، صراع جلجامش ضد خمبابا وصراع جلجامش وثور السماء التي ترد على نحو ملحمي، وسواها مثل موت أنكيدو، وجلجامش وأنكيدو والعالم السفلي، التي تتعلق بمسألة مواجهة الموت الذي لا مفرّ منه وسمات الحياة ما بعد الممات.
السلالة الأكثر تأخراً التي أستلهمت النمط الملحمي على نحو مماثل، هي سلالة أكاد (نحو 2334 ـ 2154 ق م) فالنهوض السريع لمؤسسها سرجون الأكدي من شخص مغمور يسطع نجم شهرته وتشيع أنباء أنتصاراته على لوجال زاكيزي حاكم أوروك، يشغل موضوعات عدد من الروايات. والزوال المفاجئ للأمبراطورية الأكدية في عهد حفيده نرام سن يمثل موضوع الملحمة.
- ملحمة جلجامش الأكدية:
يبدو أنها قد تم تأليفها في العصور البابلية القديمة وأُعيدت صياغتها لاحقاً في الألف الأول قبل الميلاد. الملحمة تروي كيف كان جلجامش حاكم أوروك الشاب يسوق رعاياه بالسوط والقسوة مما جعلهم يستغيثون الآلهة لأنقاذهم من بطش وطغيان حاكمهم، فخلقت الآلهة أنكيدو الرجل المتوحش الذي عاش بداية حياته مع الحيوانات البرية إلاّ أنه تم أغواءه ليبتعد عن الحيوانات ويغدو صديقاً لجلجامش، ليقهرا في ما بعد سوية (خمبابا) الرهيب، الذي كان إنليل قد نصبه حارساً لغابة الأرز الغربية، وأثناء عودتهما منتصرين أُغرمت عشتار إلهة أوروك بحب جلجامش، لكنه نبذها ورذلها، فأستشاطت عشتار غضباً وأرسلت "ثور السماء" المروّع لينتقم من جلجامش، لكن جلجامش ورفيقه أنكيدو أفلحا في القضاء على ثور السماء. وفي هذه اللحظة تنقلب أقدارهما، فإنليل المغتاض لقتل خمبابا، يسبب في مرض أنكيدو وموته، أما جلجامش الذي لم يعد له عزاء بموت رفيقه أصابه الهلع لأدراكه أن الموت سيدركه يوماً ما لا محالة، فينطلق في رحلته بحثاً عن الخلود.
" لم يترك جلجامش أبناً لأبيه
ولم تنقطع مظالمه عن الناس ليل نهار
ولكن جلجامش هو راعي "أوروك"، السور والحمى
أنه راعينا: قوي وجميل وحكيم". (اللوح الأول: ملحمة جلجامش)
وبعد سلسلة من المغامرات يلتقي بأحد أسلافه، ألا وهو أوتنابشتم الذي ضمنت له الآلهة الخلود، غير أن مسألته كانت فريدة ولم يكن في متناوله ما يقدمه لمساعدة جلجامش الباحث عن الخلود. فأوتنابشتم كافأته الآلهة على حسن صنيعه في أنقاذ حياة البشر وسائر الحيوانات في زمن الطوفان. وفي حال تأهب جلجامش للعودة الى دياره تم أبلاغه بنبأ العشبة التي تُعيد الشباب وتحيل الشيخ الهرم شاباً يافعاً. فيشرع جلجامش بالبحث عن العشبة حتى يعثر عليها ويعقد العزم على العودة بها الى بلاده، لكنه أثناء رحلة العودة ولشدة الحرارة حط الرحال على شاطئ بركة ليغتسل ويرتاح من عناء ومشقة الأرتحال فترك العشبة على الشاطئ ليدخل بركة الماء وفي غضون ذلك أشتمت الأفعى رائحة العشبة فزحفت خارجة من جحرها لتلتهم العشبة وتحرم منها جلجامش وسائر البشر. فعاد جلجامش خالي الوفاض بعد أن تيقن أن لا سبيل الى الخلود إلا بما يتركه الإنسان من المنجزات والأعمال الصالحة التي ستخلد ذكراه.
" لقد جئت يا جلجامش الى هنا وقد عانيت التعب والعناء
فماذا عساني أن أمنحك حتى تعود الى بلادك؟
سأفتح لك يا جلجامش سراً خفياً
أجل سأبوح لك بسرّ من أسرار الآلهة
يوجد نبات مثل الشوك ينبت في المياه
أنه كالورد شوكه يخز يديك كما يفعل الورد
فإذا حصلت يداك على هذا النبات وجدت الحياة الجديدة" . (اللوح الحادي عشر: ملحمة جلجامش)
لا ريب أن ملحمة جلجامش تُعبِّر عن قيم واضحة: فالمحاربون الذين لا يهابون الموت ولا ترتعد فرائصهم أمام المخاطر والأهوال، الذين يرد ذكرهم في الشطر الأول من الملحمة، نراهم يلازمهم الهلع ويلاحقهم شبح الموت ويطاردهم في الشطر الأخير من الملحمة.
ثمة ملحمة أكدية أخرى تستحق الذكر هي "ملحمة إيتانا" التي تروي نقل إيتانا الملك الأول على متن نسر الى السماء ليحصل هناك على عشبة الولادة، ليلد أبنه البكر. وتروي الملحمة عن ولادة سرجون الأكدي وكيف وضعته أمه في سفط لتتركه في مجرى النهر، والعثور عليه من قبل رجل يقف على تنشئته كأبن له.
رواية أخرى تتحدث عن فتوحات سرجون الأكدي "ملك الحرب" في آسيا الصغرى بغية حماية التجارة الخارجية. بينما يُمثِّل حفيده نرام سن الشخصية المحورية في رواية أخرى تتناول زهو الملك وفخاره ولها أيضاً صلة بالغزوات المدمرة التي يشنها الأعداء البرابرة.
يتمثل النضوج والأزدهار المتأخر للملحمة الأولية في الملحمة الآشورية "توكولتي ـ نينورتا" الذي حكم في الفترة (1245 ـ 1208 ق م) وهي تتناول حروب ملوك آشور ضد البابليين.
- تأثير أدب بلاد ما بين النهرين:
لا ريب أن أدب بلاد الرافدين قد ترك بصمات جلية على سائر الآداب التي نشأت لاحقاً في البلدان المجاورة مثل سوريا وأسرائيل وفينيقيا واليونان وبلاد الحيثيين، فقصة الطوفان النهرانية التي عُرفت في بابل القديمة بـ(أسطورة أتراهاسيس: بطل الطوفان) التي دُمجت في ما بعد في ملحمة جلجامش، تُظهِر في تفاصيلها شبهاً كبيراً برواية نوح والطوفان في العهد القديم، وهنا لا يخفى التأثير النهراني المباشر رغم التباين بين النصين. كما يمكن أقتفاء آثار الرواية البابلية حول أجيال الآلهة الحاكمة – سلالة دونّوم – لدى الفينيقيين ومن ثم لدى اليونان، التي تتحدث عن ولادة الآلهة، وكذلك تجد سبيلها الى بلاد الحيثيين ولو بصيغة مغايرة. على ما يبدو ليست المؤلفات المنفردة والموضوعات الأدبية هي التي أنتشرت فحسب بل حتى الأشكال الأدبية قد تمت أستعارتها كما في التوراة فأن سفر المراثي الذي نراه جلياً في التقليد النهراني كصنف المراثي (المناحات) للمعابد والمدن.
وضرب آخر مماثل من ضروب الأدب هو صنف المزامير (الترانيم) التوبية التي تم تطويرها في بلاد الرافدين في مطلع الألف الثاني ق.م، نجده هو الآخر منتشر لدى الحيثيين والمصريين خلال أواسط وأواخر الألف الثاني ق.م، ثم يواصل أنتشاره ليصل أسرائيل بصيغة المزامير المعروفة (مزامير داود). وأيسر من ذلك أستشفاف التأثير الآشوري – رغم أن النسخة المسمارية الأصلية لم يتم العثور عليها بعد ـ من خلال أنتشار كتاب أخيقار الحكيم، وزير الملك الآشوري سنحاريب (المتوفي عام 681 ق.م)، وقد شاع الكتاب بنصه الآرامي في كافة أرجاء الشرق الأدنى. وأنتشار الخرافات التي جاءت على ألسنة البهائم والنباتات في اليونان غرباً والهند شرقاً والتي يُستدل على أن منبعها بلاد ما بين النهرين. وفضلاً عن أنتشار الأدب الجوهري فقد أنتشر أيضاً أدب الكتيبات، رغم أنه في هذا المضمار يتعذر علينا تمييز ما إذا كانت المادة المستعارة تشمل الأدب والمعلومات أم المضمون فحسب. ولا تفوتنا هنا الإشارة الى الأنتشار المبكر لنصوص القوانين المدونة وطرق الحسابات التجارية بصيغتها الرسمية، في سوريا وآسيا الصغرى غرباً وإيران شرقاً، وصيغ التقاليد القانونية لبلاد ما بين النهرين تبدو جلية في القوانين العبرانية. ولا تشذ عن ذلك العلوم الرياضية والفلكية وسائر الأختراعات.
*****************************************************
2
- الأسطورة:
يتمحور صنف الأساطير في الأدب الرافدي القديم عموماً حول التمجيد الذي يُعدد المآثر والبطولات، التي يكون أبطالها ومجترحوها في الغالب من الآلهة وأنصاف الآلهة.
- الأساطير السومرية:
تنزع الأعمال في أقدم الأساطير السومرية الى كونها وثيقة الصلة بالخصوصيات أكثر من كونها تتناول مواضيعاً كونية شاملة، إذ يمكن فهمها من خلال تعاطيها مع مآثر وسلطات إله خاص ضمن مضمار محدود بأطار بنفوذه في الكون. وتُعدُّ أسطورة "موت دوموزي" نموذجاً لهذا الضرب من الأساطير، فالأسطورة تروي كيف أن دوموزي " مُحيي الشباب" رمز خصوبة الربيع، كان قد حلم بموته على أيدي مجموعة من العفاريت المرسلة من العالم الأسفل، ومحاولته التواري عن الأنظار، بيد أن خيانة صديقه كشفت مخبئه رغم كل مساعي شقيقته في التستر على مخبئه.
أسطورة مماثلة هي "نزول إينانا" تروي كيف أن الإلهة إينانا (سيدة أعذاق البلح) التي عقدت العزم على السيطرة على العالم الأسفل، فحاولت عزل شقيقتها الكبرى، ملكة العالم الأسفل "إيريشكيغال: سيدة الأرض العظمى" ، لكنها لم تُفلح في مسعاها، إذ قُتِلت وأُحيل جسدها إرباً من اللحم النتن في العالم الأسفل.
كلَّفت إعادة إينانا الى الحياة الإله إنكي (سيد الأرض) كل حذاقته وبراعته، حتى أن أخلاء سبيلها تم شريطة توفير بديل لها يحلّ محلها في العالم الأسفل. وبعودتها من العالم الأسفل وجدت زوجها الشاب دوموزي وهو يحتفل بدل أن يُعلن الحداد بسبب غيابها، فأعترتها الغيرة وفي سورة غضبها أختارته ليكون بديلاً عنها. حاول دوموزي الفرار من قبضة العفاريت المرافقين لإنانا، فتدبر فراره بمساعدة إله الشمس (أوتو)، الذي غيَّر هيئة دوموزي، لكن سرعان ما أستطاعت العفاريت العثور عليه وألقاء القبض عليه ليفر ثانية ويُلقى عليه القبض مجدداً ويتكرر ذلك المشهد مراراً حتى يتم أخذه في نهاية المطاف الى العالم الأسفل، فأخبرت الذبابة شقيقته الصغرى (غيشتنانا) بأمره، فأخذت شقيقته تبحث عنه. وتنتهي الأسطورة حينما تكافئ إنانا الذبابة وتقرر تناوب دوموزي وشقيقته الصغرى ليُمضي كل منهما نصف السنة في العالم الأسفل ويقضي النصف الآخر من السنة في عالم الأحياء.
" فلنمضِ أذن الى "كولاب" مدينة "دموزي"
(وفي كولاب) وضع دموزي عليه ثياب فاخرة وأعتلى عرشه
فأنقضَّت عليه العفاريتُ وجرّوه من ساقيه
أنقضَّت عليه العفاريتُ السبعة كما يفعلون مع الرجل العليل
فأنقطع الراعي عن نفخ نايه ومزماره
ثم ركزت (أنانا) أنظارها عليه . ركزت أنظار الموت
ونطقت ضده بالكلمة نطقت بالكلمة التي تُعذِّب الروح
وصرخت فيه صرخة الأتهام قائلة:
أما هذا فخذوه
وبذلك أسلمت أنانا الطاهرة دموزي الراعي الى أيديهم."
أما الأسطورة الثالثة التي تتناول موضوع الأرتحال أو النزول الى العالم الأسفل فهي أسطورة "ولادة إله القمر وأشقاءه"، والأسطورة تروي كيف أن أنليل (سيد الريح) ألتقى في شبابه الإلهة الشابة ننليل (إلهة الحبوب) التي لم تطع أمها فذهبت للسباحة في الجدول، وثمة ضاجعها أنليل رغم أحتجاجها لتُنجِب منه في ما بعد إله القمر( سين) وبسبب ذلك الإثم تم نفي إنليل من نيبور ليسلك سبيله الى العالم الأسفل. وبعد أن أنجبت ننليل ولدها تبتعته. وفي الطريق تنكّر أنليل أولاً بهيئة بوّاب نيبور، ومن ثم بهيئة رجل نهر العالم الأسفل وأخيراً بهيئة مراكبي نهر العالم الأسفل، وفي كل مرة كان أنليل المتنكر يُغري ننليل لتدعه يضاجعها فتُنجب ولداً يحل محل ولدها (سين) في العالم الأسفل ويطلق سراحه ليعود الى العالم الأعلى. وتختتم الأسطورة بترتيلة شكر لأنليل بأعتباره مصدر خصب ووفرة ولدوام صدق كلمته.
- الملاحم:
يبدو أن صُنف الملاحم في الأدب الرافدي عموماً قد جاء متأخراً عن الأساطير وكان الأول وثيق الصلة بالحاجة الى ترسيخ مفهوم الملكية في أواسط عصر السلالات المبكرة. وكما يبدو فأن الأعمال التي وصلتنا تعود جميعها الى مراحل متأخرة. وتنفرد ملحمة "جلجامش وأجّا من كيش"، بكونها قد رويت على النمط الأولي للملحمة. والملحمة المذكورة تتناول نجاح تمرد جلجامش على اسياده وعلى أجا الكيشي الذي كان قد أحسن إليه في السابق.
في حين تتسم روايات "إنميركار وسيد آراتّا" و "إنميركار وإنسوهكيشدانّا" و"ملحمة لوجال باندا" برومانسية أكثر ولكل منها حكام أبطال من سلالة أوروك الأولى (زهاء 3500 ق م). وتتناول رواياتها الحروب ما بين تلك المدينة و مدينة آراتّا الخرافية في المرتفعات الشرقية. كما يُعتبر جلجامش وهو ينتمي الى السلالة ذاتها أيضاً بطلُ عدد من الروايات القصيرة، فعلى سبيل المثال، صراع جلجامش ضد خمبابا وصراع جلجامش وثور السماء التي ترد على نحو ملحمي، وسواها مثل موت أنكيدو، وجلجامش وأنكيدو والعالم السفلي، التي تتعلق بمسألة مواجهة الموت الذي لا مفرّ منه وسمات الحياة ما بعد الممات.
السلالة الأكثر تأخراً التي أستلهمت النمط الملحمي على نحو مماثل، هي سلالة أكاد (نحو 2334 ـ 2154 ق م) فالنهوض السريع لمؤسسها سرجون الأكدي من شخص مغمور يسطع نجم شهرته وتشيع أنباء أنتصاراته على لوجال زاكيزي حاكم أوروك، يشغل موضوعات عدد من الروايات. والزوال المفاجئ للأمبراطورية الأكدية في عهد حفيده نرام سن يمثل موضوع الملحمة.
- ملحمة جلجامش الأكدية:
يبدو أنها قد تم تأليفها في العصور البابلية القديمة وأُعيدت صياغتها لاحقاً في الألف الأول قبل الميلاد. الملحمة تروي كيف كان جلجامش حاكم أوروك الشاب يسوق رعاياه بالسوط والقسوة مما جعلهم يستغيثون الآلهة لأنقاذهم من بطش وطغيان حاكمهم، فخلقت الآلهة أنكيدو الرجل المتوحش الذي عاش بداية حياته مع الحيوانات البرية إلاّ أنه تم أغواءه ليبتعد عن الحيوانات ويغدو صديقاً لجلجامش، ليقهرا في ما بعد سوية (خمبابا) الرهيب، الذي كان إنليل قد نصبه حارساً لغابة الأرز الغربية، وأثناء عودتهما منتصرين أُغرمت عشتار إلهة أوروك بحب جلجامش، لكنه نبذها ورذلها، فأستشاطت عشتار غضباً وأرسلت "ثور السماء" المروّع لينتقم من جلجامش، لكن جلجامش ورفيقه أنكيدو أفلحا في القضاء على ثور السماء. وفي هذه اللحظة تنقلب أقدارهما، فإنليل المغتاض لقتل خمبابا، يسبب في مرض أنكيدو وموته، أما جلجامش الذي لم يعد له عزاء بموت رفيقه أصابه الهلع لأدراكه أن الموت سيدركه يوماً ما لا محالة، فينطلق في رحلته بحثاً عن الخلود.
" لم يترك جلجامش أبناً لأبيه
ولم تنقطع مظالمه عن الناس ليل نهار
ولكن جلجامش هو راعي "أوروك"، السور والحمى
أنه راعينا: قوي وجميل وحكيم". (اللوح الأول: ملحمة جلجامش)
وبعد سلسلة من المغامرات يلتقي بأحد أسلافه، ألا وهو أوتنابشتم الذي ضمنت له الآلهة الخلود، غير أن مسألته كانت فريدة ولم يكن في متناوله ما يقدمه لمساعدة جلجامش الباحث عن الخلود. فأوتنابشتم كافأته الآلهة على حسن صنيعه في أنقاذ حياة البشر وسائر الحيوانات في زمن الطوفان. وفي حال تأهب جلجامش للعودة الى دياره تم أبلاغه بنبأ العشبة التي تُعيد الشباب وتحيل الشيخ الهرم شاباً يافعاً. فيشرع جلجامش بالبحث عن العشبة حتى يعثر عليها ويعقد العزم على العودة بها الى بلاده، لكنه أثناء رحلة العودة ولشدة الحرارة حط الرحال على شاطئ بركة ليغتسل ويرتاح من عناء ومشقة الأرتحال فترك العشبة على الشاطئ ليدخل بركة الماء وفي غضون ذلك أشتمت الأفعى رائحة العشبة فزحفت خارجة من جحرها لتلتهم العشبة وتحرم منها جلجامش وسائر البشر. فعاد جلجامش خالي الوفاض بعد أن تيقن أن لا سبيل الى الخلود إلا بما يتركه الإنسان من المنجزات والأعمال الصالحة التي ستخلد ذكراه.
" لقد جئت يا جلجامش الى هنا وقد عانيت التعب والعناء
فماذا عساني أن أمنحك حتى تعود الى بلادك؟
سأفتح لك يا جلجامش سراً خفياً
أجل سأبوح لك بسرّ من أسرار الآلهة
يوجد نبات مثل الشوك ينبت في المياه
أنه كالورد شوكه يخز يديك كما يفعل الورد
فإذا حصلت يداك على هذا النبات وجدت الحياة الجديدة" . (اللوح الحادي عشر: ملحمة جلجامش)
لا ريب أن ملحمة جلجامش تُعبِّر عن قيم واضحة: فالمحاربون الذين لا يهابون الموت ولا ترتعد فرائصهم أمام المخاطر والأهوال، الذين يرد ذكرهم في الشطر الأول من الملحمة، نراهم يلازمهم الهلع ويلاحقهم شبح الموت ويطاردهم في الشطر الأخير من الملحمة.
ثمة ملحمة أكدية أخرى تستحق الذكر هي "ملحمة إيتانا" التي تروي نقل إيتانا الملك الأول على متن نسر الى السماء ليحصل هناك على عشبة الولادة، ليلد أبنه البكر. وتروي الملحمة عن ولادة سرجون الأكدي وكيف وضعته أمه في سفط لتتركه في مجرى النهر، والعثور عليه من قبل رجل يقف على تنشئته كأبن له.
رواية أخرى تتحدث عن فتوحات سرجون الأكدي "ملك الحرب" في آسيا الصغرى بغية حماية التجارة الخارجية. بينما يُمثِّل حفيده نرام سن الشخصية المحورية في رواية أخرى تتناول زهو الملك وفخاره ولها أيضاً صلة بالغزوات المدمرة التي يشنها الأعداء البرابرة.
يتمثل النضوج والأزدهار المتأخر للملحمة الأولية في الملحمة الآشورية "توكولتي ـ نينورتا" الذي حكم في الفترة (1245 ـ 1208 ق م) وهي تتناول حروب ملوك آشور ضد البابليين.
- تأثير أدب بلاد ما بين النهرين:
لا ريب أن أدب بلاد الرافدين قد ترك بصمات جلية على سائر الآداب التي نشأت لاحقاً في البلدان المجاورة مثل سوريا وأسرائيل وفينيقيا واليونان وبلاد الحيثيين، فقصة الطوفان النهرانية التي عُرفت في بابل القديمة بـ(أسطورة أتراهاسيس: بطل الطوفان) التي دُمجت في ما بعد في ملحمة جلجامش، تُظهِر في تفاصيلها شبهاً كبيراً برواية نوح والطوفان في العهد القديم، وهنا لا يخفى التأثير النهراني المباشر رغم التباين بين النصين. كما يمكن أقتفاء آثار الرواية البابلية حول أجيال الآلهة الحاكمة – سلالة دونّوم – لدى الفينيقيين ومن ثم لدى اليونان، التي تتحدث عن ولادة الآلهة، وكذلك تجد سبيلها الى بلاد الحيثيين ولو بصيغة مغايرة. على ما يبدو ليست المؤلفات المنفردة والموضوعات الأدبية هي التي أنتشرت فحسب بل حتى الأشكال الأدبية قد تمت أستعارتها كما في التوراة فأن سفر المراثي الذي نراه جلياً في التقليد النهراني كصنف المراثي (المناحات) للمعابد والمدن.
وضرب آخر مماثل من ضروب الأدب هو صنف المزامير (الترانيم) التوبية التي تم تطويرها في بلاد الرافدين في مطلع الألف الثاني ق.م، نجده هو الآخر منتشر لدى الحيثيين والمصريين خلال أواسط وأواخر الألف الثاني ق.م، ثم يواصل أنتشاره ليصل أسرائيل بصيغة المزامير المعروفة (مزامير داود). وأيسر من ذلك أستشفاف التأثير الآشوري – رغم أن النسخة المسمارية الأصلية لم يتم العثور عليها بعد ـ من خلال أنتشار كتاب أخيقار الحكيم، وزير الملك الآشوري سنحاريب (المتوفي عام 681 ق.م)، وقد شاع الكتاب بنصه الآرامي في كافة أرجاء الشرق الأدنى. وأنتشار الخرافات التي جاءت على ألسنة البهائم والنباتات في اليونان غرباً والهند شرقاً والتي يُستدل على أن منبعها بلاد ما بين النهرين. وفضلاً عن أنتشار الأدب الجوهري فقد أنتشر أيضاً أدب الكتيبات، رغم أنه في هذا المضمار يتعذر علينا تمييز ما إذا كانت المادة المستعارة تشمل الأدب والمعلومات أم المضمون فحسب. ولا تفوتنا هنا الإشارة الى الأنتشار المبكر لنصوص القوانين المدونة وطرق الحسابات التجارية بصيغتها الرسمية، في سوريا وآسيا الصغرى غرباً وإيران شرقاً، وصيغ التقاليد القانونية لبلاد ما بين النهرين تبدو جلية في القوانين العبرانية. ولا تشذ عن ذلك العلوم الرياضية والفلكية وسائر الأختراعات.
*****************************************************
2
عدل سابقا من قبل اسحق قومي في الأحد أبريل 26, 2009 5:42 am عدل 1 مرات
تابع للموضوع.الأدب الأشوري المسيحي في القرون الأولى.
- الأدب الآشوري المسيحي القديم (القرن الأول للميلاد - القرن السابع)
الآرامية (السريانية) فرع مهم من فصيلة اللغات السامية، وكما ذكرنا في موضوعنا عن اللغات السامية أن الآرامية تنتمي الى مجموعة اللغات السامية الشمالية الغربية، واللغات الرئيسية في هذه المجموعة هي: اللغات الكنعانية و الآرامية. وقد بلغت اللغة الآرامية مصاف اللغات المعروفة في حدود عام 850 قبل الميلاد في سوريا، وأنتشرت بسرعة مذهلة في المناطق المجاورة، وبحلول القرن السادس ق.م. بدأ أستعمالها كلغة للإدارة، وفي عهد الأسكندر المقدوني الكبير (356 – 323 ق.م) أضحت اللغة الرسمية المشتركة لعموم الشرق الأوسط ولجلَّ الأمم والشعوب القاطنة في المناطق الممتدة من آسيا الصغرى حتى قلب بلاد فارس، ومن أرمينيا شمالاً الى شبه جزيرة العرب جنوباً. فأندرست بفعلها العديد من اللغات السامية العريقة وبضمنها الأكدية والعبرية وحلَّت الآرامية محلها. ولم تزاحمها سوى اليونانية في بسط سيادتها على الشرق الأوسط حتى عهد الفتوحات العربية الأسلامية في القرن السابع للميلاد.
ومع بزوغ فجر المسيحية، كانت الآرامية المكتوبة قد أنقسمت الى لهجتين غربية وشرقية. أستُخدمَت الغربية منها في فلسطين وسوريا من قبل اليهود والتدمريين والأنباط، أما الشرقية فكانت شائعة التداول في أوساط اليهود المسبيين والصابئة المندائيين والمانويين في بابل وشعوب بلاد آثور أي الآشوريين في المناطق الشمالية لبلاد الرافدين.
واللغة السريانية كما نعرفها اليوم من خلال آدابها، لم يكن مصدرها اللهجة التي شاع تداولها في سوريا، أنما نشأت من لهجة بلاد النهرين الشرقية.
ولن نتحدث هنا عن الآرامية الغربية فهي لا تندرج ضمن أطار موضوعنا، أما الآرامية الشرقية (السريانية) التي تشكل صلب موضوعنا هذا فتنقسم بدورها الى ثلاث لغات أو لهجات متميزة نشأت على ذات الخلفيات التي نشأت عليها مثيلاتها الغربية، وهذه اللغات هي:
أ- الآرامية السريانية : وهي لغة المسيحيين، التي نتحدث هنا عن آدابها.
ب- آرامية اليهود البابلية.
ج- الآرامية المندائية: وهي لغة طائفة الصابئة المندائيين.
وما أن تراجع السلوقيون بعد أن أعتراهم الوهن عن حماية مناطق الفرات حتى تشكلت عدة إمارات صغيرة مستقلة في المنطقة، كانت أشهرها مملكة أسورينا الصغيرة (مملكة آشورونا: مُصغَّر مملكة آشور) وعاصمتها مدينة الرها التي أضحت مركزاً دينياً وثقافياً مرموقاً، وأحرزت لغة شعبها الآرامية السريانية كمالاً بالغاً وتطورت الى حد بعيد تحت تأثير المسيحية لتغدو لغة الليتورجية والأدب لكل الكنائس الشرقية من سواحل البحر الأبيض المتوسط حتى أواسط بلاد الفرس. وقد ساعدت طواعية ومرونة هذه اللهجة في شيوعها وتداولها ووفرت للمسيحية أداة للتعبير وإشاعة الأفكار الجديدة أكثر ملائمة من اليونانية. وكانت السريانية في بادئ أمرها تُستعمَل جنباً الى جنب اليونانية في كل من سوريا والمناطق الغربية لبلاد ما بين النهرين، غير أنه ولا سيما بعد أنشقاق المنوفيزيين تم أهمال اليونانية تدريجياً. وكانت المرحلة الممتدة ما بين منتصف المئة الخامسة للميلاد ونهاية المئة السابعة من أكثر مراحل الأدب السرياني تألقاً وأزدهاراً، بيد أن فتوحات العرب المسلمين أدت الى تراجع وأنحطاط السريانية نتيجة لفرضهم العربية لغة رسمية مما سهَّل شيوع الأخيرة على حساب السريانية. ولم تعد السريانية لغة تتداولها العامة رغم أنها أفلحت في فرض نفسها كلغة أدب لعدة قرون لاحقة، ولا تزال حتى يومنا هذا لغة ليتورجية (طقسية) للكنائس المشرقية.
- المؤلفات التي تناهت إلينا بالسريانية تُشكل أساساً وعلى وجه الحصر أدباً دينياً مسيحياً. وهي لا تقلُّ عن اليونانية واللاتينية نفعاً لدارسي الكتاب المقدس واللاهوتيين ومؤرخي الكنيسة. كما وصلتنا أسماء أكثر من مائة وخمسين كاتباً ممن ساهموا بفكرهم ويراعهم في أثراء السريانية منذ القرن الرابع للميلاد حتى القرن الثالث عشر. وتضم خزائن ورفوف الأديرة الشرقية وكبريات المكتبات الأوربية ما يربو على الثلاثة آلاف مخطوطة.
وسنكتفي هنا فقط بذكر نخبة من مشاهير الكتّاب وأهم مؤلفاتهم. أما الحقبة الوثنية التي شاع خلالها تداول الآرامية فلم يصلنا منها سوى النزر اليسير أشهره قصة أحيقار الحكيم وزير الملك الآشوري سنحاريب ( 740-681 ق.م). وقد كُتِب بالآرامية جانبٌ من الكتاب المقدس كنبؤة دانيال وأنجيل متي وشذرات من كتابات معظمها جنائزي، ورسالة مارا بر سرافيون الفيلسوف الرواقي من سميساط الموجهة الى ولده، كان قد دوَّنها على الأرجح في غضون المئة الثالثة للميلاد. وكتابات بر ديصان الغنوسطي (164-222) وهي تعود أيضاً الى الفترة ذاتها، وتضم مجموعة تراتيل غنوسطية تُشكِّل ضرباً من ضروب الأدب الأنتقالي ما بين الوثنية والمسيحية . وتُعدُّ نسخة العهد الجديد "البشيطتا : البسيطة" أقدم أثر موجود للأدب المسيحي. وتكفي الإشارة الى إثنين من أقدم الكتاب السريان ألا وهما: أفراهاط الحكيم الفارسي (المتوفي نحو عام 350 م) الذي وضع كتباً كثيرة ذكرها الصوباوي في جدوله (فهرس المؤلفين) كما تحدث عنها أيضاً إبن العبري في كتابه تاريخ مختصر الدول، والقديس أفرام الأكثر تألقاً وإبداعاً بين آباء الكنيسة المشرقية، ويُعدّ مار أفرام شاعر اللاهوتيين ولاهوتي الشعراء السريان بلا منافس، ونال لقب "نبي السريان وشمسهم" و"كنارة الروح القدس" و"عمود البيعة"، قام على إدارة مدرسة نصيبين منذ عام 325 حين سلّمها إياه مار يعقوب النصيبيني، فعلا شأنها بفضل همته وذاع صيتها، لكنه هجر نصيبين مرغماً بسبب أستيلاء الفرس على المدينة فيمم شطر الرها وسخَّر جهوده وأمكاناته الهائلة لخدمة مدرستها ومكث فيها حتى وافته المنية عام 373، وقد خلَّف للمكتبة السريانية مؤلفات نفيسة كتبها شعراً ونثراً. ومن بين خيرة تلاميذ مار أفرام أشتهر مار آبا صاحب شروح الكتاب المقدس.
- في مطلع المئة الخامسة شهدت مدرسة الفرس في الرها أزدهاراً واسعاً فشاع صيتها، بعد أن لقيت تعاليم ثيودورس المصيصي ونسطور ترحيباً في أوساط الأنصار المتحمسين، وكان رابولا في حينه أسقف الرها، وهو إبن كاهن وثني من قنشرين، أهتدى الى المسيحية على يد أوسابيوس أسقف المدينة، فعمد الى توزيع ممتلكاته على الفقراء المعوزين وتقبَّل حياة الزهد والتنسك. وفي عام 412 عيَّنه أكاسيوس (آقاق) الحلبي، ليشغل كرسي أسقفية الرها، وبعد مناوءته لنسطور عارض أفكار تيودورس المفسر وأنضم الى قورلس الأسكندري وأصبح من مشايعيه الغيورين. فجعلته صرامته وقسوته يُشيع الرعب والرهبة في قلوب أكليروسه، فأستحق منهم لقب " طاغية الرها ". وجَّه في القسطنطينية خطبة مناوئة لنسطور، تُرجمَت الى السريانية، شأنها شأن العديد من رسائله. كما ترجم شخصياً الرسالة التي وجهها إليه قيرلس وهي في الإيمان القويم، وافته المنيّة عام 435. فخلفه هيبا الشهير، الذي آثر النسطورية وبث تعاليم المفسر في مدرسة الفرس.
وكتب ماري الفارسي من ريوأردشير، الذي وُجهَت إليه رسالة هيبا الشهيرة ، كتب شرحاً لدانيال والخطب الجدلية ضد المجوس. كما شرح الرسائل الموجهة الى آقاق الآمدي، ولا يجوز الخلط بينه وبين آقاق الملطي الذي أنضم الى رابولا في صراعه ضد النسطورية، كما لا ينبغي الخلط بينه وبين آقاق السلوقي بطريرك النساطرة (484 – 496) صاحب المواعظ الدينية في الصيام والخطب الموجهة ضد المنوفيزيين ، وهو نسطوري نال بأعماله الخيرية شهرة تفوق ما أحرزه بمؤلفاته، فحظي بمكانة في سجل الشهداء الرومان.. كما نقل أيضاً الى الفارسية رسائلاً في الإيمان لأوسي أسقف نصيبين، الذي نشر في عام 496 قوانين مدرسة نصيبين.
نحو منتصف القرن الخامس للميلاد عاش أسحق الأنطاكي الذي لُقِّب بالكبير وأعتُبِر قديساً، وتاريخه غير معروف إلا أن السريان قد ألحقوا أسمه بمجموعة من العظات المنظومة شعراً والجديرة بالأعتبار، لكن من المؤكد أن أعمال العديد من المؤلفين الذين يحملون عين الأسم قد نُسبَت إليه خطأً. من بينهم أسحق الرهاوي وهو منوفيزي من أواخر القرن السادس وكذلك أسحق الآمدي والأخير صاحب مجموعات شعرية منها أحتلال روما (410).
وفي النصف الأول من القرن الخامس برز بالاي خورأسقف حلب ناظم العديد من الأشعار التي حُفِظ جانب منها.
بعد أن لقي هيبا ربّه تم طرد أساتذة مدرسة الرها فأنسحبوا الى الأراضي الخاضعة للأمبراطورية الفارسية، و كان من بينهم بر صوما الذي شغل كرسي أسقف نصيبين وعُرِف بأستبداده، وقد صلتنا ست من رسائله الموجهة الى البطريرك آقاق، فضلاً عن عظات وخطب جنائزية وتراتيل خطَّها يراعه.
وكان نرساي الملفان هو المؤسس الحقيقي لمدرسة الرها التي ظل يعلِّم فيها لأكثر من أربعين سنة، ومنذ تولى نرساي الملفان إدارة دفة مدرسة الرها بعد هيبا وقيورا، شمّر عن ساعد الجد والهمة وطفق ينشر تعاليم تيودورس المصيصي بهمة عالية حتى هجرها عام 449 ، وأغلقت مدرسة الرها بأذن من الأمبراطور زينون في عام 489.
وكان نرساي قد توجه الى نصيبين في عام 449 بسبب أضطهاد نونا للنساطرة فأحيا هناك مدرستها العريقة بطلب من برصوما مطران نصيبين وظل يعلِّم فيها حتى وافاه الأجل عام 503. وقد نال نرساي أسمى درجات التمجيد بين إخوته في المذهب فلقبوه بـ" لسان المشرق " و " شاعر الدين " و " كنارة الروح القدس "، أما المنوفيزين فلقبوه نكاية بـ" الأبرص". ويُذكر أن نرساي كان قد وضع شروحاً لمعظم أسفار العهد القديم كما حبَّر يراعه 360 مقالة وخطبة المنظومة شعراً سامية المعاني رائعة المباني، نشر منغانا العديد منها في الموصل عام 1905.
أما مَعنا الذي أصبح أسقفاً في بلاد فارس فقد طار صيته في الرها إثر ترجمته لأعمال ثيودور المصيصي.
وكان كل من إيليشع بر قوزبايي و أوراهام بيث ربان، وكلاهما خلفا نرساي في إدارة المدرسة، قد كتب شروحاً للكتاب المقدس الى جانب العديد من المواعظ المناوئة للمجوس.
- وقد تخرج من هذه المدرسة (الرها) معظم الكتاب النساطرة في القرن السادس. وواحداً من أبرزهم كان البطريرك مار آبا الأول (540 – 552)، المهتدي من الزرادشتية، درس في نصيبين وتعلَّم اليونانية في الرها وذهب الى القسطنطينية. وأسس لاحقاً مدرسة ساليق، ووعظ ضد المجوسية بجرأة نادرة، مما أثار عليه نقمة خسرو الأول فنفاه، وأثناء عودته الى ساليق تم إيداعه السجن حيث لقي ربه وهو رهن السجن. له شرف ترجمة الكتاب المقدس، رغم أن ترجمته لم يبق لها أثر، وقد كتب شروحاً كتابية وتراتيل ورسائل المجامع الكنسية كما نقل الى السريانية ليتورجية نسطورس.
بولس الفارسي، كان ضليعاً بالفلسفة الوثنية، فوضع بحوثاً في "المنطق" لأرسطوطاليس وأهداها لخسرو ملك الفرس، وأنجزمؤلفات أخرى في المواعظ، حُفظَت جزئياً، وسميَّه بولس النصيبيني، تلميذ مار آبا صنف شروحاً كتابية. أما ثيودور الذي رُسِم أسقفاً على مرو عام 540 فكان قد عمل شرحاً للمزامير وعلاوة على ذلك كتب ردوداً على عشرة أسئلة طرحها سرجيس الراسعني (ريشعَينا). أما شقيقه جبرائيل أسقف هرمزدأردشير فألَّف كُتباً جدلية ضد المانوية وحلولاً للمسائل الكتابية المستعصية.
لقد نُسِبَت الى ابراهام بر قرداحي النصيبيني تراتيل وخطب جنائزية ومواعظ ورسائل موجهة ضد شِسبان، المجوسي على الأرجح. وسميّه أبراهام الكشكري الذي أسس وأدار دير شهيراً للرهبان في جبل إيزلا قرب نصيبين عُرِفَ بالرهبانية العظيمة. وتم نشر القوانين التي وضعها عام 571 مع قوانين داديشوع الذي خلفه (588 – 604).
يوسف الطبيب، خلَفُ مار آبا (552 – 567)، فقد قيل عنه أنه ألَّفَ أبوكريفا مشكوك في صحته أو في نسبته الى مؤلفه. ومراسلات تُعزى الى البطريرك فافا (القرن الرابع).
أما يوسف هوزايا كان في حينه يُعلِّم في نصيبين وله يعود الفضل في وضع أقدم الأبحاث المعروفة في قواعد اللغة السريانية، ويُعتبَر مستنبطُ نظام التنقيط (التشكيل بالنقط) المستخدم لدى النساطرة.
خنانا الحديابي في أواخر القرن السادس قاد الى نصيبين العديد من مُريديه، وأثارت تعاليمه خلافات جدية في الكنيسة النسطورية، لأنه هجر تعاليم تيودورس المصيصي ليلتحق بالقديس كريسوستوم. وقد تم أستهجان تعاليمه من قبل إيشوعياب الأول وتمت إدانته في مجمع سبريشوع عام 596 . تتألف معظم مؤلفاته من شروح كتابية، ولم يُبق منها الدهر غير نتف وردت في كتاب (رياض المسرّات : Gardens of Delights)، وهو مصنف وضِعَ في القرن الثاني عشرحفظ لنا مقتطفات عديدة من أقدم التأويلات النسطورية للكتاب المقدس.
في عهد حبرية البطريرك حزقيال (570 – 581) صنَّف برخذبشبا - المناصر لخنانا- أسقف حلوان عدداً من المصنفات الجدلية والتأويلية ومواعظاً في "سبب المدارس" الذي يُسلِّط الضوء على تاريخ نصيبين.
أما البطريرك إيشوعيهب الأول الأرزوني (582 – 592) فقد حُفِظَت له رسائل مجمعية وإثنين وعشرين سؤالاً في الأسرار المقدسة.
- في أواخر المئة السادسة كان للسريان أدباً غزيراً يتناول سيَر القديسين التي يتعلق الجانب الأجدر بالثقة و الأقدم فيها بسير شهداء المشرق إبان أضطهاد شابور الثاني، وقد أُضيفت إليها قصص معاناة عديدة فضلاً عن سير قديسين منقولة من اليونانية، جلّها تشكِّل كنزاً نفيساً للمؤرخين وكتبة السِيَر. وفي القرن ذاته أُنجِزَت ترجمة وغالباً أُعيد تدوين العهد القديم والجديد الذي وصلنا بالسريانية والأبوكريفا اليونانية، إسوة ببعض النتاجات المحلية الأخرى مثل تعليم أداي وقصة يوليان الجاحد اللافتة للنظر وكلها يعود تاريخها الى القرن السادس، علاوة على التاريخ القيِّم للرها والتصنيف التاريخي الضخم المنسوب الى زكريا البليغ، وبعضه يتألف من الوثائق الأصلية والبعض الآخر يعتمد المصادر اليونانية.
الآرامية (السريانية) فرع مهم من فصيلة اللغات السامية، وكما ذكرنا في موضوعنا عن اللغات السامية أن الآرامية تنتمي الى مجموعة اللغات السامية الشمالية الغربية، واللغات الرئيسية في هذه المجموعة هي: اللغات الكنعانية و الآرامية. وقد بلغت اللغة الآرامية مصاف اللغات المعروفة في حدود عام 850 قبل الميلاد في سوريا، وأنتشرت بسرعة مذهلة في المناطق المجاورة، وبحلول القرن السادس ق.م. بدأ أستعمالها كلغة للإدارة، وفي عهد الأسكندر المقدوني الكبير (356 – 323 ق.م) أضحت اللغة الرسمية المشتركة لعموم الشرق الأوسط ولجلَّ الأمم والشعوب القاطنة في المناطق الممتدة من آسيا الصغرى حتى قلب بلاد فارس، ومن أرمينيا شمالاً الى شبه جزيرة العرب جنوباً. فأندرست بفعلها العديد من اللغات السامية العريقة وبضمنها الأكدية والعبرية وحلَّت الآرامية محلها. ولم تزاحمها سوى اليونانية في بسط سيادتها على الشرق الأوسط حتى عهد الفتوحات العربية الأسلامية في القرن السابع للميلاد.
ومع بزوغ فجر المسيحية، كانت الآرامية المكتوبة قد أنقسمت الى لهجتين غربية وشرقية. أستُخدمَت الغربية منها في فلسطين وسوريا من قبل اليهود والتدمريين والأنباط، أما الشرقية فكانت شائعة التداول في أوساط اليهود المسبيين والصابئة المندائيين والمانويين في بابل وشعوب بلاد آثور أي الآشوريين في المناطق الشمالية لبلاد الرافدين.
واللغة السريانية كما نعرفها اليوم من خلال آدابها، لم يكن مصدرها اللهجة التي شاع تداولها في سوريا، أنما نشأت من لهجة بلاد النهرين الشرقية.
ولن نتحدث هنا عن الآرامية الغربية فهي لا تندرج ضمن أطار موضوعنا، أما الآرامية الشرقية (السريانية) التي تشكل صلب موضوعنا هذا فتنقسم بدورها الى ثلاث لغات أو لهجات متميزة نشأت على ذات الخلفيات التي نشأت عليها مثيلاتها الغربية، وهذه اللغات هي:
أ- الآرامية السريانية : وهي لغة المسيحيين، التي نتحدث هنا عن آدابها.
ب- آرامية اليهود البابلية.
ج- الآرامية المندائية: وهي لغة طائفة الصابئة المندائيين.
وما أن تراجع السلوقيون بعد أن أعتراهم الوهن عن حماية مناطق الفرات حتى تشكلت عدة إمارات صغيرة مستقلة في المنطقة، كانت أشهرها مملكة أسورينا الصغيرة (مملكة آشورونا: مُصغَّر مملكة آشور) وعاصمتها مدينة الرها التي أضحت مركزاً دينياً وثقافياً مرموقاً، وأحرزت لغة شعبها الآرامية السريانية كمالاً بالغاً وتطورت الى حد بعيد تحت تأثير المسيحية لتغدو لغة الليتورجية والأدب لكل الكنائس الشرقية من سواحل البحر الأبيض المتوسط حتى أواسط بلاد الفرس. وقد ساعدت طواعية ومرونة هذه اللهجة في شيوعها وتداولها ووفرت للمسيحية أداة للتعبير وإشاعة الأفكار الجديدة أكثر ملائمة من اليونانية. وكانت السريانية في بادئ أمرها تُستعمَل جنباً الى جنب اليونانية في كل من سوريا والمناطق الغربية لبلاد ما بين النهرين، غير أنه ولا سيما بعد أنشقاق المنوفيزيين تم أهمال اليونانية تدريجياً. وكانت المرحلة الممتدة ما بين منتصف المئة الخامسة للميلاد ونهاية المئة السابعة من أكثر مراحل الأدب السرياني تألقاً وأزدهاراً، بيد أن فتوحات العرب المسلمين أدت الى تراجع وأنحطاط السريانية نتيجة لفرضهم العربية لغة رسمية مما سهَّل شيوع الأخيرة على حساب السريانية. ولم تعد السريانية لغة تتداولها العامة رغم أنها أفلحت في فرض نفسها كلغة أدب لعدة قرون لاحقة، ولا تزال حتى يومنا هذا لغة ليتورجية (طقسية) للكنائس المشرقية.
- المؤلفات التي تناهت إلينا بالسريانية تُشكل أساساً وعلى وجه الحصر أدباً دينياً مسيحياً. وهي لا تقلُّ عن اليونانية واللاتينية نفعاً لدارسي الكتاب المقدس واللاهوتيين ومؤرخي الكنيسة. كما وصلتنا أسماء أكثر من مائة وخمسين كاتباً ممن ساهموا بفكرهم ويراعهم في أثراء السريانية منذ القرن الرابع للميلاد حتى القرن الثالث عشر. وتضم خزائن ورفوف الأديرة الشرقية وكبريات المكتبات الأوربية ما يربو على الثلاثة آلاف مخطوطة.
وسنكتفي هنا فقط بذكر نخبة من مشاهير الكتّاب وأهم مؤلفاتهم. أما الحقبة الوثنية التي شاع خلالها تداول الآرامية فلم يصلنا منها سوى النزر اليسير أشهره قصة أحيقار الحكيم وزير الملك الآشوري سنحاريب ( 740-681 ق.م). وقد كُتِب بالآرامية جانبٌ من الكتاب المقدس كنبؤة دانيال وأنجيل متي وشذرات من كتابات معظمها جنائزي، ورسالة مارا بر سرافيون الفيلسوف الرواقي من سميساط الموجهة الى ولده، كان قد دوَّنها على الأرجح في غضون المئة الثالثة للميلاد. وكتابات بر ديصان الغنوسطي (164-222) وهي تعود أيضاً الى الفترة ذاتها، وتضم مجموعة تراتيل غنوسطية تُشكِّل ضرباً من ضروب الأدب الأنتقالي ما بين الوثنية والمسيحية . وتُعدُّ نسخة العهد الجديد "البشيطتا : البسيطة" أقدم أثر موجود للأدب المسيحي. وتكفي الإشارة الى إثنين من أقدم الكتاب السريان ألا وهما: أفراهاط الحكيم الفارسي (المتوفي نحو عام 350 م) الذي وضع كتباً كثيرة ذكرها الصوباوي في جدوله (فهرس المؤلفين) كما تحدث عنها أيضاً إبن العبري في كتابه تاريخ مختصر الدول، والقديس أفرام الأكثر تألقاً وإبداعاً بين آباء الكنيسة المشرقية، ويُعدّ مار أفرام شاعر اللاهوتيين ولاهوتي الشعراء السريان بلا منافس، ونال لقب "نبي السريان وشمسهم" و"كنارة الروح القدس" و"عمود البيعة"، قام على إدارة مدرسة نصيبين منذ عام 325 حين سلّمها إياه مار يعقوب النصيبيني، فعلا شأنها بفضل همته وذاع صيتها، لكنه هجر نصيبين مرغماً بسبب أستيلاء الفرس على المدينة فيمم شطر الرها وسخَّر جهوده وأمكاناته الهائلة لخدمة مدرستها ومكث فيها حتى وافته المنية عام 373، وقد خلَّف للمكتبة السريانية مؤلفات نفيسة كتبها شعراً ونثراً. ومن بين خيرة تلاميذ مار أفرام أشتهر مار آبا صاحب شروح الكتاب المقدس.
- في مطلع المئة الخامسة شهدت مدرسة الفرس في الرها أزدهاراً واسعاً فشاع صيتها، بعد أن لقيت تعاليم ثيودورس المصيصي ونسطور ترحيباً في أوساط الأنصار المتحمسين، وكان رابولا في حينه أسقف الرها، وهو إبن كاهن وثني من قنشرين، أهتدى الى المسيحية على يد أوسابيوس أسقف المدينة، فعمد الى توزيع ممتلكاته على الفقراء المعوزين وتقبَّل حياة الزهد والتنسك. وفي عام 412 عيَّنه أكاسيوس (آقاق) الحلبي، ليشغل كرسي أسقفية الرها، وبعد مناوءته لنسطور عارض أفكار تيودورس المفسر وأنضم الى قورلس الأسكندري وأصبح من مشايعيه الغيورين. فجعلته صرامته وقسوته يُشيع الرعب والرهبة في قلوب أكليروسه، فأستحق منهم لقب " طاغية الرها ". وجَّه في القسطنطينية خطبة مناوئة لنسطور، تُرجمَت الى السريانية، شأنها شأن العديد من رسائله. كما ترجم شخصياً الرسالة التي وجهها إليه قيرلس وهي في الإيمان القويم، وافته المنيّة عام 435. فخلفه هيبا الشهير، الذي آثر النسطورية وبث تعاليم المفسر في مدرسة الفرس.
وكتب ماري الفارسي من ريوأردشير، الذي وُجهَت إليه رسالة هيبا الشهيرة ، كتب شرحاً لدانيال والخطب الجدلية ضد المجوس. كما شرح الرسائل الموجهة الى آقاق الآمدي، ولا يجوز الخلط بينه وبين آقاق الملطي الذي أنضم الى رابولا في صراعه ضد النسطورية، كما لا ينبغي الخلط بينه وبين آقاق السلوقي بطريرك النساطرة (484 – 496) صاحب المواعظ الدينية في الصيام والخطب الموجهة ضد المنوفيزيين ، وهو نسطوري نال بأعماله الخيرية شهرة تفوق ما أحرزه بمؤلفاته، فحظي بمكانة في سجل الشهداء الرومان.. كما نقل أيضاً الى الفارسية رسائلاً في الإيمان لأوسي أسقف نصيبين، الذي نشر في عام 496 قوانين مدرسة نصيبين.
نحو منتصف القرن الخامس للميلاد عاش أسحق الأنطاكي الذي لُقِّب بالكبير وأعتُبِر قديساً، وتاريخه غير معروف إلا أن السريان قد ألحقوا أسمه بمجموعة من العظات المنظومة شعراً والجديرة بالأعتبار، لكن من المؤكد أن أعمال العديد من المؤلفين الذين يحملون عين الأسم قد نُسبَت إليه خطأً. من بينهم أسحق الرهاوي وهو منوفيزي من أواخر القرن السادس وكذلك أسحق الآمدي والأخير صاحب مجموعات شعرية منها أحتلال روما (410).
وفي النصف الأول من القرن الخامس برز بالاي خورأسقف حلب ناظم العديد من الأشعار التي حُفِظ جانب منها.
بعد أن لقي هيبا ربّه تم طرد أساتذة مدرسة الرها فأنسحبوا الى الأراضي الخاضعة للأمبراطورية الفارسية، و كان من بينهم بر صوما الذي شغل كرسي أسقف نصيبين وعُرِف بأستبداده، وقد صلتنا ست من رسائله الموجهة الى البطريرك آقاق، فضلاً عن عظات وخطب جنائزية وتراتيل خطَّها يراعه.
وكان نرساي الملفان هو المؤسس الحقيقي لمدرسة الرها التي ظل يعلِّم فيها لأكثر من أربعين سنة، ومنذ تولى نرساي الملفان إدارة دفة مدرسة الرها بعد هيبا وقيورا، شمّر عن ساعد الجد والهمة وطفق ينشر تعاليم تيودورس المصيصي بهمة عالية حتى هجرها عام 449 ، وأغلقت مدرسة الرها بأذن من الأمبراطور زينون في عام 489.
وكان نرساي قد توجه الى نصيبين في عام 449 بسبب أضطهاد نونا للنساطرة فأحيا هناك مدرستها العريقة بطلب من برصوما مطران نصيبين وظل يعلِّم فيها حتى وافاه الأجل عام 503. وقد نال نرساي أسمى درجات التمجيد بين إخوته في المذهب فلقبوه بـ" لسان المشرق " و " شاعر الدين " و " كنارة الروح القدس "، أما المنوفيزين فلقبوه نكاية بـ" الأبرص". ويُذكر أن نرساي كان قد وضع شروحاً لمعظم أسفار العهد القديم كما حبَّر يراعه 360 مقالة وخطبة المنظومة شعراً سامية المعاني رائعة المباني، نشر منغانا العديد منها في الموصل عام 1905.
أما مَعنا الذي أصبح أسقفاً في بلاد فارس فقد طار صيته في الرها إثر ترجمته لأعمال ثيودور المصيصي.
وكان كل من إيليشع بر قوزبايي و أوراهام بيث ربان، وكلاهما خلفا نرساي في إدارة المدرسة، قد كتب شروحاً للكتاب المقدس الى جانب العديد من المواعظ المناوئة للمجوس.
- وقد تخرج من هذه المدرسة (الرها) معظم الكتاب النساطرة في القرن السادس. وواحداً من أبرزهم كان البطريرك مار آبا الأول (540 – 552)، المهتدي من الزرادشتية، درس في نصيبين وتعلَّم اليونانية في الرها وذهب الى القسطنطينية. وأسس لاحقاً مدرسة ساليق، ووعظ ضد المجوسية بجرأة نادرة، مما أثار عليه نقمة خسرو الأول فنفاه، وأثناء عودته الى ساليق تم إيداعه السجن حيث لقي ربه وهو رهن السجن. له شرف ترجمة الكتاب المقدس، رغم أن ترجمته لم يبق لها أثر، وقد كتب شروحاً كتابية وتراتيل ورسائل المجامع الكنسية كما نقل الى السريانية ليتورجية نسطورس.
بولس الفارسي، كان ضليعاً بالفلسفة الوثنية، فوضع بحوثاً في "المنطق" لأرسطوطاليس وأهداها لخسرو ملك الفرس، وأنجزمؤلفات أخرى في المواعظ، حُفظَت جزئياً، وسميَّه بولس النصيبيني، تلميذ مار آبا صنف شروحاً كتابية. أما ثيودور الذي رُسِم أسقفاً على مرو عام 540 فكان قد عمل شرحاً للمزامير وعلاوة على ذلك كتب ردوداً على عشرة أسئلة طرحها سرجيس الراسعني (ريشعَينا). أما شقيقه جبرائيل أسقف هرمزدأردشير فألَّف كُتباً جدلية ضد المانوية وحلولاً للمسائل الكتابية المستعصية.
لقد نُسِبَت الى ابراهام بر قرداحي النصيبيني تراتيل وخطب جنائزية ومواعظ ورسائل موجهة ضد شِسبان، المجوسي على الأرجح. وسميّه أبراهام الكشكري الذي أسس وأدار دير شهيراً للرهبان في جبل إيزلا قرب نصيبين عُرِفَ بالرهبانية العظيمة. وتم نشر القوانين التي وضعها عام 571 مع قوانين داديشوع الذي خلفه (588 – 604).
يوسف الطبيب، خلَفُ مار آبا (552 – 567)، فقد قيل عنه أنه ألَّفَ أبوكريفا مشكوك في صحته أو في نسبته الى مؤلفه. ومراسلات تُعزى الى البطريرك فافا (القرن الرابع).
أما يوسف هوزايا كان في حينه يُعلِّم في نصيبين وله يعود الفضل في وضع أقدم الأبحاث المعروفة في قواعد اللغة السريانية، ويُعتبَر مستنبطُ نظام التنقيط (التشكيل بالنقط) المستخدم لدى النساطرة.
خنانا الحديابي في أواخر القرن السادس قاد الى نصيبين العديد من مُريديه، وأثارت تعاليمه خلافات جدية في الكنيسة النسطورية، لأنه هجر تعاليم تيودورس المصيصي ليلتحق بالقديس كريسوستوم. وقد تم أستهجان تعاليمه من قبل إيشوعياب الأول وتمت إدانته في مجمع سبريشوع عام 596 . تتألف معظم مؤلفاته من شروح كتابية، ولم يُبق منها الدهر غير نتف وردت في كتاب (رياض المسرّات : Gardens of Delights)، وهو مصنف وضِعَ في القرن الثاني عشرحفظ لنا مقتطفات عديدة من أقدم التأويلات النسطورية للكتاب المقدس.
في عهد حبرية البطريرك حزقيال (570 – 581) صنَّف برخذبشبا - المناصر لخنانا- أسقف حلوان عدداً من المصنفات الجدلية والتأويلية ومواعظاً في "سبب المدارس" الذي يُسلِّط الضوء على تاريخ نصيبين.
أما البطريرك إيشوعيهب الأول الأرزوني (582 – 592) فقد حُفِظَت له رسائل مجمعية وإثنين وعشرين سؤالاً في الأسرار المقدسة.
- في أواخر المئة السادسة كان للسريان أدباً غزيراً يتناول سيَر القديسين التي يتعلق الجانب الأجدر بالثقة و الأقدم فيها بسير شهداء المشرق إبان أضطهاد شابور الثاني، وقد أُضيفت إليها قصص معاناة عديدة فضلاً عن سير قديسين منقولة من اليونانية، جلّها تشكِّل كنزاً نفيساً للمؤرخين وكتبة السِيَر. وفي القرن ذاته أُنجِزَت ترجمة وغالباً أُعيد تدوين العهد القديم والجديد الذي وصلنا بالسريانية والأبوكريفا اليونانية، إسوة ببعض النتاجات المحلية الأخرى مثل تعليم أداي وقصة يوليان الجاحد اللافتة للنظر وكلها يعود تاريخها الى القرن السادس، علاوة على التاريخ القيِّم للرها والتصنيف التاريخي الضخم المنسوب الى زكريا البليغ، وبعضه يتألف من الوثائق الأصلية والبعض الآخر يعتمد المصادر اليونانية.
عدل سابقا من قبل اسحق قومي في الأحد أبريل 26, 2009 5:43 am عدل 1 مرات
تابع للموضوع
وفي الوقت الذي أعتنق مسيحيو بلاد ما بين النهرين وعلى وجه التحديد بلاد فارس المذهب النسطوري، أعتنق إخوتهم السريان المغاربة تعاليم المنوفيزية لأوطيخا، وأُشيعت النسطورية من قبل الراهب برصوما المُدان بالهرطقة في مجمع خلقدونية عام 451 ، وبذلك زعم المغاربة أنهم سيظلون أوفياء لتقاليد قيرلس الأسكندري. وقد أستوحوا جلَّ أدبهم اللاهوتي والجدلي من هذه التعاليم فتولّى الدفاع والمنافحة عنها جمهرة كتاب موهوبين كان أبرزهم يعقوب السروجي (451 - 521) وفيلكسينس المنبجي المولود في تحل في بلاد النهرين منتصف القرن الخامس، وكان قد درس في الرها على عهد إيبا وأعتنق لاحقاً المنوفيزية وتحمس لها، فرُسِم مطراناً لمنبج عام 485 وذهب الى القسطنطينية مرتين ونال أحترام الأمبراطور أناستاسيوس. وترأس المجمع الذي أنتخب ساويرس الشهيد بطريركاً على أنطاكية عام 512 . وفي ما بعد نفاه يوسطينس الى تراقية ثم الى غنغرة حيث مات هناك عام 523. وعلى الرغم من حياته المفعمة بالأحداث كان واحداً من أكثر كتاب السريانية خصباً وغزارة في نتاجه وروعة في أسلوبه. وصلتنا كتاباته الليتورجية والصلوات وثلاث عشرة ترتيلة وشروح للكتاب المقدس محفوظة جزئياً ورسائل وكتابه في "التثليث والتجسد" وعدد من الرسائل الجدلية ضد الكاثوليك والنساطرة وبضعة مقالات. وقد كتب يعقوب السروجي والمنبجي ضد أسطيفان بر صودَيلي الراهب الورع المولود في الرها، الذي أقام في مصر ردحاً من الزمن ثم عاد الى الرها حيث شرع يبث تعاليم وحدة الوجود (البانثيئست) مما سبَّب في طرده فتوجه الى فلسطين حيث وجد في الرهبان الأوريجينيين أرضاً خصبة لأفكاره. ولم يُبق لنا الدهر شيئاً من كتاباته وشروحه الصوفية للكتاب المقدس، سوى كتاب (الأسرار الخفية لبيت الله) المنسوب إليه، الذي نشره بإسم ايروثاوس الأستاذ المزعوم لديونيسيوس الأريوفاغي. وكان لرسائله الشاملة وقعاً بالغ الأهمية على تطور الأدب الديونيسي الزائف في سوريا، الذي أندثر في ما بعد وطواه النسيان. وقد لاقى إبن العبري في القرن الثالث عشر صعوبة بالغة في الحصول على نسخة منها، وهي موجودة حالياً في المتحف البريطاني.
وبرز بين الكتاب المنوفيزيين (اليعاقبة) خلال القرن السادس شمعون بيت أرشم، المجادل الحاذق الذي ساجل النساطرة. مات في القسطنطينية في عهد يوسطينس الأول. له رسائل ذائعة الصيت حول نشوء النسطورية وشيوعها في بلاد فارس وسير الشهداء الحِميَريين المسيحيين في اليمن. كما برز يوحنا التلي أسقف تلاّ الذي نفاه القيصر يوسطينس عام 521، ومات في أنطاكية عام 538 بعد أعتقاله وتعرضه لسوء المعاملة. له وصايا ونصائح للأكليروس وتفسير التقاديس الثلاثة ورسائل شتى.
أما بولس أسقف كالينيكوس الذي عُزِل عام 519 فقد نقل الى السريانية أعمال سويروس الأنطاكي.
كما سطع نجم يعقوب البراعي المتوفي عام 578، الذي يُعدُّ المؤسس الحقيقي للكنيسة المنوفيزية، الذي حملت أسمه لاحقاً (اليعقوبية)، كان ضليعاً بالسريانية واليونانية وله رسائل وصورة إيمان محفوظة بنصها السرياني علاوة على ليتورجيته.
سِيَر كل أولئك الرجال معروفة بشكل أو بآخر من خلال المقالات الغزيرة التي حُفِظت لنا ومن خلال المؤلفات والتصانيف التاريخية القيِّمة ليوحنا الأفسسي المتوفي عام 587، التي تقع في ثلاث مجلدات وله تاريخ آخر بجزئين يشتمل على سير النساك الشرقيين. وكان البرادعي قد رسمه مطراناً لأفسس فنُسِب إليها.
وكان سرجيس الراسعني (ريشعَينا) فيلسوفاً وطبيباً وعالماً متميزاً، إلاَ أنه صداقته مع النساطرة والدور الذي لعبه في أواخر أيامه عرَّضه للريبة والأشتباه بهجره التعاليم المنوفيزية. درَس في الأسكندرية حيث تعلَّم اليونانية، وفي عام 535 أوفده أفرم الآمدي بطريرك الأرثذوكس في أنطاكية الى روما لدعوة أغابيط الروماني الى القسطنطينية سعياً لعزل البطريرك سويروس الأنطاكي وثيودوسيوس الأسكندري وأنثيموس القسطنطيني الذين كان قد ألتأم شملهم هناك. مات سرجيس هناك عام 536. مؤلفاته الأدبية الجديرة بالأهتمام تتألف أغلبها تقريباً من ترجمات يونانية الى السريانية نقلها على نحو ملفت بأمانته، وله ترجمة لكتاب فلسفي لاهوتي منسوب الى الأريوفاغي كان له أثر بليغ على لاهوت السريان الغربيين، كما نالت ترجماته عن الكتّاب الوثنيين مكانة رفيعة بنصوصها السريانية. وقد تناهى إلينا عدد من مؤلفاته وتم نشر جانب منها.
وتجدر الإشارة أيضاً الى أحودامة التكريتي المتوفي عام 575، الذي خلَّف لنا مؤلفات في الفلسفة والنحو. وموسى الأجَلي الذي نقل كتاب قورلس الأسكندري، توفي نحو عام 550. والبطريك بطرس الثالث القلونيقي (578 – 591) صاحب الكتابات اللاهوتية الموجهة ضد دميانس بطريرك الأسكندرية وله عدة رسائل ومقالات.
- أما النساطرة فيبدأ عندهم أدب القرن السابع بـ( باباي الكبير) رئيس الدير الكبير للرهبان في جبل إيزلا، وتحمّل باباي أعباء إدارة دفة الكنيسة في بلاد فارس أثناء شغور الكرسي البطريركي لكنيسة المشرق (608 – 629) بسبب العداء السافر لكسرى الثاني أزاء المسيحيين عموماً. ولباباي مؤلفات عديدة، منها كتابه " في الأتحاد" تناول فيه وحدة الطبيعتين في يسوع المسيح والكتاب باق ويُعَّد واحد من أهم أعمال اللاهوت النسطوري.
وثمة تراتيل ورسائل باقية تعود للبطريرك إيشوعياب الثاني الجدالي (628 – 643). وبين الكتاب النساطرة ذاع صيت البطريرك ايشوعياب الثالث الحديابي (648 – 660) بأسلوبه الملفت للنظر، وقد خطّ يراعه رسائلاً جدلية وخطباً للمآتم وتراتيلاً، وله مؤلفات لاهوتية عديدة كما وضع تاريخ الشهيد ايشوعسبران. ولدينا مجموعة تتألف من 104 رسالة له تحظى بأهمية نادرة في ما يتعلق بالتاريخ الديني لعصره. قاوم ايشوعيهب سهدونا أسقف ماحوزا بحيوية، وكان صديقه ورفيق سفره الى الأمبراطور هرقل عام 630، غير أن سهدونا صبأ الى الكثلكة. نشر بيجان الجانب المتوفر من كتاباته الغزيرة في لايبزك عام 1902. وهي تتألف على نحو عام من آخر رسالة في الأخلاق واللاهوت العَقَدي التي أنتزع ايشوعيهب فصولها السبعة عشر الأولى.
والى المرحلة ذاتها ينتمي الكاتبان الأكثر زهداً وورعاً، أسحق النينوي ويوخنا بر فنكايي (المعروف بيوخنا سابا)، وقد حُفظت لنا العديد من مؤلفات الأخير وهي تتضمن كل المواضيع ذات الصلة بالكمال الديني.
وفي ظل حبرية البطريرك كوركيس (661-680) وضع الراهب عنانيشوع مؤلفه الموسوم بـ"فردوس الآباء" وهو يقع في جزئين، أولهما ترجمة " لتاريخ لوسياك" لبالاديوس و"تاريخ الديري" لروفينوس، أما الثاني فهو مجموعة التمجيد للآباء وأسئلة تتعلق بالحياة النسكية. ولا يجوز الخلط بين هذا الكتاب وكتاب "فردوس المشارقة" الذي يضم حيوات الزهاد المشارقة وقد وضعه يوسف خزايا، وهو راهب متقشف متزهد ألَّف مقالات وفيرة في التنسك، ومناصر حميم لحنانا الذي أُدين معه، عاش في مطلع القرن السابع.
أما الكتّاب السريان الغربيين (اليعاقبة) في هذه المرحلة فهم أقل عدداً من أقرانهم الشرقيين (النساطرة)، ويُذكر منهم: يوحنا الأول، بطريرك أنطاكية (631-648) الذي ألَّف صلوات طقسية وفيرة، ومارن أثا التكريتي المتوفي عام 649 صاحب ليتورجية وشروح، وسويروس سابوخت المعاصر له، الذي نذر نفسه للدراسات الفلسفية والعلمية في دير قنشرين الشهير الواقع على ضفاف الفرات، وأعماله محفوظة جزئياً وقد مارست أثراً عظيماً إبان القرون اللاحقة. أما رسائله فتعالج مواضيعاً لاهوتية. وتجدر الإشارة الى تلميذه أثناسيوس من بلد، الذي نال البطريركية (634-688) وهو الآخر كرَّس حياته لدراسة الفلسفة اليونانية.
وتألق تلميذ آخر من تلاميذه ليغمر كل هذه الأسماء ويتفوق عليها، ألا وهو يعقوب الرهاوي الكاتب الذائع الصيت بسعة وتنوع معارفه وبراعته الأدبية.
بيد أنه ولسوء الطالع فقد خلقت الأحداث والتغيّرات العامة في الشرق خلال القرن السابع أوضاعاً جديدة لاسيما في البلدان التي كانت اللغة السريانية فيها واسعة التداول. فبأنتهاء الهيمنة الرومانية على سوريا والتي تزامنت تقريباً مع سقوط سلالة الفرس الساسانيين (636م) ونهوض العرب المسلمين وفتوحاتهم وبسط هيمنتهم على المنطقة جعلهم يفرضون أستعمال اللغة العربية كلغة رسمية. كل هذه العوامل والأحداث مجتمعة دفعت بالأدب السرياني لدى كل من فرقتي النساطرة واليعاقبة لولوج مرحلة جديدة تختلف سماتها عن المرحلة السابقة.
وبرز بين الكتاب المنوفيزيين (اليعاقبة) خلال القرن السادس شمعون بيت أرشم، المجادل الحاذق الذي ساجل النساطرة. مات في القسطنطينية في عهد يوسطينس الأول. له رسائل ذائعة الصيت حول نشوء النسطورية وشيوعها في بلاد فارس وسير الشهداء الحِميَريين المسيحيين في اليمن. كما برز يوحنا التلي أسقف تلاّ الذي نفاه القيصر يوسطينس عام 521، ومات في أنطاكية عام 538 بعد أعتقاله وتعرضه لسوء المعاملة. له وصايا ونصائح للأكليروس وتفسير التقاديس الثلاثة ورسائل شتى.
أما بولس أسقف كالينيكوس الذي عُزِل عام 519 فقد نقل الى السريانية أعمال سويروس الأنطاكي.
كما سطع نجم يعقوب البراعي المتوفي عام 578، الذي يُعدُّ المؤسس الحقيقي للكنيسة المنوفيزية، الذي حملت أسمه لاحقاً (اليعقوبية)، كان ضليعاً بالسريانية واليونانية وله رسائل وصورة إيمان محفوظة بنصها السرياني علاوة على ليتورجيته.
سِيَر كل أولئك الرجال معروفة بشكل أو بآخر من خلال المقالات الغزيرة التي حُفِظت لنا ومن خلال المؤلفات والتصانيف التاريخية القيِّمة ليوحنا الأفسسي المتوفي عام 587، التي تقع في ثلاث مجلدات وله تاريخ آخر بجزئين يشتمل على سير النساك الشرقيين. وكان البرادعي قد رسمه مطراناً لأفسس فنُسِب إليها.
وكان سرجيس الراسعني (ريشعَينا) فيلسوفاً وطبيباً وعالماً متميزاً، إلاَ أنه صداقته مع النساطرة والدور الذي لعبه في أواخر أيامه عرَّضه للريبة والأشتباه بهجره التعاليم المنوفيزية. درَس في الأسكندرية حيث تعلَّم اليونانية، وفي عام 535 أوفده أفرم الآمدي بطريرك الأرثذوكس في أنطاكية الى روما لدعوة أغابيط الروماني الى القسطنطينية سعياً لعزل البطريرك سويروس الأنطاكي وثيودوسيوس الأسكندري وأنثيموس القسطنطيني الذين كان قد ألتأم شملهم هناك. مات سرجيس هناك عام 536. مؤلفاته الأدبية الجديرة بالأهتمام تتألف أغلبها تقريباً من ترجمات يونانية الى السريانية نقلها على نحو ملفت بأمانته، وله ترجمة لكتاب فلسفي لاهوتي منسوب الى الأريوفاغي كان له أثر بليغ على لاهوت السريان الغربيين، كما نالت ترجماته عن الكتّاب الوثنيين مكانة رفيعة بنصوصها السريانية. وقد تناهى إلينا عدد من مؤلفاته وتم نشر جانب منها.
وتجدر الإشارة أيضاً الى أحودامة التكريتي المتوفي عام 575، الذي خلَّف لنا مؤلفات في الفلسفة والنحو. وموسى الأجَلي الذي نقل كتاب قورلس الأسكندري، توفي نحو عام 550. والبطريك بطرس الثالث القلونيقي (578 – 591) صاحب الكتابات اللاهوتية الموجهة ضد دميانس بطريرك الأسكندرية وله عدة رسائل ومقالات.
- أما النساطرة فيبدأ عندهم أدب القرن السابع بـ( باباي الكبير) رئيس الدير الكبير للرهبان في جبل إيزلا، وتحمّل باباي أعباء إدارة دفة الكنيسة في بلاد فارس أثناء شغور الكرسي البطريركي لكنيسة المشرق (608 – 629) بسبب العداء السافر لكسرى الثاني أزاء المسيحيين عموماً. ولباباي مؤلفات عديدة، منها كتابه " في الأتحاد" تناول فيه وحدة الطبيعتين في يسوع المسيح والكتاب باق ويُعَّد واحد من أهم أعمال اللاهوت النسطوري.
وثمة تراتيل ورسائل باقية تعود للبطريرك إيشوعياب الثاني الجدالي (628 – 643). وبين الكتاب النساطرة ذاع صيت البطريرك ايشوعياب الثالث الحديابي (648 – 660) بأسلوبه الملفت للنظر، وقد خطّ يراعه رسائلاً جدلية وخطباً للمآتم وتراتيلاً، وله مؤلفات لاهوتية عديدة كما وضع تاريخ الشهيد ايشوعسبران. ولدينا مجموعة تتألف من 104 رسالة له تحظى بأهمية نادرة في ما يتعلق بالتاريخ الديني لعصره. قاوم ايشوعيهب سهدونا أسقف ماحوزا بحيوية، وكان صديقه ورفيق سفره الى الأمبراطور هرقل عام 630، غير أن سهدونا صبأ الى الكثلكة. نشر بيجان الجانب المتوفر من كتاباته الغزيرة في لايبزك عام 1902. وهي تتألف على نحو عام من آخر رسالة في الأخلاق واللاهوت العَقَدي التي أنتزع ايشوعيهب فصولها السبعة عشر الأولى.
والى المرحلة ذاتها ينتمي الكاتبان الأكثر زهداً وورعاً، أسحق النينوي ويوخنا بر فنكايي (المعروف بيوخنا سابا)، وقد حُفظت لنا العديد من مؤلفات الأخير وهي تتضمن كل المواضيع ذات الصلة بالكمال الديني.
وفي ظل حبرية البطريرك كوركيس (661-680) وضع الراهب عنانيشوع مؤلفه الموسوم بـ"فردوس الآباء" وهو يقع في جزئين، أولهما ترجمة " لتاريخ لوسياك" لبالاديوس و"تاريخ الديري" لروفينوس، أما الثاني فهو مجموعة التمجيد للآباء وأسئلة تتعلق بالحياة النسكية. ولا يجوز الخلط بين هذا الكتاب وكتاب "فردوس المشارقة" الذي يضم حيوات الزهاد المشارقة وقد وضعه يوسف خزايا، وهو راهب متقشف متزهد ألَّف مقالات وفيرة في التنسك، ومناصر حميم لحنانا الذي أُدين معه، عاش في مطلع القرن السابع.
أما الكتّاب السريان الغربيين (اليعاقبة) في هذه المرحلة فهم أقل عدداً من أقرانهم الشرقيين (النساطرة)، ويُذكر منهم: يوحنا الأول، بطريرك أنطاكية (631-648) الذي ألَّف صلوات طقسية وفيرة، ومارن أثا التكريتي المتوفي عام 649 صاحب ليتورجية وشروح، وسويروس سابوخت المعاصر له، الذي نذر نفسه للدراسات الفلسفية والعلمية في دير قنشرين الشهير الواقع على ضفاف الفرات، وأعماله محفوظة جزئياً وقد مارست أثراً عظيماً إبان القرون اللاحقة. أما رسائله فتعالج مواضيعاً لاهوتية. وتجدر الإشارة الى تلميذه أثناسيوس من بلد، الذي نال البطريركية (634-688) وهو الآخر كرَّس حياته لدراسة الفلسفة اليونانية.
وتألق تلميذ آخر من تلاميذه ليغمر كل هذه الأسماء ويتفوق عليها، ألا وهو يعقوب الرهاوي الكاتب الذائع الصيت بسعة وتنوع معارفه وبراعته الأدبية.
بيد أنه ولسوء الطالع فقد خلقت الأحداث والتغيّرات العامة في الشرق خلال القرن السابع أوضاعاً جديدة لاسيما في البلدان التي كانت اللغة السريانية فيها واسعة التداول. فبأنتهاء الهيمنة الرومانية على سوريا والتي تزامنت تقريباً مع سقوط سلالة الفرس الساسانيين (636م) ونهوض العرب المسلمين وفتوحاتهم وبسط هيمنتهم على المنطقة جعلهم يفرضون أستعمال اللغة العربية كلغة رسمية. كل هذه العوامل والأحداث مجتمعة دفعت بالأدب السرياني لدى كل من فرقتي النساطرة واليعاقبة لولوج مرحلة جديدة تختلف سماتها عن المرحلة السابقة.
عدل سابقا من قبل اسحق قومي في الأحد أبريل 26, 2009 5:44 am عدل 1 مرات
تابع الأدب الأشوري المسيحي الوسيط.0القرن الثامن إلى القرن الرابع عشر
- الأدب الآشوري المسيحي الوسيط (القرن الثامن - القرن الرابع عشر )
دشّن القرن الثامن بداية مرحلة من التراجع والتدني التدريجي والأنحدار والأنحطاط بالنسبة للآداب السريانية . ففي هذه المرحلة غدت الأبحاث اللاهوتية أكثر مواعظية من كونها جدلية، والشروح الكتابية أصبحت في المقام الأول نحوية وفقهية.
- وقد برز بين كتاب فرقة المشارقة (النساطرة) باباي الجبيلاتي، مُصلِح الموسيقى الكنسية في عهد البطريرك صليبا زكا (714 – 728)، وواضع مؤلَف الخُطب الجنائزية، والتراتيل والرسائل المحفوظة لنا جزئياً. كما أشتهر بار سَهذي من كرخا دبيث سلوخ الذي عاصر البطريرك بثيون (731 – 740) وهو مؤلف تاريخ كنسي وبحوث ضد الزرادشتية، وكلاهما مفقودان. وفي نحو الفترة عينها عُرِفَ داود بيث ربان مؤلف كتاب الفردوس الصغير، وهو ضرب من التاريخ الرهباني الذي أستقى منه توما المرجي.
ابراهام بر دَشنداد، تلميذ مار باباي، الذي ألَّف كتاب العظات أو النصائح، وكتب محاضرات أخلاقية ورسائل عدة وكتاب الطريق الملكي وشروحاً وتعليقات على على كتابات الراهب مرقس.
أما مار آبا الثاني، الذي أعتلى الكرسي البطريركي وقد بلغ المئة من عمره (741-751)، فقد كتب شروحاً على مؤلفات القديس غريغور النزنيزي، وأخرى حول منطق أرسطو ، فضلاً عن رسائل أخرى. وتجدر الإشارة الى مواطنه شمعون بر طباخي، الخازن لدى الخليفة المنصور، وهو واضع كتاب في التاريخ الكنسي.
سورينوس أسقف نصيبين ولاحقاً أسقف حلوان تم أنتخابه بطريركاً في عام 754 ثم عُزل مباشرة، وهو يُعدّ مؤلف الأبحاث الموجهة ضد الهراطقة.
كما برز في أواخر القرن الثامن أيضاً أبو نوح الأنباري مساعد حاكم (عامل) الموصل، وقد كتب تفنيداً للقرآن ودحضاً للهراطقة، كما دوّن سيرة حياة يوحنا الديلمي.
البطريرك خنانيشوع الثاني (775 – 779) وهو مؤلف رسائل وتراتيل للوفيات وعظات نظمها شعراً ومسائل ذات صلة بالقوانين الكنسية. خلفه على الكرسي البطريركي لكنيسة المشرق مار طيماثاوس الأول الكبير الذي بزَّ بمؤلفاته الأدبية كل معاصرية. وطيماثاوس الأول من مواليد حزّة (قرب أربيلا) تتلمذ على يد أبراهام بر دشنداد، ثم رُسِم أسقفاً لبيث بغاش، وبوفاة البطريرك خنانيشوع تم أنتخابه، بكَيد وتأييد حاكم الموصل، بطريركاً فهدَّأ بحكمته التنافس المحتدم بين الأكليروس وتم تنصيبه في عام 780، وشغل الكرسي البطريركي حتى وافاته المنية في عام 823. وأثناء حبريته أولى أهتماماً واسعاً بالأرساليات النسطورية التبشيرية في أواسط آسيا ولقيت نشاطاتها من لدنه تشجيعاً قوياً، كما أقدم على أدخال أصلاحات تأديبية ضابطة ورادعة في الكنيسة أتسمت بالأهمية والجدية والصرامة. وتتضمن أعماله الأدبية كتاباً في الفلك موسوم بـ"كتاب النجوم" وهو مفقود، وكتاب بجزئين في المسائل القانونية، ومجادلة تتعلق بالإيمان المسيحي دافع بها عن معتقده أمام الخليفة المهدي، علاوة على تعليقات وشروح لمؤلفات القديس غريغور النزنيزي، كما حبَّر يراعه زهاء مائتي رسالة، ستون منها جدلية، وأخرى تتناول المسائل القانونية، لم تزل محفوظة بنسخ مختلفة. هذا وقد تم بفضل رعايته وعنايته ولأول مرة في تاريخ الكنيسة المشرقية جمع مدونات المجامع النسطورية بعنوان "المجامع الشرقية" ، وهي تضم أعمال ثلاثة عشر مجمع سنودسي عقدها أسلافه في الفترة الممتدة ما بين عامي 410 – 775 ، أي خلال 365 سنة، وتشكِّل أساس القانون الكنسي لكنيسة المشرق (النسطورية) والصيغة الرسمية لصورة إيمانها.
وفي حدود الفترة ذاتها عاش ثيودورس بر كوني، مؤلف كتاب الحاشية الذي يضم شرحاً لأسفار العهدين القديم والجديد، ورسائل ضد المنوفيزيين، واحدة منها ضد الآريوسيين، وحوار أي مجادلة بين الوثنيين والمسيحيين، إضافة الى بحوث في الهرطقات. أما يشوعدنخ (أو دنخيشوع) أسقف البصرة فقد وضع تاريخاً كنسياً نسخته مفقودة، وكتاب وسمه بـ"كتاب العِفّة" يشتمل على مائة وخمسين ملاحظة لمؤسس الرهبانيات الشرقية.
- أما حصة السريان الغربيين من المؤلفات لهذه المرحلة فهي أقل كماً وشأناً مما لأقرانهم المشارقة، لو أستثنينا منهم جرجيس أسقف العرب، تلميذ يعقوب الرهاوي المار الذكر، فسائر كتاب السريان المغاربة لا يحظون إلاّ بأهتمام ثانوي. ونذكر منهم أيليا الأول بطريرك أنطاكية (709- 724) الذي وصلتنا له رسالة يوضح فيها سبب تركه تعاليم الملكية (الديوفيزية) وهي موجهة الى لاون أسقف الملكيين (الديوفيزيين) في حرّان، وله مؤلفات أخرى مثيرة للجدل. ودانيال الصلحي الذي كتب شرحاً وافياً لمزامير داود في مجلدات ثلاثة، وصلنا منها المجلدان الأول والثالث بنسختهما العربية.
وبين المغاربة ظهر أيضاً داود بر بولس وهو صاحب مؤلف في النحو وعدد من الرسائل وشروحاً للأصحاح العاشر من سفر التكوين. وتُنسَب إليه أشعار يبدو أنها منحولة وتعود الى فترة لاحقة لعصره. كما ذاع صيت الكاتب ثيوفيليوس الرهاوي الملقب بالماروني لدى أبن العبري، وبالخلقيدوني لدى ميخائيل السرياني، وكان فلكياً بارعاً نال الحظوة لدى الخليفة المهدي. وافته المنية في عام 785، تشتمل أعماله على رسائل في الفلك والتاريخ ونسخة منقولة الى السريانية لهومر. وفي حدود عام 775 برز لعازر بيث آل قنداسا فوضع شرحاً للعهد الجديد يتوفر قسم منه. وكذلك جرجيس بيلثان وهو راهب من قنشرين تولى السدة البطريركية خلال الفترة (758 – 790) ألَّف عدد من المقالات وبضعة مواعظ دينية مفقودة، وله شرح للكتاب المقدس (أنجيل متي) وقد حُفظ لنا جانب منه. أما قرياقس (793 – 817) فقد ترك لنا ليتورجية وقوانين كنسية ومجموعة من المواعظ والرسائل.
- شهد القرن التاسع نهضة في الدراسات العلمية والتاريخية، فبرز بين المشارقة سلسلة من الأطباء الذين علا صيتهم وبرعوا في صنعتهم فنالوا الحظوة لدى الخلفاء العباسيين في بغداد، فكان منهم جبرائيل بختيشوع المتوفي عام 828، ويوحنا بَر ماسويه المتوفي عام 857، وحُنيَن بن أسحق المتوفي عام 873. وفي نهاية القرن التاسع يوحنا بَر سرافيون، وقد ذاع صيت أولئك بين المسيحيين والمسلمين على حد سواء نتيجة أعمالهم الطبية البارعة وترجماتهم لمؤلفات ديوسقورس وهيبوقراط وجالين وبولس من آجيما الى السريانية والعربية، وكان حُنين طبيباً وفيلسوفاً ومؤرخاً ونحوياً ومصنف معاجم في عين الوقت . وقد أشتهر من بعده تلميذه يشوع برعلي بتصنيفه معجماً ضخماً.
ويُعدُ البطريرك يشوع بر نون (823 – 827) لاهوتياً بارعاً وقانونياً حاذقاً، وقد تناهى إلينا من مؤلفاته العديدة كتابه في المسائل القانونية، ومسائل الكتاب المقدس وخُطباً للمآتم ورسائل متنوعة.
ونحو أواسط القرن التاسع وضع كل من يشوع من مَرو و أسحق من حداثا شروحاً ضافية للعهدين القديم والجديد تحظى بأهتمام بالغ في ما يتعلق بالتأويل التاريخي للكتاب المقدس. والأسقف توما المرجي الراهب في دير بيث عابي سابقاً، وهو من المؤرخين الثقاة والكتاب المتميزين بالبلاغة والفصاحة، وضع في عام 840 تاريخ الدير المذكور الذي كان يقع ضمن أبرشيته، ولحسن الطالع فقد ضمَّن توما المرجي كتابه " الرؤساء" ثلاث عشرة وثيقة مختلفة التي لولا جهوده لطواها النسيان ولم نعرف عنها شيئاً، وفضلاً عن ذلك فأن عمله هذا يُسلِّط الضوء على مجمل تاريخ الكنيسة النسطورية خلال ثلاثة قرون.
- أما قائمة الكتّاب السريان المغاربة في القرن التاسع فتتضمن عدداً أقل من الكتاب وتستهل بديونيسيوس التلمحري، الذي أنتُخِب بطريركاً في عام 815 وتوفي في 845. وقد صنَّف تاريخاً كنسياً نفيساً بمجلدين يشتمل كل منهما على ثماني مقالات مقسمة بدورها الى فصول، ويغطي تاريخه الفترة الممتدة ما بين عامي (581 – 833)، وهو مفقود لسوء الحظ، لكننا تعرفنا عليه من خلال الأقتباسات الوافرة التي أوردها ميخائيل الكبير في تاريخه. وكتابه هذا يختلف تماماً عن التاريخ الذي نسبه السمعاني إليه خطأً، فالكتاب الأخير يتوقف عند عام 775 وهو مقسم الى أربعة مجلدات، يبلغ الأول بأحداثه الى عهد قسطنطين ويعتمد أساساً على تاريخ أسابيوس، وأما الثاني فيبلغ عهد ثيودوسيوس الأصغر ويتبع سقراط، أما الثالث فهو أستنساخ للمجلد الثاني من تاريخ يوخنا الآسيوي وتاريخ يشوع العمودي، وهو مفقود، والمجلد الرابع والأخير هو عمل شخصي للمؤلف ، ويحتمل أن مصنفه كان راهباً في دير زوقنين في طورعبدين. وكان ديونيسيوس قد أهدى عمله هذا الى أياونيس مطران دارالاهوتي المنوفيزيين الرفيع الشأن، صنَّف كتباً عديدة في اللاهوت، وتتوفر نسخ من رسائل له في الأنبعاث (النشور) والكهنوت والنفس وشروحاً على كتاب زيف الأريوفاغية.
وقد أنجز ثيودوسيوس الرهاوي (المتوفي 832)، شقيق البطريرك ديونيسيوس التلمحري نسخة من أشعار غريغوريوس النزينزي، تضلع في السريانية واليونانية والعربية، وكان صديقاً مقرباً للراهب أنطون التكريتي الملقب بالبليغ الذي أثنى عليه ونعته بمحب العلوم واللغات. له رسائل في البلاغة وأخرى في العناية الإلهية ومدائح وتراتيل وصلوات، وقد عمل مصنفاً في التاريخ الكنسي. وعلى ذكر الراهب أنطون التكريتي الذي أظهر طول باعه وعلو كعبه في الفصاحة والبلاغة السريانية في كتابه الموسوم بمعرفة الفصاحة، وله الفخر في أدخال القافية الى الشعر السرياني فضلاً عن أستنباطه للبحر الثماني المعروف بإسمه، وله مؤلفات أخرى تطرق فيها الى أمور دينية مختلفة كما وضع ديوان شعري نُظِّمت قصائده على البحر الثماني.
لعازر أبن العجوز (بَر سابتا)، رُسِم أسقفاً لبغداد نحو عام 818، لكنه عُزل عام 828 بسبب خلافات نشبت بينه وبين رعيته. له ليتورجية في طقوس الكنيسة، كما نظم قصيدة جيدة على الوزن الأثني عشري أُدخلت في الفرض الشرقي.
نونا النصيبيني أركذياقون نصيبين، كان حذقاً في الجدل، كتب في نحو أواسط المئة التاسعة مقالة جدلية رد بها على الكاتب البليغ توما المرجي، وله بضعة رسائل جدلية. والراهب رومانس الذي حمل إسم ثاودوسيوس بعد رسامة بطريركاً (887 – 896)، يُعدّ من الأطباء الماهرين وقد صنف مجموعة طبية مفقودة خلا نتف منها، وله شروحاً وافية حول كتاب ايرثاوس تقع في مجلد ضخم ومجموعة المبادئ الفيثاغورية.
لم يُحرز أي من كتاب السريان المغاربة في هذه المرحلة حذاقة موسى بر كيفا الذي أتخذ لنفسه إسم سويرس حينما رُسم أسقفاً.
- القرنان اللاحقان أي العاشر والحادي عشر يمثلان أدنى مستويات أنحدار آداب هذه المرحلة، فلم ينبغ بين السريان أدباء أو كتاب مشاهير يرقون الى مصاف أسلافهم ، ومعظم الأكليروس من ذوي الشأن و القلة القليلة من الكتاب الذين أهتموا بالتعليم والتأليف وضعوا مؤلفاتهم في الغالب باللغة العربية، ولم يظهر في المئة العاشرة لدى السريان المغاربة سوى قلة من الأسماء البارزة في مضمار الأدب نذكر منهم الشماس شمعون النصيبيني الذي عاش في أواسط القرن العاشر وصنَّف تاريخاً مدنياً دينياً، ويحيى بن عدي المتوفي في سنة 974 نقل عشرة كتب يونانية الأصل من السريانية الى العربية، وقد نحا نحوه الحسن ابن الخمّار المولود في بغداد سنة 942 حيث أنجز نقل كتب كثيرة من السريانية الى العربية.
أما بين المشارقة (النساطرة) فيستحق الذكر خنانيشوع بر سروشويه أسقف الحيرة الذي عاش في مطلع القرن وله بحوث كتابية، كما صنَّف معجماً لكنه مفقود وقد جُمِع معظمه في متن المعجم الشهير لأبي الحسن بر بهلول، كما تجدر الإشارة أيضاً الى إيليا الأنباري الملقب بالنصيبيني أيضاً، أسقف الأنبار أي فيروز شابور في نحو عام 920، الذي دبّج رسائلاً وخطباً وجدالاتٍ وكتاب منظوم أسماه "كتاب المئويات". وكيوركيس مطران أربيل والموصل المتوفي عام 987، وهو كاتب مجموعة قوانين وبعض الميامر ويُنسب إليه مصنَّف يُعرف بـ"عرض الطقوس الكنسية".
كما ذاع صيت عمانوئيل بر شهاري المتوفي عام 980، وقد ألَّف كتاباً منظوماً بالبحر السباعي والأثني عشري حول "الأيام الستة للخليقة: الهكساميرون"، يقع في ثماني وعشرين مقالة، وله مواعظ وشروح. وفي نهاية القرن العاشر برز يوخنا بر خلدون الذي ترجم للراهب يوسف بوسنايا، وقد ضمَّن سيرته رسائل لافتة للنظر في اللاهوت الروحي.
- أما الكتاب النساطرة في القرن الحادي عشر فأبرزهم إيليا الطيرهاني الذي تولى البطريركية (1028 – 1049)، وقد ذاع صيته بأبحاثه النحوية وشرحه للمجوعة القانونية التي وضعها طيماثاوس الأول، بعد أن جمع إليها أحكاماً لاحقة، وكتب رسائل قانونية. وإيليا برشينايا (975 – 1046) مطران نصيبين وهو ألمع كتّاب القرن الحادي عشر، رُسِم مطراناً على بيث نوهدرا في عام 1002، ثم تولى أمور مطرانية نصيبين عام 1008 بعد وفاة مطرانها، وظل يشغل كرسي الأسقفية لمدة تربو على الأربعين سنة وعاش مدة بعد وفاة البطريرك إيليا، له كتابات بالسريانية والعربية تشمل مختلف العلوم ورد ذكرها في فهرس عبديشوع الصوباوي وهي كتاب في نحو اللغة السريانية وتراتيل وخطب وضعها نظماً فضلاً عن رسائل ومجموعة المقررات والأحكام القانونية، وله كتاب يفوق جميع مؤلفاته أهمية ألا وهو كتاب الكرونولوجيا الذي وضعه في عام 1019.
وعبديشوع بر بهريز الذي أُقيم مطراناً لأربيل والموصل نحو عام 1030، له مجموعة الشرائع والأحكام القضائية بجزئين يتناول فيها تقسيم الأرث.
أما السريان الغربيين فتجدر الإشارة الى كل من يوحنا بر مارون (أو تلميذ مارون) المتوفي عام 1003، وهو مؤلف شرح كتاب الحكمة، ويشوع بر شوشان بطريرك أنطاكية الذي حمل إسم يوحنا أثناء حبريته الممتدة ما بين (1064 – 1073)، وقد وضع ليتورجية ومجموعة قوانين ونظم أربع قصائد شعرية حول نهب ملطية على يد الأتراك عام 1058، وعدداً من الرسائل باللغتين السريانية والعربية. وأنكب قبل وفاته على جمع ميامر مار أفرام الطوباوي وأسحق الأنطاكي.
- في القرن الثاني عشر سَرَت الى النساطرة أيضاً عدوى الكتابة والتأليف بالعربية، فقد كتب بها إيليا الثالث أبو حليم مطران نصيبين و بطريركاً لاحقاً (1176- 1190) معظم مؤلفاته وهي تراجم وصلوات ورسائل، أما ما كتبه بالسريانية فكان يسيراً ومقتصراً على الصلوات.
دشّن القرن الثامن بداية مرحلة من التراجع والتدني التدريجي والأنحدار والأنحطاط بالنسبة للآداب السريانية . ففي هذه المرحلة غدت الأبحاث اللاهوتية أكثر مواعظية من كونها جدلية، والشروح الكتابية أصبحت في المقام الأول نحوية وفقهية.
- وقد برز بين كتاب فرقة المشارقة (النساطرة) باباي الجبيلاتي، مُصلِح الموسيقى الكنسية في عهد البطريرك صليبا زكا (714 – 728)، وواضع مؤلَف الخُطب الجنائزية، والتراتيل والرسائل المحفوظة لنا جزئياً. كما أشتهر بار سَهذي من كرخا دبيث سلوخ الذي عاصر البطريرك بثيون (731 – 740) وهو مؤلف تاريخ كنسي وبحوث ضد الزرادشتية، وكلاهما مفقودان. وفي نحو الفترة عينها عُرِفَ داود بيث ربان مؤلف كتاب الفردوس الصغير، وهو ضرب من التاريخ الرهباني الذي أستقى منه توما المرجي.
ابراهام بر دَشنداد، تلميذ مار باباي، الذي ألَّف كتاب العظات أو النصائح، وكتب محاضرات أخلاقية ورسائل عدة وكتاب الطريق الملكي وشروحاً وتعليقات على على كتابات الراهب مرقس.
أما مار آبا الثاني، الذي أعتلى الكرسي البطريركي وقد بلغ المئة من عمره (741-751)، فقد كتب شروحاً على مؤلفات القديس غريغور النزنيزي، وأخرى حول منطق أرسطو ، فضلاً عن رسائل أخرى. وتجدر الإشارة الى مواطنه شمعون بر طباخي، الخازن لدى الخليفة المنصور، وهو واضع كتاب في التاريخ الكنسي.
سورينوس أسقف نصيبين ولاحقاً أسقف حلوان تم أنتخابه بطريركاً في عام 754 ثم عُزل مباشرة، وهو يُعدّ مؤلف الأبحاث الموجهة ضد الهراطقة.
كما برز في أواخر القرن الثامن أيضاً أبو نوح الأنباري مساعد حاكم (عامل) الموصل، وقد كتب تفنيداً للقرآن ودحضاً للهراطقة، كما دوّن سيرة حياة يوحنا الديلمي.
البطريرك خنانيشوع الثاني (775 – 779) وهو مؤلف رسائل وتراتيل للوفيات وعظات نظمها شعراً ومسائل ذات صلة بالقوانين الكنسية. خلفه على الكرسي البطريركي لكنيسة المشرق مار طيماثاوس الأول الكبير الذي بزَّ بمؤلفاته الأدبية كل معاصرية. وطيماثاوس الأول من مواليد حزّة (قرب أربيلا) تتلمذ على يد أبراهام بر دشنداد، ثم رُسِم أسقفاً لبيث بغاش، وبوفاة البطريرك خنانيشوع تم أنتخابه، بكَيد وتأييد حاكم الموصل، بطريركاً فهدَّأ بحكمته التنافس المحتدم بين الأكليروس وتم تنصيبه في عام 780، وشغل الكرسي البطريركي حتى وافاته المنية في عام 823. وأثناء حبريته أولى أهتماماً واسعاً بالأرساليات النسطورية التبشيرية في أواسط آسيا ولقيت نشاطاتها من لدنه تشجيعاً قوياً، كما أقدم على أدخال أصلاحات تأديبية ضابطة ورادعة في الكنيسة أتسمت بالأهمية والجدية والصرامة. وتتضمن أعماله الأدبية كتاباً في الفلك موسوم بـ"كتاب النجوم" وهو مفقود، وكتاب بجزئين في المسائل القانونية، ومجادلة تتعلق بالإيمان المسيحي دافع بها عن معتقده أمام الخليفة المهدي، علاوة على تعليقات وشروح لمؤلفات القديس غريغور النزنيزي، كما حبَّر يراعه زهاء مائتي رسالة، ستون منها جدلية، وأخرى تتناول المسائل القانونية، لم تزل محفوظة بنسخ مختلفة. هذا وقد تم بفضل رعايته وعنايته ولأول مرة في تاريخ الكنيسة المشرقية جمع مدونات المجامع النسطورية بعنوان "المجامع الشرقية" ، وهي تضم أعمال ثلاثة عشر مجمع سنودسي عقدها أسلافه في الفترة الممتدة ما بين عامي 410 – 775 ، أي خلال 365 سنة، وتشكِّل أساس القانون الكنسي لكنيسة المشرق (النسطورية) والصيغة الرسمية لصورة إيمانها.
وفي حدود الفترة ذاتها عاش ثيودورس بر كوني، مؤلف كتاب الحاشية الذي يضم شرحاً لأسفار العهدين القديم والجديد، ورسائل ضد المنوفيزيين، واحدة منها ضد الآريوسيين، وحوار أي مجادلة بين الوثنيين والمسيحيين، إضافة الى بحوث في الهرطقات. أما يشوعدنخ (أو دنخيشوع) أسقف البصرة فقد وضع تاريخاً كنسياً نسخته مفقودة، وكتاب وسمه بـ"كتاب العِفّة" يشتمل على مائة وخمسين ملاحظة لمؤسس الرهبانيات الشرقية.
- أما حصة السريان الغربيين من المؤلفات لهذه المرحلة فهي أقل كماً وشأناً مما لأقرانهم المشارقة، لو أستثنينا منهم جرجيس أسقف العرب، تلميذ يعقوب الرهاوي المار الذكر، فسائر كتاب السريان المغاربة لا يحظون إلاّ بأهتمام ثانوي. ونذكر منهم أيليا الأول بطريرك أنطاكية (709- 724) الذي وصلتنا له رسالة يوضح فيها سبب تركه تعاليم الملكية (الديوفيزية) وهي موجهة الى لاون أسقف الملكيين (الديوفيزيين) في حرّان، وله مؤلفات أخرى مثيرة للجدل. ودانيال الصلحي الذي كتب شرحاً وافياً لمزامير داود في مجلدات ثلاثة، وصلنا منها المجلدان الأول والثالث بنسختهما العربية.
وبين المغاربة ظهر أيضاً داود بر بولس وهو صاحب مؤلف في النحو وعدد من الرسائل وشروحاً للأصحاح العاشر من سفر التكوين. وتُنسَب إليه أشعار يبدو أنها منحولة وتعود الى فترة لاحقة لعصره. كما ذاع صيت الكاتب ثيوفيليوس الرهاوي الملقب بالماروني لدى أبن العبري، وبالخلقيدوني لدى ميخائيل السرياني، وكان فلكياً بارعاً نال الحظوة لدى الخليفة المهدي. وافته المنية في عام 785، تشتمل أعماله على رسائل في الفلك والتاريخ ونسخة منقولة الى السريانية لهومر. وفي حدود عام 775 برز لعازر بيث آل قنداسا فوضع شرحاً للعهد الجديد يتوفر قسم منه. وكذلك جرجيس بيلثان وهو راهب من قنشرين تولى السدة البطريركية خلال الفترة (758 – 790) ألَّف عدد من المقالات وبضعة مواعظ دينية مفقودة، وله شرح للكتاب المقدس (أنجيل متي) وقد حُفظ لنا جانب منه. أما قرياقس (793 – 817) فقد ترك لنا ليتورجية وقوانين كنسية ومجموعة من المواعظ والرسائل.
- شهد القرن التاسع نهضة في الدراسات العلمية والتاريخية، فبرز بين المشارقة سلسلة من الأطباء الذين علا صيتهم وبرعوا في صنعتهم فنالوا الحظوة لدى الخلفاء العباسيين في بغداد، فكان منهم جبرائيل بختيشوع المتوفي عام 828، ويوحنا بَر ماسويه المتوفي عام 857، وحُنيَن بن أسحق المتوفي عام 873. وفي نهاية القرن التاسع يوحنا بَر سرافيون، وقد ذاع صيت أولئك بين المسيحيين والمسلمين على حد سواء نتيجة أعمالهم الطبية البارعة وترجماتهم لمؤلفات ديوسقورس وهيبوقراط وجالين وبولس من آجيما الى السريانية والعربية، وكان حُنين طبيباً وفيلسوفاً ومؤرخاً ونحوياً ومصنف معاجم في عين الوقت . وقد أشتهر من بعده تلميذه يشوع برعلي بتصنيفه معجماً ضخماً.
ويُعدُ البطريرك يشوع بر نون (823 – 827) لاهوتياً بارعاً وقانونياً حاذقاً، وقد تناهى إلينا من مؤلفاته العديدة كتابه في المسائل القانونية، ومسائل الكتاب المقدس وخُطباً للمآتم ورسائل متنوعة.
ونحو أواسط القرن التاسع وضع كل من يشوع من مَرو و أسحق من حداثا شروحاً ضافية للعهدين القديم والجديد تحظى بأهتمام بالغ في ما يتعلق بالتأويل التاريخي للكتاب المقدس. والأسقف توما المرجي الراهب في دير بيث عابي سابقاً، وهو من المؤرخين الثقاة والكتاب المتميزين بالبلاغة والفصاحة، وضع في عام 840 تاريخ الدير المذكور الذي كان يقع ضمن أبرشيته، ولحسن الطالع فقد ضمَّن توما المرجي كتابه " الرؤساء" ثلاث عشرة وثيقة مختلفة التي لولا جهوده لطواها النسيان ولم نعرف عنها شيئاً، وفضلاً عن ذلك فأن عمله هذا يُسلِّط الضوء على مجمل تاريخ الكنيسة النسطورية خلال ثلاثة قرون.
- أما قائمة الكتّاب السريان المغاربة في القرن التاسع فتتضمن عدداً أقل من الكتاب وتستهل بديونيسيوس التلمحري، الذي أنتُخِب بطريركاً في عام 815 وتوفي في 845. وقد صنَّف تاريخاً كنسياً نفيساً بمجلدين يشتمل كل منهما على ثماني مقالات مقسمة بدورها الى فصول، ويغطي تاريخه الفترة الممتدة ما بين عامي (581 – 833)، وهو مفقود لسوء الحظ، لكننا تعرفنا عليه من خلال الأقتباسات الوافرة التي أوردها ميخائيل الكبير في تاريخه. وكتابه هذا يختلف تماماً عن التاريخ الذي نسبه السمعاني إليه خطأً، فالكتاب الأخير يتوقف عند عام 775 وهو مقسم الى أربعة مجلدات، يبلغ الأول بأحداثه الى عهد قسطنطين ويعتمد أساساً على تاريخ أسابيوس، وأما الثاني فيبلغ عهد ثيودوسيوس الأصغر ويتبع سقراط، أما الثالث فهو أستنساخ للمجلد الثاني من تاريخ يوخنا الآسيوي وتاريخ يشوع العمودي، وهو مفقود، والمجلد الرابع والأخير هو عمل شخصي للمؤلف ، ويحتمل أن مصنفه كان راهباً في دير زوقنين في طورعبدين. وكان ديونيسيوس قد أهدى عمله هذا الى أياونيس مطران دارالاهوتي المنوفيزيين الرفيع الشأن، صنَّف كتباً عديدة في اللاهوت، وتتوفر نسخ من رسائل له في الأنبعاث (النشور) والكهنوت والنفس وشروحاً على كتاب زيف الأريوفاغية.
وقد أنجز ثيودوسيوس الرهاوي (المتوفي 832)، شقيق البطريرك ديونيسيوس التلمحري نسخة من أشعار غريغوريوس النزينزي، تضلع في السريانية واليونانية والعربية، وكان صديقاً مقرباً للراهب أنطون التكريتي الملقب بالبليغ الذي أثنى عليه ونعته بمحب العلوم واللغات. له رسائل في البلاغة وأخرى في العناية الإلهية ومدائح وتراتيل وصلوات، وقد عمل مصنفاً في التاريخ الكنسي. وعلى ذكر الراهب أنطون التكريتي الذي أظهر طول باعه وعلو كعبه في الفصاحة والبلاغة السريانية في كتابه الموسوم بمعرفة الفصاحة، وله الفخر في أدخال القافية الى الشعر السرياني فضلاً عن أستنباطه للبحر الثماني المعروف بإسمه، وله مؤلفات أخرى تطرق فيها الى أمور دينية مختلفة كما وضع ديوان شعري نُظِّمت قصائده على البحر الثماني.
لعازر أبن العجوز (بَر سابتا)، رُسِم أسقفاً لبغداد نحو عام 818، لكنه عُزل عام 828 بسبب خلافات نشبت بينه وبين رعيته. له ليتورجية في طقوس الكنيسة، كما نظم قصيدة جيدة على الوزن الأثني عشري أُدخلت في الفرض الشرقي.
نونا النصيبيني أركذياقون نصيبين، كان حذقاً في الجدل، كتب في نحو أواسط المئة التاسعة مقالة جدلية رد بها على الكاتب البليغ توما المرجي، وله بضعة رسائل جدلية. والراهب رومانس الذي حمل إسم ثاودوسيوس بعد رسامة بطريركاً (887 – 896)، يُعدّ من الأطباء الماهرين وقد صنف مجموعة طبية مفقودة خلا نتف منها، وله شروحاً وافية حول كتاب ايرثاوس تقع في مجلد ضخم ومجموعة المبادئ الفيثاغورية.
لم يُحرز أي من كتاب السريان المغاربة في هذه المرحلة حذاقة موسى بر كيفا الذي أتخذ لنفسه إسم سويرس حينما رُسم أسقفاً.
- القرنان اللاحقان أي العاشر والحادي عشر يمثلان أدنى مستويات أنحدار آداب هذه المرحلة، فلم ينبغ بين السريان أدباء أو كتاب مشاهير يرقون الى مصاف أسلافهم ، ومعظم الأكليروس من ذوي الشأن و القلة القليلة من الكتاب الذين أهتموا بالتعليم والتأليف وضعوا مؤلفاتهم في الغالب باللغة العربية، ولم يظهر في المئة العاشرة لدى السريان المغاربة سوى قلة من الأسماء البارزة في مضمار الأدب نذكر منهم الشماس شمعون النصيبيني الذي عاش في أواسط القرن العاشر وصنَّف تاريخاً مدنياً دينياً، ويحيى بن عدي المتوفي في سنة 974 نقل عشرة كتب يونانية الأصل من السريانية الى العربية، وقد نحا نحوه الحسن ابن الخمّار المولود في بغداد سنة 942 حيث أنجز نقل كتب كثيرة من السريانية الى العربية.
أما بين المشارقة (النساطرة) فيستحق الذكر خنانيشوع بر سروشويه أسقف الحيرة الذي عاش في مطلع القرن وله بحوث كتابية، كما صنَّف معجماً لكنه مفقود وقد جُمِع معظمه في متن المعجم الشهير لأبي الحسن بر بهلول، كما تجدر الإشارة أيضاً الى إيليا الأنباري الملقب بالنصيبيني أيضاً، أسقف الأنبار أي فيروز شابور في نحو عام 920، الذي دبّج رسائلاً وخطباً وجدالاتٍ وكتاب منظوم أسماه "كتاب المئويات". وكيوركيس مطران أربيل والموصل المتوفي عام 987، وهو كاتب مجموعة قوانين وبعض الميامر ويُنسب إليه مصنَّف يُعرف بـ"عرض الطقوس الكنسية".
كما ذاع صيت عمانوئيل بر شهاري المتوفي عام 980، وقد ألَّف كتاباً منظوماً بالبحر السباعي والأثني عشري حول "الأيام الستة للخليقة: الهكساميرون"، يقع في ثماني وعشرين مقالة، وله مواعظ وشروح. وفي نهاية القرن العاشر برز يوخنا بر خلدون الذي ترجم للراهب يوسف بوسنايا، وقد ضمَّن سيرته رسائل لافتة للنظر في اللاهوت الروحي.
- أما الكتاب النساطرة في القرن الحادي عشر فأبرزهم إيليا الطيرهاني الذي تولى البطريركية (1028 – 1049)، وقد ذاع صيته بأبحاثه النحوية وشرحه للمجوعة القانونية التي وضعها طيماثاوس الأول، بعد أن جمع إليها أحكاماً لاحقة، وكتب رسائل قانونية. وإيليا برشينايا (975 – 1046) مطران نصيبين وهو ألمع كتّاب القرن الحادي عشر، رُسِم مطراناً على بيث نوهدرا في عام 1002، ثم تولى أمور مطرانية نصيبين عام 1008 بعد وفاة مطرانها، وظل يشغل كرسي الأسقفية لمدة تربو على الأربعين سنة وعاش مدة بعد وفاة البطريرك إيليا، له كتابات بالسريانية والعربية تشمل مختلف العلوم ورد ذكرها في فهرس عبديشوع الصوباوي وهي كتاب في نحو اللغة السريانية وتراتيل وخطب وضعها نظماً فضلاً عن رسائل ومجموعة المقررات والأحكام القانونية، وله كتاب يفوق جميع مؤلفاته أهمية ألا وهو كتاب الكرونولوجيا الذي وضعه في عام 1019.
وعبديشوع بر بهريز الذي أُقيم مطراناً لأربيل والموصل نحو عام 1030، له مجموعة الشرائع والأحكام القضائية بجزئين يتناول فيها تقسيم الأرث.
أما السريان الغربيين فتجدر الإشارة الى كل من يوحنا بر مارون (أو تلميذ مارون) المتوفي عام 1003، وهو مؤلف شرح كتاب الحكمة، ويشوع بر شوشان بطريرك أنطاكية الذي حمل إسم يوحنا أثناء حبريته الممتدة ما بين (1064 – 1073)، وقد وضع ليتورجية ومجموعة قوانين ونظم أربع قصائد شعرية حول نهب ملطية على يد الأتراك عام 1058، وعدداً من الرسائل باللغتين السريانية والعربية. وأنكب قبل وفاته على جمع ميامر مار أفرام الطوباوي وأسحق الأنطاكي.
- في القرن الثاني عشر سَرَت الى النساطرة أيضاً عدوى الكتابة والتأليف بالعربية، فقد كتب بها إيليا الثالث أبو حليم مطران نصيبين و بطريركاً لاحقاً (1176- 1190) معظم مؤلفاته وهي تراجم وصلوات ورسائل، أما ما كتبه بالسريانية فكان يسيراً ومقتصراً على الصلوات.
عدل سابقا من قبل اسحق قومي في الأحد أبريل 26, 2009 5:46 am عدل 1 مرات
تابع للموضوع
ويوخنا بر ملكون الذي حمل إسم إيشوعيهب حينما رُسِم أسقفاً لنصيبين عام 1190، وضع أبحاثاً نحوية. أما الراهب شمعون الشنقلاوي الذي عاش في الفترة ذاتها فقد كتب أبحاثاً كرونولوجية وأشعاراً بأسلوب مبهم، ويُرجَّح أنه هو ذاته مؤلف كتاب " الآباء"، الذي يُنحل الى شمعون بر صباعي (من القرن الرابع). ويجدر ذكر تلميذه يوخنا بر زُعبي الكاهن الراهب في دير مار سبريشوع، الذي عُرف على نحو خاص بتآليفه النحوية وله أيضاً مقالات شعرية وخطب في الإيمان. وماري بن سليمان واضع كتاب "المجدل" وهو كتاب واسع يتطرق لشتى المسائل الدينية وفيه لائحة بأسماء بطاركة كنيسة المشرق، وقد تمت أضافة اسماء ثمانية بطاركة آخرين الى اللائحة وتم تصحيح أمور كثيرة فيه على يد صليبا بن يوحنان الموصلي في مطلع القرن الرابع عشر، ثم عمد عمرو بن متي الطيرهاني الى تلخيص "المجدل" وأخراجه بصياغة جديدة مختصرة.
ظهر لدي السريان الغربيين في القرن الثاني عشر كُتّاب قديرون من أمثال يوخنا مطران حرّان وماردين الذي سن مجموعة قوانين لرهبان الأديرة وكتب عن فتح الرها على يد زنكي عام 1144 واصفاً ما حلّ بأهلها من نوازل وكوارث وما أصابهم من ظلم وقهر فعزى ذلك لأسباب دنيوية لا شأن لمشيئة الله فيها، مما أثار عليه أربعة من علماء زمانه.
ويعقوب بر صليبي وهو الكاتب الأوفر نتاجاً في القرن الثاني عشر، حمل إسم ديونيسيوس بعد رسامته مطراناً لمرعش عام 1154. ثم نقله ميخائيل الى آمد في عام 1166 ومكث هناك حتى وافاه الأجل عام 1171. أهم أعماله تفسيره لأسفار العهد القديم والجديد، وله مصنَّف واسع يلخص فيه تفاسير السريان الغربيين وشرح لكتاب المئويات لإيفاغريوس وشرح المنطق علاوة على مجموعة رسائل ومختصر تواريخ الآباء والقديسين والشهداء ومجموعة القوانين الكنسية وعدد من المقالات الليتورجية وشرح للقدّاس ومقالة شاملة ضد الهرطقات وخطباً وقصائد مناسبات. ومعظم تفاسيره ومؤلفات متوفرة.
ميخائيل السرياني المعروف بميخائيل الكبير (رابو) إبن كاهن ملطية ترأس دير برصوما وتم أنتخابه بطريركاً عام 1166 – 1199، كان عالماً ومؤرخاً قديراً، ألَّف عدد من الأعمال الليتورجية، غير أن مؤلفه الرئيسي كرونولوجي ويُعدّ أضخم شرح تاريخي نقله إلينا الكتّاب السريان، و تاريخ إبن العبري مختصر له بأمانة، وقد تضمن الكثير من الوثائق القديمة التي أوردها نصاً أو تلخيصاً، وهذا السفر التاريخي يزودنا بمعلومات قيِّمة لها صلة بمن سبقه من المؤرخين كما يمدّنا بتفاصيل مثيرة عن عصره لا سيَّما ما يتعلق بفتح الرها من قبل الصليبيين وحروب الأمراء المسلمين الذين أحتلوا آسيا الصغرى وعى وجه التحديد قبدوقية. كتاب "كرونولوجيا" ميخائيل الكبير يستهلّه بالخليقة ويختمه بموت صلاح الدين الأيوبي عام 1196.
- يُسجِّلُ القرن الثالث عشر نهاية الأدب السرياني، وقد ظهر خلاله بين السريان الغربيين: يعقوب (سويروس) بر تشكّو المتوفي عام 1241، وله محاورات بصيغة محاضرات في فلسفية، وألَّف "كتاب الكنوز" في اللاهوت. كما أشتهر هارون برمعدني، سيم مطراناً لماردين بأسم يوحنا ورقي الى درجة المفريان عام (1232) ثم تولى دفة البطريركة (1252 – 1261)، له ديوان شعري صغير يُظهر براعته وفصاحته وجودة أشعاره، نظمه على البحر الأثني عشري وبين قصائده قصيدة تائية في النفس مطلعها:
"هبطت إليك من ذروة القدس: ܫܸܟܢܲܬ ܨܹܐܕܲܝܟ ܡܼܢ ܗܿܘ ܪܵܘܡܵܐ ܕܩܲܕܝܼܫܘܼܬܼܵܐ"
عارض بها القصيدة العينية لإبن سينا: "هبطت إليك من المحل الأرفع ورقاءُ ذات تعزّز وتمنّع".
وله خطب وقوانين .
كما لمع نجم المفريان غريغوريوس بر عبرايا العالم الموسوعي الذي تختتم بإسمه قائمة الكتاب السريان الغربيين، وهو أشهر علماء السريان الغربيين وأعظمهم شأناً وأجلّهم قدراً أشتهر بطول باعه وفيض يراعه في مختلف مجالات معارف وعلوم زمانه، ولد عام 1226 في ملطية، فدرس اللغة السريانية واللاهوت والطب والفلسفة وأرتشف من ينابيع العلوم والمعارف فأحسن فيها وأحكمها. فتولى زمام مفريانية المشرق ودبّر شؤونها خير تدبير، وأنصرف للتأليف والتصنيف فأجاد وأتت ثمار جهوده السخية وفيرة شهية، فتجاوزت أعماله الثلاثين كتاباً نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر كتاب ضخم ضم بين دفتيه تفسير أسفار العهدين بعنوان "مخزن الأسرار"، وكتاب بمجلدين في التاريخ الكنسي، وتاريخ مختصر الدول الذي نقله الى العربية، وكتاب الأضواء (ؤمحُأ) في نحو اللغة السريانية وكتاب "منارة الأقداس" في اللاهوت وكتاب "زبدة الحكمة: حًوٍةّ حَخمةِّأ " في الفلسفة و"حديث الحكمة" والهدايات في الشرع الكنسي ومضحكات أبن العبري وديوان شعر وغيرها كثير مما لا يسع المقام ههنا لذكره.
وتجدر الإشارة الى قلة من الكتاب الغربيين في أواخر القرن الثالث عشر ومنهم: أبو نصر ابرطلي الراهب في دير مار متي حيث تلقى تعليمه في اللغة والدين وألَّف بأسلوب سلس فصيح 94 حساية وحبَّر يراعه سيرة حياة مار متي المنظومة شعراً في قصيدة بالبحر السباعي. ولقي ربه في سنة 1290. وكذلك المطران جبرائيل البرطلي الذي ترهب في دير مار متي وتلقى فيه العلوم ونال منها قسطاً جيداً، كتب سيرة ابن العبري وأخيه الصفي نظماً في قصيدتين بالبحر الأثني عشري، وله أيضاً ليتورجية وحسايات وعظات. وافته المنية سنة 1300.
أما بين النساطرة فقد برزسليمان البصري مطران البصرة (المتوفي عام 1240) هو صاحب كتاب "النحلة: دبوريثا" الذي ذكره عبديشوع الصوباوي في فهرس المؤلفين، وله مقالات وصلوات لا تزال محفوظة.
وأشتهر أيضاً في القرن الثالث عشر كيوركيس وردة لا سيما بأشعاره المكرسة لوصف العذراء مريم فنال لقب شاعر العذراء، وله نحو 150 مقالة منظومة شعراً بالبحر السباعي لمار أفرام. أما مواطنه ومعاصره خاميس بر قرداخي فله ديوان شعر يُعرف بـ"ترعي دموشخاثا" تناول فيه أغراض شعرية متنوعة منها دينية تتناول شهيد أربيل إيشوعسبران ومواضيع ليتورجية وأخرى دنيوية كوصف الخمر والغزل والهجاء. ووضع يوحنا الموصلّي المتوفي في نحو عام 1270 كتاباً بعنوان "الرجل الفاضل" وله أشعار تهذيبية. أما جبرائيل قمصا مطران الموصل فله أنشودة في مار سبريشوع ومجموعة أشعار لاهوتية وأخرى للمآتم.
وأخيراً وليس آخراً فقد سطع في سماء النساطرة نجم عبديشوع بر بريخا الصوباوي مطران نصيبين وأرمينيا المتوفي في عام 1318، الذي يُعدّ من خيرة كتاب عصره وأكثرهم عطاءً وغزارة في التأليف وسمو مكانته الأدبية، رتب كتاباً عظيم الفائدة أسماه "فهرس المؤلفين" يضم بين دفتيه جميع كتاب وأدباء النساطرة مع ذكر مؤلفاتهم فضلاً عن قائمة طويلة يعدد فيها مؤلفاته الخاصة الكثيرة العدد التي تناهز العشرين كتاباً بالسريانية والعربية، وهي تتألف من شروح لأسفار العهدين القديم والجديد وكتاب "الجوهرة: ܡܲܪܓܵܢܝܼܬܼܵܐ" في اللاهوت ومختصر قوانين المجامع الكنسية "نوموقانون" وكتاب "تنظيم الأحكام الكنسية" ونظم أشعار غزيرة رائعة وكتابه الشهير "فردوس عدن: ܦܲܪܕܲܝܣܵܐ ܕܲܥܕܸܢ" الذي حاكى فيه مقامات الحريري الذائعة الصيت. وبوفاة عبديشوع الصوباوي الكاتب النسطوري النحرير في العقد الناني من المئة الرابعة عشرة أنطفأ سراج الأبداع الأدبي لدى المشارقة وخبا عندهم نور العلم والمعرفة ولم يظهر بعده كاتب يجاري بقلمه الأسلاف الصالحين. ولا يختلف عن ذلك الحال الذي آل إليه الأدب لدى أقرانهم الغربيين الذين كان كاتبهم الموسوعي الجهبذ ابن العبري آخر من حمل مشعل العلم والأدب في الكنيسة السريانية الغربية، لكن رغم الأنحطاط والأسفاف الذي أصاب آداب السريانية من جراء ما تعرضت له المنطقة بأسرها من أهوال ومحن فقد برزت قلة من الكتاب الذين يستحقون الذكر من أمثال الراهب يشوع ابن خيرون المتوفي في عام 1335 ، كان أديباً شاعراً وراهباً في دير العذراء، وضع حساية وأربع قصائد بالبحر الأثني عشري، وله تعاليق على قاموس ابن بهلول الشهير. والراهب دانيال المارديني المولود في سنة 1327 في ماردين، ترهب في دير القطرة وواظب على درس علوم اللغة السريانية فكان حظه منها وافراً. أختصر عدداً من مؤلفات العلامة ابن العبري وكتب بالعربية كتاب أصول الدين، وقد خلط البعض بينه وبين سمي له هو دانيال ابن الحطاب. توفي في عام 1382.
- في غضون القرن الرابع عشر لم يفرز الأدب السرياني أية أعمال ذات قيمة أدبية، فالقلة القليلة من الكتاب الذين كرسوا أقلامهم للكتابة والتأليف لم يُظهروا أي مواهب أبداعية، لكن على الرغم من ذلك فثمة إشارات وتلميحات لهم لا تخلو من فائدة في ما يخص التاريخ المحلي، التي ربما نعثر عليها بين طيات كتاباتهم العرضية. فالخدمة الجليلة التي أسداها الكتبة السريان للثقافة والعلوم من خلال ترجماتهم ونقولهم التي تشكل جانباً كبيراً من الأدب السرياني لا ينبغي التغاضي عنها وطمس معالمها وغمط حقها، فهي تضم كلاً من أعمال الوثنيين والمسيحيين على حد سواء، التي تشتمل على علوم اليونانيين وأعمالهم اللاهوتية، وتحتل مؤلفات أرسطو ومدرسته المكانة الأولى فيها. وعن طريقهم أطّلع العرب المسلمون على كنوز الثقافة والعلوم اليونانية وأصبحوا على صلة بالفلسفة الهيلينية. فالدور الجوهري الهام الذي لعبه العرب في نشر العلوم أثناء القرون الوسطى تعود جذوره وأصوله الى الأدب السرياني الذي كان نتاج عقول آشورية بمختلف طوائفهم وتراجمهم من اليونانية. فقصة الأسكندر وكليلة ودمنة تمت ترجمتهما من البهلوية الى السريانية في حدود القرن السادس للميلاد، هذا فضلاً عن الترجمة السريانية لجانب كبير من أعمال الآباء اليونانيين الأوسع شهرة إبان القرنين الرابع والخامس، وهذه الترجمات لا تحظى إلاّ بأهمية ثانوية في حال توفر نصوصها الأصلية (اليونانية)، غير أنها تنال قيمة عظيمة وأهمية بالغة حينما تُطلعنا على مؤلفات مفقودة كما هو الحال مع رسائل القديس أثناسيوس ومقالات تيتوس ضد المانويين، وكتابات ثيوفاني من إسيبيوس وشروح قيرلس الأسكندري للقديس لوقا، وأعمال سويروس الأنطاكي وشروح وتعليقات ثيودوروس المصيصي والقديس يوحنا ومقالاته ودفاع نسطوريوس وغيرها كثير، حيث شكلت التراجم بنصوصها السريانية جسراً ومعبراً للوصول الى معرفة الكثير من المؤلفات اليونانية المفقودة الأصل.
************************************
ظهر لدي السريان الغربيين في القرن الثاني عشر كُتّاب قديرون من أمثال يوخنا مطران حرّان وماردين الذي سن مجموعة قوانين لرهبان الأديرة وكتب عن فتح الرها على يد زنكي عام 1144 واصفاً ما حلّ بأهلها من نوازل وكوارث وما أصابهم من ظلم وقهر فعزى ذلك لأسباب دنيوية لا شأن لمشيئة الله فيها، مما أثار عليه أربعة من علماء زمانه.
ويعقوب بر صليبي وهو الكاتب الأوفر نتاجاً في القرن الثاني عشر، حمل إسم ديونيسيوس بعد رسامته مطراناً لمرعش عام 1154. ثم نقله ميخائيل الى آمد في عام 1166 ومكث هناك حتى وافاه الأجل عام 1171. أهم أعماله تفسيره لأسفار العهد القديم والجديد، وله مصنَّف واسع يلخص فيه تفاسير السريان الغربيين وشرح لكتاب المئويات لإيفاغريوس وشرح المنطق علاوة على مجموعة رسائل ومختصر تواريخ الآباء والقديسين والشهداء ومجموعة القوانين الكنسية وعدد من المقالات الليتورجية وشرح للقدّاس ومقالة شاملة ضد الهرطقات وخطباً وقصائد مناسبات. ومعظم تفاسيره ومؤلفات متوفرة.
ميخائيل السرياني المعروف بميخائيل الكبير (رابو) إبن كاهن ملطية ترأس دير برصوما وتم أنتخابه بطريركاً عام 1166 – 1199، كان عالماً ومؤرخاً قديراً، ألَّف عدد من الأعمال الليتورجية، غير أن مؤلفه الرئيسي كرونولوجي ويُعدّ أضخم شرح تاريخي نقله إلينا الكتّاب السريان، و تاريخ إبن العبري مختصر له بأمانة، وقد تضمن الكثير من الوثائق القديمة التي أوردها نصاً أو تلخيصاً، وهذا السفر التاريخي يزودنا بمعلومات قيِّمة لها صلة بمن سبقه من المؤرخين كما يمدّنا بتفاصيل مثيرة عن عصره لا سيَّما ما يتعلق بفتح الرها من قبل الصليبيين وحروب الأمراء المسلمين الذين أحتلوا آسيا الصغرى وعى وجه التحديد قبدوقية. كتاب "كرونولوجيا" ميخائيل الكبير يستهلّه بالخليقة ويختمه بموت صلاح الدين الأيوبي عام 1196.
- يُسجِّلُ القرن الثالث عشر نهاية الأدب السرياني، وقد ظهر خلاله بين السريان الغربيين: يعقوب (سويروس) بر تشكّو المتوفي عام 1241، وله محاورات بصيغة محاضرات في فلسفية، وألَّف "كتاب الكنوز" في اللاهوت. كما أشتهر هارون برمعدني، سيم مطراناً لماردين بأسم يوحنا ورقي الى درجة المفريان عام (1232) ثم تولى دفة البطريركة (1252 – 1261)، له ديوان شعري صغير يُظهر براعته وفصاحته وجودة أشعاره، نظمه على البحر الأثني عشري وبين قصائده قصيدة تائية في النفس مطلعها:
"هبطت إليك من ذروة القدس: ܫܸܟܢܲܬ ܨܹܐܕܲܝܟ ܡܼܢ ܗܿܘ ܪܵܘܡܵܐ ܕܩܲܕܝܼܫܘܼܬܼܵܐ"
عارض بها القصيدة العينية لإبن سينا: "هبطت إليك من المحل الأرفع ورقاءُ ذات تعزّز وتمنّع".
وله خطب وقوانين .
كما لمع نجم المفريان غريغوريوس بر عبرايا العالم الموسوعي الذي تختتم بإسمه قائمة الكتاب السريان الغربيين، وهو أشهر علماء السريان الغربيين وأعظمهم شأناً وأجلّهم قدراً أشتهر بطول باعه وفيض يراعه في مختلف مجالات معارف وعلوم زمانه، ولد عام 1226 في ملطية، فدرس اللغة السريانية واللاهوت والطب والفلسفة وأرتشف من ينابيع العلوم والمعارف فأحسن فيها وأحكمها. فتولى زمام مفريانية المشرق ودبّر شؤونها خير تدبير، وأنصرف للتأليف والتصنيف فأجاد وأتت ثمار جهوده السخية وفيرة شهية، فتجاوزت أعماله الثلاثين كتاباً نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر كتاب ضخم ضم بين دفتيه تفسير أسفار العهدين بعنوان "مخزن الأسرار"، وكتاب بمجلدين في التاريخ الكنسي، وتاريخ مختصر الدول الذي نقله الى العربية، وكتاب الأضواء (ؤمحُأ) في نحو اللغة السريانية وكتاب "منارة الأقداس" في اللاهوت وكتاب "زبدة الحكمة: حًوٍةّ حَخمةِّأ " في الفلسفة و"حديث الحكمة" والهدايات في الشرع الكنسي ومضحكات أبن العبري وديوان شعر وغيرها كثير مما لا يسع المقام ههنا لذكره.
وتجدر الإشارة الى قلة من الكتاب الغربيين في أواخر القرن الثالث عشر ومنهم: أبو نصر ابرطلي الراهب في دير مار متي حيث تلقى تعليمه في اللغة والدين وألَّف بأسلوب سلس فصيح 94 حساية وحبَّر يراعه سيرة حياة مار متي المنظومة شعراً في قصيدة بالبحر السباعي. ولقي ربه في سنة 1290. وكذلك المطران جبرائيل البرطلي الذي ترهب في دير مار متي وتلقى فيه العلوم ونال منها قسطاً جيداً، كتب سيرة ابن العبري وأخيه الصفي نظماً في قصيدتين بالبحر الأثني عشري، وله أيضاً ليتورجية وحسايات وعظات. وافته المنية سنة 1300.
أما بين النساطرة فقد برزسليمان البصري مطران البصرة (المتوفي عام 1240) هو صاحب كتاب "النحلة: دبوريثا" الذي ذكره عبديشوع الصوباوي في فهرس المؤلفين، وله مقالات وصلوات لا تزال محفوظة.
وأشتهر أيضاً في القرن الثالث عشر كيوركيس وردة لا سيما بأشعاره المكرسة لوصف العذراء مريم فنال لقب شاعر العذراء، وله نحو 150 مقالة منظومة شعراً بالبحر السباعي لمار أفرام. أما مواطنه ومعاصره خاميس بر قرداخي فله ديوان شعر يُعرف بـ"ترعي دموشخاثا" تناول فيه أغراض شعرية متنوعة منها دينية تتناول شهيد أربيل إيشوعسبران ومواضيع ليتورجية وأخرى دنيوية كوصف الخمر والغزل والهجاء. ووضع يوحنا الموصلّي المتوفي في نحو عام 1270 كتاباً بعنوان "الرجل الفاضل" وله أشعار تهذيبية. أما جبرائيل قمصا مطران الموصل فله أنشودة في مار سبريشوع ومجموعة أشعار لاهوتية وأخرى للمآتم.
وأخيراً وليس آخراً فقد سطع في سماء النساطرة نجم عبديشوع بر بريخا الصوباوي مطران نصيبين وأرمينيا المتوفي في عام 1318، الذي يُعدّ من خيرة كتاب عصره وأكثرهم عطاءً وغزارة في التأليف وسمو مكانته الأدبية، رتب كتاباً عظيم الفائدة أسماه "فهرس المؤلفين" يضم بين دفتيه جميع كتاب وأدباء النساطرة مع ذكر مؤلفاتهم فضلاً عن قائمة طويلة يعدد فيها مؤلفاته الخاصة الكثيرة العدد التي تناهز العشرين كتاباً بالسريانية والعربية، وهي تتألف من شروح لأسفار العهدين القديم والجديد وكتاب "الجوهرة: ܡܲܪܓܵܢܝܼܬܼܵܐ" في اللاهوت ومختصر قوانين المجامع الكنسية "نوموقانون" وكتاب "تنظيم الأحكام الكنسية" ونظم أشعار غزيرة رائعة وكتابه الشهير "فردوس عدن: ܦܲܪܕܲܝܣܵܐ ܕܲܥܕܸܢ" الذي حاكى فيه مقامات الحريري الذائعة الصيت. وبوفاة عبديشوع الصوباوي الكاتب النسطوري النحرير في العقد الناني من المئة الرابعة عشرة أنطفأ سراج الأبداع الأدبي لدى المشارقة وخبا عندهم نور العلم والمعرفة ولم يظهر بعده كاتب يجاري بقلمه الأسلاف الصالحين. ولا يختلف عن ذلك الحال الذي آل إليه الأدب لدى أقرانهم الغربيين الذين كان كاتبهم الموسوعي الجهبذ ابن العبري آخر من حمل مشعل العلم والأدب في الكنيسة السريانية الغربية، لكن رغم الأنحطاط والأسفاف الذي أصاب آداب السريانية من جراء ما تعرضت له المنطقة بأسرها من أهوال ومحن فقد برزت قلة من الكتاب الذين يستحقون الذكر من أمثال الراهب يشوع ابن خيرون المتوفي في عام 1335 ، كان أديباً شاعراً وراهباً في دير العذراء، وضع حساية وأربع قصائد بالبحر الأثني عشري، وله تعاليق على قاموس ابن بهلول الشهير. والراهب دانيال المارديني المولود في سنة 1327 في ماردين، ترهب في دير القطرة وواظب على درس علوم اللغة السريانية فكان حظه منها وافراً. أختصر عدداً من مؤلفات العلامة ابن العبري وكتب بالعربية كتاب أصول الدين، وقد خلط البعض بينه وبين سمي له هو دانيال ابن الحطاب. توفي في عام 1382.
- في غضون القرن الرابع عشر لم يفرز الأدب السرياني أية أعمال ذات قيمة أدبية، فالقلة القليلة من الكتاب الذين كرسوا أقلامهم للكتابة والتأليف لم يُظهروا أي مواهب أبداعية، لكن على الرغم من ذلك فثمة إشارات وتلميحات لهم لا تخلو من فائدة في ما يخص التاريخ المحلي، التي ربما نعثر عليها بين طيات كتاباتهم العرضية. فالخدمة الجليلة التي أسداها الكتبة السريان للثقافة والعلوم من خلال ترجماتهم ونقولهم التي تشكل جانباً كبيراً من الأدب السرياني لا ينبغي التغاضي عنها وطمس معالمها وغمط حقها، فهي تضم كلاً من أعمال الوثنيين والمسيحيين على حد سواء، التي تشتمل على علوم اليونانيين وأعمالهم اللاهوتية، وتحتل مؤلفات أرسطو ومدرسته المكانة الأولى فيها. وعن طريقهم أطّلع العرب المسلمون على كنوز الثقافة والعلوم اليونانية وأصبحوا على صلة بالفلسفة الهيلينية. فالدور الجوهري الهام الذي لعبه العرب في نشر العلوم أثناء القرون الوسطى تعود جذوره وأصوله الى الأدب السرياني الذي كان نتاج عقول آشورية بمختلف طوائفهم وتراجمهم من اليونانية. فقصة الأسكندر وكليلة ودمنة تمت ترجمتهما من البهلوية الى السريانية في حدود القرن السادس للميلاد، هذا فضلاً عن الترجمة السريانية لجانب كبير من أعمال الآباء اليونانيين الأوسع شهرة إبان القرنين الرابع والخامس، وهذه الترجمات لا تحظى إلاّ بأهمية ثانوية في حال توفر نصوصها الأصلية (اليونانية)، غير أنها تنال قيمة عظيمة وأهمية بالغة حينما تُطلعنا على مؤلفات مفقودة كما هو الحال مع رسائل القديس أثناسيوس ومقالات تيتوس ضد المانويين، وكتابات ثيوفاني من إسيبيوس وشروح قيرلس الأسكندري للقديس لوقا، وأعمال سويروس الأنطاكي وشروح وتعليقات ثيودوروس المصيصي والقديس يوحنا ومقالاته ودفاع نسطوريوس وغيرها كثير، حيث شكلت التراجم بنصوصها السريانية جسراً ومعبراً للوصول الى معرفة الكثير من المؤلفات اليونانية المفقودة الأصل.
************************************
عدل سابقا من قبل اسحق قومي في الأحد أبريل 26, 2009 5:52 am عدل 1 مرات
تابع للموضوع الأدب الأشوري المسيحي القرن الخامس عشر وحتى الثامن عشر
الأدب الآشوري المسيحي المتأخر (القرن الخامس عشر - القرن الثامن عشر)
كانت سمة هذه المرحلة الجمود والركود في كل مناحي الحياة كنتيجة لما تعرضت له المنطقة من الخراب والدمار من جراء هجمات التتار التي بلغت أوجها بأستيلاء هولاكو على بغداد (1258) عاصمة حضارة الشرق فدمرتها جيوشه وعاثت فيها فساداً فأمحت معالم حضارتها الزاهرة وأنتكست راية العلم والأدب وخبا نور سراجها الذي كان يشع نوراً يبدد الظلمات، ثم جاء تيمورلنك ومن بعده الأتراك العثمانيون ليقضوا على آخر معالم الحضارة وتندرس على أياديهم الباغية آثار المدارس والأديرة والكنائس ولتكتمل المأساة بظلمهم وطغيانهم ويرخي ليل الجهل والتخلف سدوله لتغرق المنطقة في ظلام دامس حتى بزغ نور من الغرب أهتدى به أهلنا وتلمسوا طريقهم مجدداً، بعد أن تسلط الركود على العقول ونضب معين الأبداع وطغت الصناعة اللفظية الزائفة بالأكثار من السجع والبديع لتشوه وجه الأدب الناصع، وأخذ الكتاب يهتمون بالمعنى قبل المبنى ويلهثون وراء التورية والطباق والجناس والسجع ليأتي نتاجهم الأدبي ضحلاً خالياً من عمق المعاني وسموها.
- الكتاب المشارقة:
نستهل قائمة كتابنا المشارقة للقرن الخامس عشر بإيشوعياب بر مقدم، الذي لم يصلنا عن حياته إلا النزر اليسير، ويشار الى أنه ترهب في دير مار سبريشوع في حدياب وتمت سيامته مطراناً لحدياب في عام 1443، من آثاره كتاب وضعه نظماً على الوزن السباعي (الأفرامي) وجملة رسائل وأربعين نشيداً وبضعة مداريش للمآتم، وأتم نظم قصيدة العلامة غريغوريوس ابن العبري في الإلهيات والكمال، وهي قصيدة عمل فيها عدة كتاب من بينهم الشاعر النسطوري المعروف خاميس بر قرداخي الأربلي. لقي ربه في نحو سنة 1444.
ومن كتاب القرن الخامس عشر أشتهر أيضاً سركيس بن وحلي وكان راهباً في ديرالربان هرمزد، وقرض الشعر فترك لنا ديواناً يضم إثنتين وعشرين قصيدة كرسها لمدح الربان هرمزد، وهي منظومة على البحر الإثني عشري (المنسوب الى مار نرساي الملفان) تشوبها ألفاظ غريبة دخيلة يتعذر على القارئ فهم معانيها، وله أيضاً منظوم في تاريخ بطاركة كنيسة المشرق حتى القرن الرابع عشر. ولا نعلم في أي عام قضى نحبه فسيرته غير معروفة.
وفي أواخر القرن الخامس عشر ومطلع السادس عشر برز ابراهيم بيث سلوخ (المتوفي نحو سنة 1526)، وكانت ولادته في كرخ سلوخ وترهب في دير بجبل إيزلا، وله آثار دونها نثراً وهي شروح في الصلوات وأخرى منظومة تشتمل على ثلاث عشرة مقطوعة في النصائح والمآتم.
وتجدر الإشارة هنا الى البطريرك يشوع الرابع بن يوخنان، وكان قد أبصر النور في جزيرة ابن عمر، وسيم أسقفاً للجزيرة سنة 1554، ثم تولى إدارة دفة بطريركية الكلدان الكاثوليك خلفاً ليوخنا سولاقا، وتوجه الى روما حيث أعلن ولاءه للكرسي الرسولي. وافته المنية سنة 1567 في دير مار يعقوب الحبيس القريب من سعرد. ترك لنا قصائد شعرية سبكها بلغة محكمة وأسلوب سلس تناول فيها رحلة سلفه البطريرك يوحنا سولاقا الى روما وعودته وأغتياله، كما نظم عدداً من المداريش للمآتم وأنشودات لصوم نينوى وقصائد ومقالات منظومة شتى.
ولا يقلّ عنه أهمية القس اسرائيل الألقوشي المعروف بالكبير (رابا)، الذي أبصر النور في بلدة ألقوش العريقة عام 1541، وتلقى فيها علومه فبرع في اللغة الآرامية السريانية ونظم بها قصائداً كما نظم بلهجته المحلية المحكية (السوادية) مرثية وصف فيها الوباء الذي أستشرى في ألقوش سنة 1596 وحصد أرواح المئات من أبناءها وهو من أوائل كتابنا الذين طرقوا باب الكتابة بالسوادية، تتناول قصائده أغراض متنوعة وله مداريش للمآتم، ومن مآثره الجهود الطيبة التي بذلها في إنشاء مدرسة ألقوش التي أتت ثمارها الشهية بأعداد جيل صالح خدم اللغة والأدب السرياني. قضى نحبه سنة 1610.
وبرز من ألقوش أيضاً حفيد القس اسرائيل رابا، القس كيوركيس الألقوشي المتوفي نحو سنة 1700، تلقى تعليمه على يدي جده (لا أظن أنه قد أدرك جده في حياته لأن الفرق بين سنة وفاة جده 1610 وسنة وفاته في 1700 يبلغ التسعين سنة) فتضلع في السريانية وصنَّف بها كتباً ونظم قصائد شعرية ومداريش قام بنشر جانب منها القس يوسف قليثا في مطبعته المعروفة بالمطبعة الآثورية في الموصل. كان كيوركيس شاعراً ضليعاً بالسريانية ومطلعاً على آداب العربية مما مكنه من أدخال بعض من فنون الشعر العربي الى الشعر السرياني. له مجموعة قصائد، غير أنها مبعثرة وتنتظر همة من يتصدى لجمعها وترتيبها في ديوان.
- الكتاب المغاربة:
يتصدر قائمة الكتاب السريان الغربيين في القرن الخامس عشر القس أشعيا السبريني (المتوفي سنة 1425)، يُذكر أن القس أشعيا أبن الشماس دنخا أبصر النور في باسبرينة في النصف الأخير من القرن الرابع عشر. حجَّ الأماكن المقدسة وواظب على دراسة الكتاب المقدس فشرح أسفاره وفسرها. له قصيدتان منظومتان على البحر السباعي تناول فيهما الأهوال والخطوب والمظالم التي ألحقها تيمورلنك بأهالي طورعبدين وما جورها. يتسم أسلوبه بجودة الحبك ومتانة السبك وحسن العبارة. أنشأ مدرسة لتعليم اللغة في قريته فتخرج على يده الكثيرون من أبناء قريته.
ومن القرن الخامس عشر أيضاً البطريرك بهنام الأول الحدلي، ولد في حدل الكائنة في منطقة بازبدي وألتحق بدير قرتمين، وفي عام 1404 نتم تنصيبه مفرياناً بإسم باسيليوس وبعد مضي ثماني سنوات تمت ترقيته الى السدة البطريركية لكنيسة السريان. وافته المنية سنة 1455 بدير الزعفران. تميَّز نتاجه بالغزارة والتنوع وله تآليف منثورة ومنظومة. أتبع أسلوب اللين واللطف في تعامله مع أساقفة أبرشيات كنيسته فأفلح في أقناعهم وإعادتهم الى حضيرة كنيسته.
الراهب داود الحمصي، أبصر النور سنة 1431، وتلقى علومه على يد القس موسى في حمص، وفي ريعان شبابه تمت رسامته كاهناً في دير الزعفران عام 1459، وله مؤلفات دبجها يراعه نثراً ونظماً وهي تتراوح بين جيد وردئ أفسدته الصناعة اللفظية، لتعلقه وولعه بالبديع والطباق والجناس الشائع في عصره، كما حاول تقليد أشعار الصوباوي الواردة في "فردوس عدن" بنظم قصيدتين بالوزن الإثني عشري تُقرآن طرداً وعكساً إلا أنه لم يوفق في محاولته فأين هو وأمثاله من مكانة الصوباوي عملاق الأدب والشعر. ومن آثاره أيضاً خمس حسايات جيدة الصياغة وترجمة لسيرته الذاتية حتى أواسط عمره وشرح للمزامير فضلاً عن قصيدتين سباعيتين إحداهما في الغربة والأخرى في التوبة.
البطريرك نوح اللبناني، هو نوح بن كيوركيس، وُلِد في قرية بقوفا في لبنان عام 1451، وتعلَّم السريانية على يد الراهب القس توما الحمصي في دير مار موسى الحبشي، وتدرج في سلك الكهنوت حتى نال البطريركية سنة 1493 وأتخذ لنفسه إسم أغناطيوس. توفي سنة 1509، كان نوح شاعراً مجيداً له ديوان صغير فيه قصائد بالبحر الإثني عشري وهي مقفاة تتناول مواضيع شتى كالتضرع والتوبة والشكوى من نوازل الدهر وبغي الحكام الظالمين، غير أن ما يُعيب أشعاره أنها مشوبة بالتعمل والصناعة اللفظية والتصنع الذي أستشرى في زمانه وبات سمة لأدب عصر الأنحطاط.
عبد الغني المنصوري مفريان المشرق ، ولد عبد الغني في المنصورية بأطراف ماردين وترهب في دير مار خنانيا حيث درس السريانية وواظب على مطالعة الكتب فنال من علوم اللغة والدين حظاً وافراً، فرُسم مطراناً ثم رُقِّي الى المفريانية سنة 1557 وسُمي باسيليوس. صنَّف ليتورجية طويلة بلغت السبعين صفحة، ولجأ في صياغتها الى أستخدام فنون البديع اللفظي والمعنوي فجاءت طبق المرام مما يشهد له بعلو الكعب في اللغة السريانية وتضلعه في فنونها. كانت وفاته في سنة 1575.
وفي المئة السادسة عشرة ومستهل المئة السابعة عشرة برز بين السريان الغربيين المطران وانيس الونكي، مطران قبادوقية والرها. كان وانيس ابن المقدسي مرديروس قد أبصر النور في قرية ونك بكركر ولا نعرف سنة ولادته. دخل دير العذراء ومار زكى للرهبان سنة 1566، فأنكب على دراسة وتحصيل السريانية وآدابها حتى تمكن منها، فكتب بأسلوب ممتع رشيق، كما أبدع في حُسن خطه وجماله بالسريانية فخط يراعه أربعة أناجيل ومزامير هي آية في الحسن والدقة، وله مقتطفات تاريخية لأديار كركر. سنة 1599 رُسم مطراناً لقبادوقية والرها وسُمي غريغوريوس ، وافاه الأجل سنة 1624.
أما أبرز كتّاب القرن الثامن عشر فنلمح الى كل من المفريان شمعون بن ملكي المانعمي، الذي دخل عدداً من أديار طورعبدين وسيم كاهناً ثم نال مفريانية طورعبدين سنة 1710 وسمي باسيليوس، وقضى شهيداً على يد آثمة في عام 1740. كان المفريان حبراً جليلاً وعالماً فضيلاً نال حظاً وافراً من علوم الدين والأدب بمطالعته كنوز الآباء الصالحين فتضلع في السريانية ودبَّج بها نثراً وشعراً وصنف مجموعة نفيسة من الكتب، نذكر منها كتابه في علم اللاهوت (ثيولوجيا) وسلاح الدين وترس اليقين ومركبة الأسرار، فضلاً عن تلخيص لمعجم الحسن بر بهلول، وله ديوان شعر يضم بين دفتيه مجموعة قصائد وفق في سبك العديد منها.
أما الخوري يعقوب ابن الشماس توما القطربلي ، فقد أبصر النور في قطربل القريبة من آمد وتلقى تعليمه بالسريانية على يد أساتذة قديرين فأتقنها وتدرج في سلك الكهنوت حتى بلغ الخورنة. من آثاره القلمية، كتاب الموسوم " زهرة المعارف" في النحو والصرف السرياني، وله من المنظوم قصائد مقفاة، إتسم أسلوبه بفصاحة يشوبها شئ من التعقيد والتكلف لكثرة أستخدامه الألفاظ اليونانية الدخيلة والغريبة على القارئ السرياني. قضى نحبه في عام 1783.
**********************************************
5
كانت سمة هذه المرحلة الجمود والركود في كل مناحي الحياة كنتيجة لما تعرضت له المنطقة من الخراب والدمار من جراء هجمات التتار التي بلغت أوجها بأستيلاء هولاكو على بغداد (1258) عاصمة حضارة الشرق فدمرتها جيوشه وعاثت فيها فساداً فأمحت معالم حضارتها الزاهرة وأنتكست راية العلم والأدب وخبا نور سراجها الذي كان يشع نوراً يبدد الظلمات، ثم جاء تيمورلنك ومن بعده الأتراك العثمانيون ليقضوا على آخر معالم الحضارة وتندرس على أياديهم الباغية آثار المدارس والأديرة والكنائس ولتكتمل المأساة بظلمهم وطغيانهم ويرخي ليل الجهل والتخلف سدوله لتغرق المنطقة في ظلام دامس حتى بزغ نور من الغرب أهتدى به أهلنا وتلمسوا طريقهم مجدداً، بعد أن تسلط الركود على العقول ونضب معين الأبداع وطغت الصناعة اللفظية الزائفة بالأكثار من السجع والبديع لتشوه وجه الأدب الناصع، وأخذ الكتاب يهتمون بالمعنى قبل المبنى ويلهثون وراء التورية والطباق والجناس والسجع ليأتي نتاجهم الأدبي ضحلاً خالياً من عمق المعاني وسموها.
- الكتاب المشارقة:
نستهل قائمة كتابنا المشارقة للقرن الخامس عشر بإيشوعياب بر مقدم، الذي لم يصلنا عن حياته إلا النزر اليسير، ويشار الى أنه ترهب في دير مار سبريشوع في حدياب وتمت سيامته مطراناً لحدياب في عام 1443، من آثاره كتاب وضعه نظماً على الوزن السباعي (الأفرامي) وجملة رسائل وأربعين نشيداً وبضعة مداريش للمآتم، وأتم نظم قصيدة العلامة غريغوريوس ابن العبري في الإلهيات والكمال، وهي قصيدة عمل فيها عدة كتاب من بينهم الشاعر النسطوري المعروف خاميس بر قرداخي الأربلي. لقي ربه في نحو سنة 1444.
ومن كتاب القرن الخامس عشر أشتهر أيضاً سركيس بن وحلي وكان راهباً في ديرالربان هرمزد، وقرض الشعر فترك لنا ديواناً يضم إثنتين وعشرين قصيدة كرسها لمدح الربان هرمزد، وهي منظومة على البحر الإثني عشري (المنسوب الى مار نرساي الملفان) تشوبها ألفاظ غريبة دخيلة يتعذر على القارئ فهم معانيها، وله أيضاً منظوم في تاريخ بطاركة كنيسة المشرق حتى القرن الرابع عشر. ولا نعلم في أي عام قضى نحبه فسيرته غير معروفة.
وفي أواخر القرن الخامس عشر ومطلع السادس عشر برز ابراهيم بيث سلوخ (المتوفي نحو سنة 1526)، وكانت ولادته في كرخ سلوخ وترهب في دير بجبل إيزلا، وله آثار دونها نثراً وهي شروح في الصلوات وأخرى منظومة تشتمل على ثلاث عشرة مقطوعة في النصائح والمآتم.
وتجدر الإشارة هنا الى البطريرك يشوع الرابع بن يوخنان، وكان قد أبصر النور في جزيرة ابن عمر، وسيم أسقفاً للجزيرة سنة 1554، ثم تولى إدارة دفة بطريركية الكلدان الكاثوليك خلفاً ليوخنا سولاقا، وتوجه الى روما حيث أعلن ولاءه للكرسي الرسولي. وافته المنية سنة 1567 في دير مار يعقوب الحبيس القريب من سعرد. ترك لنا قصائد شعرية سبكها بلغة محكمة وأسلوب سلس تناول فيها رحلة سلفه البطريرك يوحنا سولاقا الى روما وعودته وأغتياله، كما نظم عدداً من المداريش للمآتم وأنشودات لصوم نينوى وقصائد ومقالات منظومة شتى.
ولا يقلّ عنه أهمية القس اسرائيل الألقوشي المعروف بالكبير (رابا)، الذي أبصر النور في بلدة ألقوش العريقة عام 1541، وتلقى فيها علومه فبرع في اللغة الآرامية السريانية ونظم بها قصائداً كما نظم بلهجته المحلية المحكية (السوادية) مرثية وصف فيها الوباء الذي أستشرى في ألقوش سنة 1596 وحصد أرواح المئات من أبناءها وهو من أوائل كتابنا الذين طرقوا باب الكتابة بالسوادية، تتناول قصائده أغراض متنوعة وله مداريش للمآتم، ومن مآثره الجهود الطيبة التي بذلها في إنشاء مدرسة ألقوش التي أتت ثمارها الشهية بأعداد جيل صالح خدم اللغة والأدب السرياني. قضى نحبه سنة 1610.
وبرز من ألقوش أيضاً حفيد القس اسرائيل رابا، القس كيوركيس الألقوشي المتوفي نحو سنة 1700، تلقى تعليمه على يدي جده (لا أظن أنه قد أدرك جده في حياته لأن الفرق بين سنة وفاة جده 1610 وسنة وفاته في 1700 يبلغ التسعين سنة) فتضلع في السريانية وصنَّف بها كتباً ونظم قصائد شعرية ومداريش قام بنشر جانب منها القس يوسف قليثا في مطبعته المعروفة بالمطبعة الآثورية في الموصل. كان كيوركيس شاعراً ضليعاً بالسريانية ومطلعاً على آداب العربية مما مكنه من أدخال بعض من فنون الشعر العربي الى الشعر السرياني. له مجموعة قصائد، غير أنها مبعثرة وتنتظر همة من يتصدى لجمعها وترتيبها في ديوان.
- الكتاب المغاربة:
يتصدر قائمة الكتاب السريان الغربيين في القرن الخامس عشر القس أشعيا السبريني (المتوفي سنة 1425)، يُذكر أن القس أشعيا أبن الشماس دنخا أبصر النور في باسبرينة في النصف الأخير من القرن الرابع عشر. حجَّ الأماكن المقدسة وواظب على دراسة الكتاب المقدس فشرح أسفاره وفسرها. له قصيدتان منظومتان على البحر السباعي تناول فيهما الأهوال والخطوب والمظالم التي ألحقها تيمورلنك بأهالي طورعبدين وما جورها. يتسم أسلوبه بجودة الحبك ومتانة السبك وحسن العبارة. أنشأ مدرسة لتعليم اللغة في قريته فتخرج على يده الكثيرون من أبناء قريته.
ومن القرن الخامس عشر أيضاً البطريرك بهنام الأول الحدلي، ولد في حدل الكائنة في منطقة بازبدي وألتحق بدير قرتمين، وفي عام 1404 نتم تنصيبه مفرياناً بإسم باسيليوس وبعد مضي ثماني سنوات تمت ترقيته الى السدة البطريركية لكنيسة السريان. وافته المنية سنة 1455 بدير الزعفران. تميَّز نتاجه بالغزارة والتنوع وله تآليف منثورة ومنظومة. أتبع أسلوب اللين واللطف في تعامله مع أساقفة أبرشيات كنيسته فأفلح في أقناعهم وإعادتهم الى حضيرة كنيسته.
الراهب داود الحمصي، أبصر النور سنة 1431، وتلقى علومه على يد القس موسى في حمص، وفي ريعان شبابه تمت رسامته كاهناً في دير الزعفران عام 1459، وله مؤلفات دبجها يراعه نثراً ونظماً وهي تتراوح بين جيد وردئ أفسدته الصناعة اللفظية، لتعلقه وولعه بالبديع والطباق والجناس الشائع في عصره، كما حاول تقليد أشعار الصوباوي الواردة في "فردوس عدن" بنظم قصيدتين بالوزن الإثني عشري تُقرآن طرداً وعكساً إلا أنه لم يوفق في محاولته فأين هو وأمثاله من مكانة الصوباوي عملاق الأدب والشعر. ومن آثاره أيضاً خمس حسايات جيدة الصياغة وترجمة لسيرته الذاتية حتى أواسط عمره وشرح للمزامير فضلاً عن قصيدتين سباعيتين إحداهما في الغربة والأخرى في التوبة.
البطريرك نوح اللبناني، هو نوح بن كيوركيس، وُلِد في قرية بقوفا في لبنان عام 1451، وتعلَّم السريانية على يد الراهب القس توما الحمصي في دير مار موسى الحبشي، وتدرج في سلك الكهنوت حتى نال البطريركية سنة 1493 وأتخذ لنفسه إسم أغناطيوس. توفي سنة 1509، كان نوح شاعراً مجيداً له ديوان صغير فيه قصائد بالبحر الإثني عشري وهي مقفاة تتناول مواضيع شتى كالتضرع والتوبة والشكوى من نوازل الدهر وبغي الحكام الظالمين، غير أن ما يُعيب أشعاره أنها مشوبة بالتعمل والصناعة اللفظية والتصنع الذي أستشرى في زمانه وبات سمة لأدب عصر الأنحطاط.
عبد الغني المنصوري مفريان المشرق ، ولد عبد الغني في المنصورية بأطراف ماردين وترهب في دير مار خنانيا حيث درس السريانية وواظب على مطالعة الكتب فنال من علوم اللغة والدين حظاً وافراً، فرُسم مطراناً ثم رُقِّي الى المفريانية سنة 1557 وسُمي باسيليوس. صنَّف ليتورجية طويلة بلغت السبعين صفحة، ولجأ في صياغتها الى أستخدام فنون البديع اللفظي والمعنوي فجاءت طبق المرام مما يشهد له بعلو الكعب في اللغة السريانية وتضلعه في فنونها. كانت وفاته في سنة 1575.
وفي المئة السادسة عشرة ومستهل المئة السابعة عشرة برز بين السريان الغربيين المطران وانيس الونكي، مطران قبادوقية والرها. كان وانيس ابن المقدسي مرديروس قد أبصر النور في قرية ونك بكركر ولا نعرف سنة ولادته. دخل دير العذراء ومار زكى للرهبان سنة 1566، فأنكب على دراسة وتحصيل السريانية وآدابها حتى تمكن منها، فكتب بأسلوب ممتع رشيق، كما أبدع في حُسن خطه وجماله بالسريانية فخط يراعه أربعة أناجيل ومزامير هي آية في الحسن والدقة، وله مقتطفات تاريخية لأديار كركر. سنة 1599 رُسم مطراناً لقبادوقية والرها وسُمي غريغوريوس ، وافاه الأجل سنة 1624.
أما أبرز كتّاب القرن الثامن عشر فنلمح الى كل من المفريان شمعون بن ملكي المانعمي، الذي دخل عدداً من أديار طورعبدين وسيم كاهناً ثم نال مفريانية طورعبدين سنة 1710 وسمي باسيليوس، وقضى شهيداً على يد آثمة في عام 1740. كان المفريان حبراً جليلاً وعالماً فضيلاً نال حظاً وافراً من علوم الدين والأدب بمطالعته كنوز الآباء الصالحين فتضلع في السريانية ودبَّج بها نثراً وشعراً وصنف مجموعة نفيسة من الكتب، نذكر منها كتابه في علم اللاهوت (ثيولوجيا) وسلاح الدين وترس اليقين ومركبة الأسرار، فضلاً عن تلخيص لمعجم الحسن بر بهلول، وله ديوان شعر يضم بين دفتيه مجموعة قصائد وفق في سبك العديد منها.
أما الخوري يعقوب ابن الشماس توما القطربلي ، فقد أبصر النور في قطربل القريبة من آمد وتلقى تعليمه بالسريانية على يد أساتذة قديرين فأتقنها وتدرج في سلك الكهنوت حتى بلغ الخورنة. من آثاره القلمية، كتاب الموسوم " زهرة المعارف" في النحو والصرف السرياني، وله من المنظوم قصائد مقفاة، إتسم أسلوبه بفصاحة يشوبها شئ من التعقيد والتكلف لكثرة أستخدامه الألفاظ اليونانية الدخيلة والغريبة على القارئ السرياني. قضى نحبه في عام 1783.
**********************************************
5
عدل سابقا من قبل اسحق قومي في الأحد أبريل 26, 2009 5:54 am عدل 1 مرات
تابع نصوص من الأدب الأشوري القديم.بالأشورية والعربية
نصوص من الأدب الآشوري القديم: (بالآشورية المعاصرة والعربية):
صلاة آشور بانيبال لإله الشمس:
هذه الترتيلة من تأليف الملك الآشوري آشور بانيبال،
وضعها في تسبيح إله الشمس "شَمَشْ".
النص قصير، وهو يحمل في سطوره الختامية ملمحاً لا نجده عادةً في التراتيل وإنما في النصوص النذرية والنصوص الملكية التي تنقش على النصب لتخليد أعمال الملك، حيث يختم الكاتب نصه باستجلاب البركات على من يحافظ على النقش واستجلاب اللعنات على من يزيله أو يغير اسم صاحبه. "النص":
"أنت نور الآلهة العظمى، نور الأرض، الذي ينير أقطار العالم.
أنت القاضي المبجل، الموقر في العالم الأعلى والعالم الأسفل.
تنظر من علاك وأشعتك تفحص كل البلاد. تهب الوحي والإلهام، وفي كل يوم تصنع قرارات السماء والأرض.
شروقك نار باهرة تكسف كل النجوم. وأنت المتألق الفريد الذي لا يضاهيه أحد من الآلهة.
مع أبيك سن تجلس للقضاء وتقدّر المصائر. آنو وإنليل لا يصدران قراراً دون موافقتك. وإيا مقرر الأحكام في غور الأعماق المائية يعتمد عليك.
أنظار الآلهة كلها تشخص إلى شروقك الأخاذ، يستنشقون البخور ويقبلون تقدمات الخبز الطاهرة. كاهن التعاويذ ينحني تحتك لكي يجعل نُذُر الشر تتبدد، وكاهن النبوءات يقف أمامك لكي تغدو يداه أهلاً لجلب النبوءة. أنا آشور بانيبال، عبدك الذي أمرتَ بتعيينه ملكاً، لدى ظهورك في حلم.
أنا العابد المتعبد لقداستك، الذي يعلن عظمتك، وينقل مديحك للكل. أُحكم في قضيتي، سدد خطاي نحو الازدهار. أبقني في رفعة وعظمة، واكتب لي السلامة في كل يوم.
دعني أحكم بالحق إلى الأبد على شعبك الذي أوكلتني به. وفي البيت الذي أشدتُه وأسكنتك فيه بفرح، ليبتهج قلبي، وأسعد في سلطاني، وأقر عيناً بعيشي.
إن كل من ينشد هذا المزمور ويذكر اسم آشور بانيبال، بالعدل والوفرة سوف يحكم على شعب إنليل.
إن كل من يتعلم هذا النص ويُعَظِّم قاضي الآلهة، عسى أن يثري شَمَشْ أيامه ويسهل حكمه على الشعب. ولكن كل من يُبطل هذه الأغنية، ولا يُعَظِّم شَمَشْ نور الآلهة، أو من يغير اسم آشور بانيبال الذي أمر شَمَشْ بتعيينه ملكاً لدى ظهوره في حلم، ويضع بدلاً عنه اسماً ملكياً آخر، لتكن أنغامه التي يعزفها على الكنار (القيثارة) بغيضة، وغناؤه أشواكاً وحسكاً. "
(( أقرأ ترجمة " ملثا" بالآشورية المعاصرة)) >>>>>>>>>>>>
ܨܠܘܬܐ ܕܡܠܟܐ ܐܫܘܪ ܒܢܝܦܠ ܠܐܠܗܐ ܫܡܫ
ܐܢܿܬ ܝܘܸܬ ܢܘܼܗܪܐ ܕܐܲܠܗܹܐ ܪܵܘܪܒܹܐ، ܢܘܼܗܪܵܐ ܕܐܲܪܥܐ، ܗܿܘ ܕܡܲܢܗܸܪ ܠܐܲܬܪܘܵܬܼܐ ܕܬܹܒܼܝܠ، ܐܲܢܬ ܕܲܝܵܢܵܐ ܗܕܝܼܪܵܐ، ܡܝܲܩܪܵܐ ܒܥܲܠܡܵܐ ܥܸܠܵܝܵܐ ܘܥܲܠܡܵܐ ܬܲܚܬܵܝܵܐ ܼ ܚܵܝܪܝܼܬ ܡܼܢ ܪܵܘܡܐ ܕܥܸܠܵܝܘܼܬܘܿܟܼ ܘܙܸܠܓܼܘܿܟܼ ܒܵܚܪܝ ܠܟܠܹܗ ܐܲܬܪܐ، ܝܵܗܒܼܝܼܬ ܪܸܡܙܵܐ ܘܓܸܠܝܵܢܵܐ، ܘܒܟܠ ܝܵܘܡܵܐ ܦܵܣܩܝܼܬ ܦܘܼܣܩܵܢܹܐ ܕܫܡܲܝܵܐ ܘܕܐܲܪܥܐ ܼ ܕܸܢܚܘܿܟܼ ܢܘܼܪܵܐ ܒܲܗܘܼܪܵܐ ܝܠܹܗ ܕܡܟܲܣܹܐ ܠܟܠܗܘܿܢ ܟܵܘܟܼܒܹܐ ܼ ܘܐܲܢܬ ܝܘܸܬ ܙܵܠܘܓܼܐ ܚܕܵܢܝܵܐ ܕܠܲܝܬ ܠܹܗ ܐܵܦ ܚܲܕ ܕܲܡܝܵܐ ܒܲܝܢܬܼ ܐܲܠܗܹܐ ܼ ܥܡ ܒܵܒܘܿܟܼ (ܣܝܼܢ) ܝܵܬܒܼܝܬ ܠܕܝܵܢܵܐ ܘܦܵܣܩܝܼܬ ܚܸܠܩܹܐ ܼ (ܐܵܢܘܿ) ܘ (ܐܢܠܝܼܠ) ܠܐ ܦܵܣܩܝܼ ܐܦ ܚܲܕ ܦܘܼܣܩܵܢܐ ܕܠܐ ܐܲܘܝܘܼܬܼܘܟܼ ܼ ܘ(ܐܝܼܵܐ) ܕܓܵܙܸܪ ܕܝܼܢܸܐ ܒܥܘܼܡܩܵܐ ܕܡܝܼܵܐ ܥܲܠܘܟܼ ܬܵܟܸܠ ܼ ܕܟܠܗܘܢ ܐܲܠܵܗܹܐ ܬܵܠܝܼ ܚܝܵܪܝܗܝ ܠܕܸܢܚܘܿܟܼ ܕܡܝܼܪܵܐ، ܢܵܫܡܝܼ ܒܸܣܡܹܐ ܘܩܵܒܠܝܼ ܩܘܼܪܒܵܢܹܐ ܕܲܚܝܹܐ ܕܠܲܚܡܵܐ ܼ ܟܵܗܢܵܐ ܕܚܸܪܙܹܐ ܓܵܗܸܢ ܩܕܼܵܡܘܟܼ ܕܡܒܲܕܼܒܸܕܼ ܠܗܘܿܢ ܙܘܼܗܵܪܹܐ ܕܒܝܼܫܬܐ ܼ ܐܵܢܵܐ ܝܼܘܸܢ ܐܵܫܘܿܪ ܒܵܢܝܦܵܠ، ܥܲܒܼܕܘܟܼ ܕܦܩܝܼܕܼܠܘܿܟܼ ܕܦܵܝܫ ܪܫܝܼܡܵܐ ܡܲܠܟܵܐ، ܐܝܼܡܢ ܕܦܝܼܫܠܘܟܼ ܓܸܠܝܵܐ ܓܘ ܚܸܠܡܵܐ ܼ ܐܵܢܵܐ ܥܲܒܼܕܵܐ ܣܵܓܼܘܿܕܼܵܐ ܠܩܲܕܝܼܫܘܼܬܘܟܼ، ܗܿܘ ܕܓܵܠܹܐ ܠܪܲܒܘܼܬܼܘܿܟܼ، ܘܡܲܡܛܹܐ ܫܘܼܒܼܚܘܿܟܼ ܠܟܠ ܼ ܕܘܿܢ ܒܲܨܒܘܼܬܼܝܼ، ܡܬܵܪܘܼܨ ܦܵܣܘܥܝܵܬܼܝ ܠܢܸܨܚܵܢܵܐ، ܡܩܵܘܝܼܠܝܼ ܓܘ ܪܵܡܘܼܬܼܵܐ ܘܪܲܒܘܼܬܼܵܐ، ܘܟܬܼܘܿܒܼܠܝܼ ܫܲܠܡܘܼܬܼܵܐ ܒܟܠ ܝܵܘܡܵܐ ܼ ܫܒܼܘܿܩܠܝܼ ܕܡܫܲܠܛܝܼܢ ܒܩܘܼܫܬܵܐ ܠܕܼܵܪܕܼܵܪܝܼܢ ܥܲܠ ܥܲܡܘܟܼ ܕܡܣܘܿܦܹܐܠܘܿܟܼ ܒܝܼ ܼ ܘܓܘ ܒܲܝܬܼܵܐ ܕܒܢܹܐܠܝܼ ܘܡܘܿܫܟܸܢܠܝܼ ܠܘܿܟܼ ܓܵܘܹܗ ܒܚܲܕܼܘܼܬܵܐ، ܕܦܵܨܸܚ ܠܸܒܝܼ، ܘܪܵܘܙܝܼܢ ܒܫܘܼܠܛܵܢܝܼ، ܕܢܵܝܚܝܼܢ ܒܚܲܝܘܼܬܝܼ ܼ ܟܠ ܡܿܢ ܕܙܵܡܸܪ ܠܕܐܵܗܵܐ ܡܲܙܡܘܿܪܵܐ ܘܕܵܟܼܪ ܠܫܸܡܵܐ ܕܐܵܫܘܪ ܒܵܢܝܦܠ، ܒܟܹܐܢܘܼܬܼܵܐ ܘܫܦܝܼܥܘܼܬܼܵܐ ܒܬ ܥܵܒܼܕ ܫܘܼܠܛܵܢܵܐ ܥܲܠ ܥܲܡܵܐ ܕ(ܐܸܢܠܝܼܠ). ܟܠ ܡܿܢ ܕܝܵܠܸܦ ܠܕܐܵܗܵܐ ܢܸܣܵܐ ܘܡܪܲܘܪܸܒܼ ܠܕܲܝܵܢܵܐ ܕܐܲܠܵܗܹܐ، ܟܒܲܪ ܕܡܲܦܪܹܐ ܫܲܡܸܫ ܠܝܵܘܡܵܢܹܗ ܘܡܲܦܫܸܛ ܫܘܼܠܛܵܢܹܗ ܥܲܠ ܥܲܡܵܐ ܐܝܼܢܵܐ ܟܠ ܡܿܢ ܕܡܒܲܛܸܠ ܠܕܐܵܗܵܐ ܣܘܿܓܼܝܼܬܼܵܐ ܘܠܵܐ ܡܪܲܘܪܸܒܼ ܠܫܲܡܸܫ ܢܘܼܗܪܵܐ ܕܐܲܠܵܗܹܐ، ܐܵܘ ܡܿܢ ܕܡܫܲܚܠܸܦ ܫܸܡܵܐ ܕܐܵܫܘܪ ܒܵܢܝܦܵܠ ܗܿܘ ܕܦܩܝܼܕܠܹܗ ܫܲܡܸܫ ܒܪܫܵܡܬܹܗ ܡܲܠܟܵܐ ܒܥܕܵܢ ܓܸܠܝܵܢܹܗ ܒܚܸܠܡܵܐ، ܘܡܲܬܝܒܼ ܚܠܵܦܹܗ ܫܸܡܵܐ ܡܲܠܟܵܝܵܐ ܐܚܹܪܢܵܐ، ܣܲܢܝܹܐ ܗܵܘܝ ܢܸܥܡܵܬܹܗ ܕܢܵܩܸܫܠܗܘܿܢ ܒܟܸܢܵܪܵܐ، ܘܙܡܵܪܹܗ ܟܘܼܒܵܐ ܘܕܲܪܕܵܪܵܐ.
((ܬܘܼܪܓܵܡܵܐ ܠܐܵܬܼܘܿܪܵܝܵܐ ܒܝܲܕ ܡܕܲܒܪܵܢܵܐ ܕ ܡܸܠܬܼܵܐ))
- أسطورة التكوين / الخليقة البابلية – الآشورية:
لهذه الأسطورة نسختان جديرتان بالأعتبار، إحداهما هي النسخة البابلية التي تُبرز دور الإله مردوخ، والأخرى هي النسخة الآشورية التي يحل فيها الإله آشور محل إله البابليين "مردوخ". والأسطورة تقوم على فكرة الصراع بين قوتين متضادتين (الخير والشر) في الكون البدئي – المياه المالحة (ممثلة بأبسو) التي عرف سكان بلاد الرافدين القدامى الضرر الذي تُلحقه بزراعتهم، وهي تمثل قوى الشر. والمياه العذبة النقية (ممثلة بإيّا) التي عرفوا فائدتها لمزروعاتهم. وقد عُرفت الأسطورة بمطلعها الأكدي "إينوما إيليش: حينما في الأعالي"، وهي تستهل بوصف مرحلة العماء والفوضى اللذان سبقا زمن فرض النظام الكوني:
" عندما في الأعالي لم يكن هناك سماء.
وفي الأسفل لم يكن هناك أرض.
لم يكن سوى آبسو أبوهم.
وممو، وتيامات التي حملت بهم جميعاً."
في ما بعد أنجبت تيامات (تيامة) كائنين بدائيين هما (لخمو) و (لخامو) من غرين المياه البدئية، فأنجبا بدورهما (أنشار) و(كيشار) اللذان أنجبا في ما بعد إله السماء (آنو) مُنجب الآلهة العظام.
وتتحدث الأسطورة عن أنزعاج (آنو) من سلوك الآلهة الشباب، الذي يقضُّ مضجع جدته تيامات ويتذمر من ضوضائهم وصخبهم. وتردُّ تيامات (أم الأرض) بغضب على مقترح تدمير ما خلقته، غير أن آبسو، إله المياه البدئية السفلى، ووزيره مُمّو يواصلان التآمر لتدمير مجمع الآلهة الشباب لتستريح تيامات وترقد في هدوء، لكن إيا إله الحكمة العرف بنوايا الشر التي يضمرها آبسو، يجعله بقوة سحرية يغط في نوم عميق ثم يذبحه ويُقيِّد وزيره مُمّو ويطرحه فوق جثة آبسو، ويُشيّد مسكنه على قمة آبسو حيث سييقطن مع زوجته دامكينا الى أبد الدهر.
وتروي الأسطورة أن دامكينا تُنجب مردوخ في الآبسو المقدس:
" عندما رآه (إيا) أبوه
فرح وأمتلآ قلبه بهجة وسروراً
رفع منزلته بين الآلهة وزاد قدره عليهم
...........
...........
:
صلاة آشور بانيبال لإله الشمس:
هذه الترتيلة من تأليف الملك الآشوري آشور بانيبال،
وضعها في تسبيح إله الشمس "شَمَشْ".
النص قصير، وهو يحمل في سطوره الختامية ملمحاً لا نجده عادةً في التراتيل وإنما في النصوص النذرية والنصوص الملكية التي تنقش على النصب لتخليد أعمال الملك، حيث يختم الكاتب نصه باستجلاب البركات على من يحافظ على النقش واستجلاب اللعنات على من يزيله أو يغير اسم صاحبه. "النص":
"أنت نور الآلهة العظمى، نور الأرض، الذي ينير أقطار العالم.
أنت القاضي المبجل، الموقر في العالم الأعلى والعالم الأسفل.
تنظر من علاك وأشعتك تفحص كل البلاد. تهب الوحي والإلهام، وفي كل يوم تصنع قرارات السماء والأرض.
شروقك نار باهرة تكسف كل النجوم. وأنت المتألق الفريد الذي لا يضاهيه أحد من الآلهة.
مع أبيك سن تجلس للقضاء وتقدّر المصائر. آنو وإنليل لا يصدران قراراً دون موافقتك. وإيا مقرر الأحكام في غور الأعماق المائية يعتمد عليك.
أنظار الآلهة كلها تشخص إلى شروقك الأخاذ، يستنشقون البخور ويقبلون تقدمات الخبز الطاهرة. كاهن التعاويذ ينحني تحتك لكي يجعل نُذُر الشر تتبدد، وكاهن النبوءات يقف أمامك لكي تغدو يداه أهلاً لجلب النبوءة. أنا آشور بانيبال، عبدك الذي أمرتَ بتعيينه ملكاً، لدى ظهورك في حلم.
أنا العابد المتعبد لقداستك، الذي يعلن عظمتك، وينقل مديحك للكل. أُحكم في قضيتي، سدد خطاي نحو الازدهار. أبقني في رفعة وعظمة، واكتب لي السلامة في كل يوم.
دعني أحكم بالحق إلى الأبد على شعبك الذي أوكلتني به. وفي البيت الذي أشدتُه وأسكنتك فيه بفرح، ليبتهج قلبي، وأسعد في سلطاني، وأقر عيناً بعيشي.
إن كل من ينشد هذا المزمور ويذكر اسم آشور بانيبال، بالعدل والوفرة سوف يحكم على شعب إنليل.
إن كل من يتعلم هذا النص ويُعَظِّم قاضي الآلهة، عسى أن يثري شَمَشْ أيامه ويسهل حكمه على الشعب. ولكن كل من يُبطل هذه الأغنية، ولا يُعَظِّم شَمَشْ نور الآلهة، أو من يغير اسم آشور بانيبال الذي أمر شَمَشْ بتعيينه ملكاً لدى ظهوره في حلم، ويضع بدلاً عنه اسماً ملكياً آخر، لتكن أنغامه التي يعزفها على الكنار (القيثارة) بغيضة، وغناؤه أشواكاً وحسكاً. "
(( أقرأ ترجمة " ملثا" بالآشورية المعاصرة)) >>>>>>>>>>>>
ܨܠܘܬܐ ܕܡܠܟܐ ܐܫܘܪ ܒܢܝܦܠ ܠܐܠܗܐ ܫܡܫ
ܐܢܿܬ ܝܘܸܬ ܢܘܼܗܪܐ ܕܐܲܠܗܹܐ ܪܵܘܪܒܹܐ، ܢܘܼܗܪܵܐ ܕܐܲܪܥܐ، ܗܿܘ ܕܡܲܢܗܸܪ ܠܐܲܬܪܘܵܬܼܐ ܕܬܹܒܼܝܠ، ܐܲܢܬ ܕܲܝܵܢܵܐ ܗܕܝܼܪܵܐ، ܡܝܲܩܪܵܐ ܒܥܲܠܡܵܐ ܥܸܠܵܝܵܐ ܘܥܲܠܡܵܐ ܬܲܚܬܵܝܵܐ ܼ ܚܵܝܪܝܼܬ ܡܼܢ ܪܵܘܡܐ ܕܥܸܠܵܝܘܼܬܘܿܟܼ ܘܙܸܠܓܼܘܿܟܼ ܒܵܚܪܝ ܠܟܠܹܗ ܐܲܬܪܐ، ܝܵܗܒܼܝܼܬ ܪܸܡܙܵܐ ܘܓܸܠܝܵܢܵܐ، ܘܒܟܠ ܝܵܘܡܵܐ ܦܵܣܩܝܼܬ ܦܘܼܣܩܵܢܹܐ ܕܫܡܲܝܵܐ ܘܕܐܲܪܥܐ ܼ ܕܸܢܚܘܿܟܼ ܢܘܼܪܵܐ ܒܲܗܘܼܪܵܐ ܝܠܹܗ ܕܡܟܲܣܹܐ ܠܟܠܗܘܿܢ ܟܵܘܟܼܒܹܐ ܼ ܘܐܲܢܬ ܝܘܸܬ ܙܵܠܘܓܼܐ ܚܕܵܢܝܵܐ ܕܠܲܝܬ ܠܹܗ ܐܵܦ ܚܲܕ ܕܲܡܝܵܐ ܒܲܝܢܬܼ ܐܲܠܗܹܐ ܼ ܥܡ ܒܵܒܘܿܟܼ (ܣܝܼܢ) ܝܵܬܒܼܝܬ ܠܕܝܵܢܵܐ ܘܦܵܣܩܝܼܬ ܚܸܠܩܹܐ ܼ (ܐܵܢܘܿ) ܘ (ܐܢܠܝܼܠ) ܠܐ ܦܵܣܩܝܼ ܐܦ ܚܲܕ ܦܘܼܣܩܵܢܐ ܕܠܐ ܐܲܘܝܘܼܬܼܘܟܼ ܼ ܘ(ܐܝܼܵܐ) ܕܓܵܙܸܪ ܕܝܼܢܸܐ ܒܥܘܼܡܩܵܐ ܕܡܝܼܵܐ ܥܲܠܘܟܼ ܬܵܟܸܠ ܼ ܕܟܠܗܘܢ ܐܲܠܵܗܹܐ ܬܵܠܝܼ ܚܝܵܪܝܗܝ ܠܕܸܢܚܘܿܟܼ ܕܡܝܼܪܵܐ، ܢܵܫܡܝܼ ܒܸܣܡܹܐ ܘܩܵܒܠܝܼ ܩܘܼܪܒܵܢܹܐ ܕܲܚܝܹܐ ܕܠܲܚܡܵܐ ܼ ܟܵܗܢܵܐ ܕܚܸܪܙܹܐ ܓܵܗܸܢ ܩܕܼܵܡܘܟܼ ܕܡܒܲܕܼܒܸܕܼ ܠܗܘܿܢ ܙܘܼܗܵܪܹܐ ܕܒܝܼܫܬܐ ܼ ܐܵܢܵܐ ܝܼܘܸܢ ܐܵܫܘܿܪ ܒܵܢܝܦܵܠ، ܥܲܒܼܕܘܟܼ ܕܦܩܝܼܕܼܠܘܿܟܼ ܕܦܵܝܫ ܪܫܝܼܡܵܐ ܡܲܠܟܵܐ، ܐܝܼܡܢ ܕܦܝܼܫܠܘܟܼ ܓܸܠܝܵܐ ܓܘ ܚܸܠܡܵܐ ܼ ܐܵܢܵܐ ܥܲܒܼܕܵܐ ܣܵܓܼܘܿܕܼܵܐ ܠܩܲܕܝܼܫܘܼܬܘܟܼ، ܗܿܘ ܕܓܵܠܹܐ ܠܪܲܒܘܼܬܼܘܿܟܼ، ܘܡܲܡܛܹܐ ܫܘܼܒܼܚܘܿܟܼ ܠܟܠ ܼ ܕܘܿܢ ܒܲܨܒܘܼܬܼܝܼ، ܡܬܵܪܘܼܨ ܦܵܣܘܥܝܵܬܼܝ ܠܢܸܨܚܵܢܵܐ، ܡܩܵܘܝܼܠܝܼ ܓܘ ܪܵܡܘܼܬܼܵܐ ܘܪܲܒܘܼܬܼܵܐ، ܘܟܬܼܘܿܒܼܠܝܼ ܫܲܠܡܘܼܬܼܵܐ ܒܟܠ ܝܵܘܡܵܐ ܼ ܫܒܼܘܿܩܠܝܼ ܕܡܫܲܠܛܝܼܢ ܒܩܘܼܫܬܵܐ ܠܕܼܵܪܕܼܵܪܝܼܢ ܥܲܠ ܥܲܡܘܟܼ ܕܡܣܘܿܦܹܐܠܘܿܟܼ ܒܝܼ ܼ ܘܓܘ ܒܲܝܬܼܵܐ ܕܒܢܹܐܠܝܼ ܘܡܘܿܫܟܸܢܠܝܼ ܠܘܿܟܼ ܓܵܘܹܗ ܒܚܲܕܼܘܼܬܵܐ، ܕܦܵܨܸܚ ܠܸܒܝܼ، ܘܪܵܘܙܝܼܢ ܒܫܘܼܠܛܵܢܝܼ، ܕܢܵܝܚܝܼܢ ܒܚܲܝܘܼܬܝܼ ܼ ܟܠ ܡܿܢ ܕܙܵܡܸܪ ܠܕܐܵܗܵܐ ܡܲܙܡܘܿܪܵܐ ܘܕܵܟܼܪ ܠܫܸܡܵܐ ܕܐܵܫܘܪ ܒܵܢܝܦܠ، ܒܟܹܐܢܘܼܬܼܵܐ ܘܫܦܝܼܥܘܼܬܼܵܐ ܒܬ ܥܵܒܼܕ ܫܘܼܠܛܵܢܵܐ ܥܲܠ ܥܲܡܵܐ ܕ(ܐܸܢܠܝܼܠ). ܟܠ ܡܿܢ ܕܝܵܠܸܦ ܠܕܐܵܗܵܐ ܢܸܣܵܐ ܘܡܪܲܘܪܸܒܼ ܠܕܲܝܵܢܵܐ ܕܐܲܠܵܗܹܐ، ܟܒܲܪ ܕܡܲܦܪܹܐ ܫܲܡܸܫ ܠܝܵܘܡܵܢܹܗ ܘܡܲܦܫܸܛ ܫܘܼܠܛܵܢܹܗ ܥܲܠ ܥܲܡܵܐ ܐܝܼܢܵܐ ܟܠ ܡܿܢ ܕܡܒܲܛܸܠ ܠܕܐܵܗܵܐ ܣܘܿܓܼܝܼܬܼܵܐ ܘܠܵܐ ܡܪܲܘܪܸܒܼ ܠܫܲܡܸܫ ܢܘܼܗܪܵܐ ܕܐܲܠܵܗܹܐ، ܐܵܘ ܡܿܢ ܕܡܫܲܚܠܸܦ ܫܸܡܵܐ ܕܐܵܫܘܪ ܒܵܢܝܦܵܠ ܗܿܘ ܕܦܩܝܼܕܠܹܗ ܫܲܡܸܫ ܒܪܫܵܡܬܹܗ ܡܲܠܟܵܐ ܒܥܕܵܢ ܓܸܠܝܵܢܹܗ ܒܚܸܠܡܵܐ، ܘܡܲܬܝܒܼ ܚܠܵܦܹܗ ܫܸܡܵܐ ܡܲܠܟܵܝܵܐ ܐܚܹܪܢܵܐ، ܣܲܢܝܹܐ ܗܵܘܝ ܢܸܥܡܵܬܹܗ ܕܢܵܩܸܫܠܗܘܿܢ ܒܟܸܢܵܪܵܐ، ܘܙܡܵܪܹܗ ܟܘܼܒܵܐ ܘܕܲܪܕܵܪܵܐ.
((ܬܘܼܪܓܵܡܵܐ ܠܐܵܬܼܘܿܪܵܝܵܐ ܒܝܲܕ ܡܕܲܒܪܵܢܵܐ ܕ ܡܸܠܬܼܵܐ))
- أسطورة التكوين / الخليقة البابلية – الآشورية:
لهذه الأسطورة نسختان جديرتان بالأعتبار، إحداهما هي النسخة البابلية التي تُبرز دور الإله مردوخ، والأخرى هي النسخة الآشورية التي يحل فيها الإله آشور محل إله البابليين "مردوخ". والأسطورة تقوم على فكرة الصراع بين قوتين متضادتين (الخير والشر) في الكون البدئي – المياه المالحة (ممثلة بأبسو) التي عرف سكان بلاد الرافدين القدامى الضرر الذي تُلحقه بزراعتهم، وهي تمثل قوى الشر. والمياه العذبة النقية (ممثلة بإيّا) التي عرفوا فائدتها لمزروعاتهم. وقد عُرفت الأسطورة بمطلعها الأكدي "إينوما إيليش: حينما في الأعالي"، وهي تستهل بوصف مرحلة العماء والفوضى اللذان سبقا زمن فرض النظام الكوني:
" عندما في الأعالي لم يكن هناك سماء.
وفي الأسفل لم يكن هناك أرض.
لم يكن سوى آبسو أبوهم.
وممو، وتيامات التي حملت بهم جميعاً."
في ما بعد أنجبت تيامات (تيامة) كائنين بدائيين هما (لخمو) و (لخامو) من غرين المياه البدئية، فأنجبا بدورهما (أنشار) و(كيشار) اللذان أنجبا في ما بعد إله السماء (آنو) مُنجب الآلهة العظام.
وتتحدث الأسطورة عن أنزعاج (آنو) من سلوك الآلهة الشباب، الذي يقضُّ مضجع جدته تيامات ويتذمر من ضوضائهم وصخبهم. وتردُّ تيامات (أم الأرض) بغضب على مقترح تدمير ما خلقته، غير أن آبسو، إله المياه البدئية السفلى، ووزيره مُمّو يواصلان التآمر لتدمير مجمع الآلهة الشباب لتستريح تيامات وترقد في هدوء، لكن إيا إله الحكمة العرف بنوايا الشر التي يضمرها آبسو، يجعله بقوة سحرية يغط في نوم عميق ثم يذبحه ويُقيِّد وزيره مُمّو ويطرحه فوق جثة آبسو، ويُشيّد مسكنه على قمة آبسو حيث سييقطن مع زوجته دامكينا الى أبد الدهر.
وتروي الأسطورة أن دامكينا تُنجب مردوخ في الآبسو المقدس:
" عندما رآه (إيا) أبوه
فرح وأمتلآ قلبه بهجة وسروراً
رفع منزلته بين الآلهة وزاد قدره عليهم
...........
...........
:
عدل سابقا من قبل اسحق قومي في الأحد أبريل 26, 2009 5:47 am عدل 1 مرات
تابع للأدب الأشوري القديم.
كلما تحركت شفتاه توهجت منها النيران."
ويتم تصوّر مردوخ على أنه مخلوق غير عادي وتواصل الأسطورة كيل المديح والثناء له والإشادة بشجاعته وبراعته وبيان منزلته الرفيعة بين سائر الآلهة. ويبدو أن تعاظم نفوذ مردوخ يهدد سائر الآلهة في مجمعهم (البانثيون)، فيشكون امره الى أمهم تيامات، ومثلما سبق لهم التآمر على الآلهة الشباب في أيام آبسو، فقد حان الوقت للتخلص من مردوخ الذي أخذ يقض مضاجعهم ويهدد سلطانهم، فيناشدون تيامات للدفاع عنهم بقولهم:
" تذكري زوجك آبسو
تذكري مُمّو المقهور وأندبي حالك
لم تعودي أُمّاً لنا. تهيمين على غير هدىً
حرمتنا من عطفكِ وحنانكِ
قبضاتنا خائرة، عيوننا ثقيلة
أزيلي نير أزعاجنا حالاً، ودعونا ننام."
وخزت ضمير تيامات ذكريات تراخيها إزاء الإله إيا الذي قتل آبسو، فقررت مجابهة مردوخ والأنتقام، فعقدت مجلس حرب وخلقت بهائماً وأمساخاً (مسوخاً) رهيبة لتشكل صفوف جيشها الجرار، ونصبت على رأس قواتها (كنغو) المحارب المقدام واهبة إياه لوح الأقدار.
في السطور الأولى من اللوح الثاني للأسطورة يُصغي (إيا) بغيض وقد صعقه ما تناهى أليه من أنباء أستعدادات تيامات والآلهة الشباب للحرب ضد مردوخ ، فيهرع الى أبيه (أنشار) ويسرد له تفاصيل أستعدادات القوى المرعبة لمناوئيهم، فترتعد فرائص أنشار لسماعه بقوات تيامات الرهيبة، فأختار إيفاد (آنو) الى إله الشمس، رسولاً عنه. ويسعى آنو بتدبير (إيا) لخداع تيامات وأقناعها بالعدول عن فكرة الحرب، غير أن تيامات التي كانت نداً له في سعة الحيلة فجعلته يعود بخفي حنين. فقرر (إيا) في غمرة يأسه أرسال أبنه مردوخ الى أنشار، الذي أستقر رأيه على كون مردوخ هو البطل الأوحد القادر على تحدي تيامات. فألتأم مجلس أنشار لتداول أمر الحرب بحضور الآلهة المسنين.
وفي مطلع اللوح الثالث للأسطورة يوفد وزيره (ككّا) ليبث النبأ، فيثمِّن مردوخ الخطة عالياً ويطالب بالحصول على قدرة الخلق قائلاً:
" إذا كان لي أن أنتقم لكم حقاً فأقهر تيامات وأحفظ لكم حياتكم
فأنني أطلب أجتماعاً يعلن فيه أقتداري.
........
........
فهلموا إليَّ وسلموا إليه مقاديركم
فيذهب للقاء عدوكم العنيد."
أما اللوح الرابع فيُستهل بأسهاب الآلهة في مديح مردوخ والثناء عليه، فهو بطل الذي يجمع الاسلحة الرهيبة، الرياح الاربع والشبكة الهائلة التي سيصطاد بها تيامات ويوثقها والقوس والنشاب والصولجان العظيم.
" فلما رأى آباؤه قوة كلمته (الخالقة)
أبتهجوا وأعطوه ولاءهم : مردوخ ملكاً
منحوه الصولجان والعرش والرداء الملكي
وأعطوه سلاحاً ماضياً يقضي على الأعداء، قائلين:
أمض وأسلب تيامات الحياة.
ولتحمل الريح دماءها للأماكن القصية".
وهكذا يتقابل الخصمان وجهاً لوجه لتبدأ المواجهة بين قوى الخير والشر في الكون، فتُثبت تيامات أنها ليست صنواً لمردوخ حين يُطلق دوامة الريح لتلج فمها الفاغر، وحال أبتلاعها للريح العاصفة تنتفخ بطنها، فيسدد مردوخ سهمه ليخترق جسدها ويشطره نصفين مخترقاً فؤادها ويطرحها جثة هامدة ثم يعتلى مردوخ جثتها منتصراً.
ويُسهِب اللوح الخامس في ذكر تفاصيل خلق مردوخ/ آشور لعالم يسوده النظام من بقايا جثة تيامات. فيضع الأبراج في السماء ويرتب تقويم السنة ويخلق السحب والرياح والأمطار ويجعل الأنهار العظيمة تتدفق من عينيها والجبال الشامخة تعلو من صدرها، ثم يخلق من نصفها السماء ومن نصفها الآخر يصنع الأرض. ويُعيد لوح الأقدار الى (آنو). وأخيراً يرتدي رموز وشارات القوة والعزة ويطمئن الى أن سائر الآلهة (الأجيجي) يذعنون لسلطانه كما ينبغي. ويتبع ذلك خطبة مردوخ التي يُعلن فيها عن نواياه وغاياته لمسقبل العالم المتمدن ومركزه بابل، فتُعلن له الآلهة الطاعة والولاء.
" خلق محطات لكبار الآلهة
أوجد لكل منهم نظيره من النجوم
حدَّد السنة وقسَّم المناخات
وأوجد لكل من الأشهر الإثني عشر ثلاثة أبراج
وبعد أن حدد بالأبراج أيام السنة
خلق كوكب المشتري ليضع الحدود".
أما اللوح السادس فيروي قصة محاكمة (كينغو) قائد قوات تيامات، الذي يُحكم عليه بالموت ومن دمه يُخلَق الجنس البشري ليقوم بخدمة الآلهة. ثم يتم تحديد واجبات الآلهة والشروع ببناء بابل.
" أنه كينغو، الذي أثار النزاع
وحث تيامات على الثورة، وأعدَّ القتال
ثم قيدوه وطرحوه أمام أيا
أنزلوا به العقاب فقطعوا شرايينه
ومن دمائه تم خلق البشر".
وتختتم الأسطورة في اللوح السابع والأخير، الذي يشكل هبوطاً مفاجئاً في مستوى الأسطورة، حيث يتناول بالأطناب ما يُعرف "بألقاب مردوخ الخمسين" في قائمة طويلة مملة تنتهي بلقب إله الحكمة (إيا) الذي يقرر بنفسه أطلاق إسمه على مردوخ ليكون آخر ألقابه.
"وكل الأسماء التي دعاه بها الأجيجي
سمعها أيا وأبتهجت بها نفسه
ثم قال: هو الذي عظّم أسماءه آباؤه
سيكون نظيراً لي ويكون إسمه أيا".
********************************
- ملحمة جلجامش:
يرقى عهد النسخة الاكادية القياسية التي تم العثور عليها في خزانة كتب العاهل الآشوري آشور بانيبال (668 – 626 ق.م) في نينوى الى القرن السابع قبل الميلاد، وهي تتألف من أثني عشر لوحاً تعود في الأصل الى النسخة التي وضعها الكاهن (سن – ليقي – أونّيني) الذي عاش في أواسط الألفية الثانية قبل الميلاد. وقد تم أستنساخ هذا العمل الأدبي الرائع مراراً خلال القرون العديدة اللاحقة لتروي الملحمة بألواحها الأحد عشر.
أما اللوح الثاني عشر والأخير فقد تم ألحاقه بنص الملحمة على الأرجح في القرن الثامن أو السابع قبل الميلاد ولا صلة له بحوادث الملحمة. وقد حظت ملحمة جلجامش بشعبية واسعة عبر العصور بحيث غدا أستنساخ فقرات من نصوصها الفرض المفضل لتلاميذ المدارس في بلاد ما بين النهرين.
وتعدّ ملحمة جلجامش عملاً أدبياً رائعاً تم تدوينه بحذاقة منقطعة النظير لتكون قصة تتمحور حول المآثر البطولية لجلجامش من خلال سعيه لنيل الشهرة والجاه وحيازة سرّ الخلود.
اللوح الأول: تُستهل الرواية على لسان رحال يصف أسوار مدينة أوروك (الوركاء) وملكها جلجامش، بقوله:
" هو الذي رأى كل شئ فغني بذكره يا بلادي
وهو الذي خبر جميع الأشياء وأفاد من عبرها
وهو الحكيم العارف بكل شئ
لقد أبصر الأسرار وعرف الخفايا المكتومة
وجاء بأنباء الأيام مما قبل الطوفان
لقد أوغل في الأسفار البعيدة حتى حل به الضنى والتعب
فنقش في نصب من الحجر كل ما عاناه وما خبره
بنى أسوار "أوروك"، وحرم "إي – أنا"، المقدس، والمستودع الطاهر
فأنظر الى سوره الخارجي تجد شرفاته تتألق كالنحاس....".
ويتم وصف جلجامش كرجل خارق محبوب الإله "شمش" ومحارب لا يُقاوم سلاحه ثلثاه إله وثلثه بشر:
"ثلثان منه إله، وثلثه بشر
وهيئة جسمه لا نظير لها
وفتك سلاحه لا يصده شئ"
كما تتحدث الملحمة عنه كطاغية وزير نساء:
" لم يترك جلجامش أبناً لأبيه
ولم تنقطع مظالمه عن الناس ليل نهار"
....
....
" لم يترك جلجامش عذراء لحبيبها، ولا أبنة المقاتل ولا خطيبة البطل."
فيتذمر أهل أوروك ويرفعون شكواهم الى الآلهة، التي تستجيب لدعواتهم وتحث إله أوروك "آنو" ليضع حداً لمظالم جلجامش، فتتم دعوة الإلهة الأم "أرورو" لتقوم بخلق نداً له، فصنعت من قبضة طين أنكيدو الرجل المتوحش الذي سيكون نداً ورفيقاً لجلجامش:
" وغسلت "أرورو" يديها، وأخذت قبضة طين ورمتها في البرية
خلقت في البرية "أنكيدو" الصنديد، نسل "ننورتا" القوي
يكسو جسمه الشعر، وشعر رأسه كشعر المرأة
جدائل شعر رأسه كشعر "نصابا"
لا يعرف الناس ولا البلاد، ولباس جسمه مثل "سموقان"
ومع الظباء يأكل العشب، ويسقى مع الحيوان من موارد الماء
ويطيب لبه عند ضجيج الحيوان في مورد الماء".
ويلي ذلك مقطعاً تنفرد به النصوص الأكدية ولا يُعرف له مرادف في النصوص السومرية، يتناول أغراء أنكيدو من قبل "شمخات" ليهجر حياته البرية ويتم ترويضه، حيث تقوم "شمخات" بأغراء "أنكيد" بكشف مفاتنها والمكوث معه لستة أيام بلياليها، فلم يعد بعدها قادراً على العدو مع الحيوانات:
" أنطلق يا صيادي وأصحب معك بغياً
وحينما يأتي الى مورد الماء لسقي الحيوان
دعها تخلع ثيابها وتكشف مفاتن جسمها
فإذا ما رآها أقترب منها وأنجذب إليها
وعندئذ ستنكره حيواناته التي ربيت معه في البرية".
وبعد ذلك يؤخذ الى أوروك حيث المدنية والحضارة ويلتقي جلجامش لأول مرة. وكان جلجامش قد رأى أنكيدو في حلم فبدا له بهيئة شهاب هائل منير أرسله الإله "آنو" ليكون له نداً ورفيقاً.
اللوح الثاني: يستعرض أحداث المواجهة الأولى بين جلجامش وأنكيدو من جهة والمخلوق الرهيب "خمبابا"، حارس غابة الأرز من جهة أخرى. وقد ورد خمبابا في النصوص السومرية بإسم "خواوا" القاطن في جبال زاجروس شرقي بلاد الرافدين.
"خمبابا زئيره مثل عباب الطوفان،
تنبعث من فمه النار، ونفسه الموت الزؤام".
ويتناول اللوحان الثالث والرابع مغامرة جلجامش ورفيقه أنكيدو في غابة الأرز، التي يسبقها عروجهما على "ننسون" والدة جلجامش التي ترفع شكواها الى الإله "شمَّش" معاتبة إياه بتعريض حياة أبنها للخطر بغية أنقاذ البلاد من شرّ المخلوق البغيض المروِّع "خمبابا". وبعد مسير خمسين فرسخاً يشرف جلجامش وأنكيدو على طرف غابة الأرز فيصاب أنكيدو بالهلع وتخار قواه إلا أن جلجامش يشجعه ويمضي عاقداً العزم على تخليص البلاد من شرور خمبابا:
قال أنكيدو:
" يا صديقي أشعر بأن الخوف قد شل جوارحي
لقد خارت قواي، وفقد ساعداي القوة".
فقال جلجامش لرفيقه أنكيدو:
" لقد صرت تخشى الموت ونحن مازلنا هنا
فماذا دهى شجاعتك وبطولتك؟
دعني إذن أتقدم قبلك، ولينادني صوتك:
"تقدَّم! ولا تخف!
واذا هلكت فسأخلد لي إسماً، وسيقولون عني فيما بعد:
"لقد هلك جلجامش في النزال مع خمبابا المارد".
وفي اللوح الخامس يصلي جلجامش ويتضرع للإله شمش طالباً نيل القوة ويُعيده سالماً:
"أنني ذاهب يا "شمش" وإليك أرفع يديَ
عسى أن تنال روحي الخير والبركة
أرجعني سالماً الى ميناء "أوروك"، وأبسط عليَّ حمايتك".
تشجع جلجامش بعد أن رأى في نومه رؤيا تبشر بالنصر، فتقدم في الغابة وشرع يقطع أشجار الأرز بفأسه فسمع خمبابا الضجيج وأستشاط غضباً وأستعد لمهاجمتهما، فهالهما مرآه وندما علىركوب المخاطر والمغامرة وأدركا أنه سيقضي عليهما لا محالة، فأتجها الى الإله شمش يسألانه العون والنجاة، فأستجاب الإله لطلبتهما وأثار الرياح العاصفة التي صدت الوحش وجعلته يتسمر في مكانه فشلَّت قواه وأستسلم متوسلاً الأبقاء على حياته لكن أنكيدو حرض جلجامش ليجهزا عليه فقتلاه وقطعا رأسه.
واللوح السادس من الملحمة يروي عن اللقاء المشؤوم بين جلجامش والإلهة عشتار بعد إيابه منتصراً في قتاله ضد خمبابا، وكان جلجامش قد أغتسل وصفف شعره وضفر جدائله وأرتدى حلته البهية وحمل شاراته الملكية، فراقت طلته لعشتار التي سعت لأغواءه، غير أنه يرفضها ويرذلها مذكراً إياها بعشاقها الذين دمرت حياتهم وبددت سعادتهم.
" أي خير سأناله لو تزوجتكِ؟
....
....
....
أي من عشاقكِ من بقيت على حبه أبدا؟
أي من رعاتك من رضيت عنه دائماً؟
تعالي أقص عليك مآسي عشاقكِ ".
فأستشاطت عشتار غضباً وأحست بالمهانة لما لقيته من جلجامش فأسرعت الى أبيها (آنو) مطالبة بمساعدة الثور السماوي الذي أنتوت تسخيره لمحاربة جلجامش وثنيه عن صفاقته. ونزولاً عند رغبتها يدع (آنو) ثور السماء يشيع الخراب والدمار والهلع والموت في أوروك، فيتصدى له جلجامش وأنكيدو ويذبحانه، غير أنهما بفعلهما الشنيع هذا يثيران سخط (آنو) فيحكم عليهما بمصير مأساوي.
يستهل اللوح السابع بحلم ينذر بموت أنكيدو، إذ قررت الآلهة موت أنكيدو زنجا جلجامش. وفي اللوح الثامن تصف الملحمة جلجامش متفجعاً نادماً لفراق وفقدانخلّه ورفيقه.
" أصيخوا إليَّ أيها الشيوخ وأسمعوا قولي:
من أجل "أنكيدو"، خلي وصديقي، أبكي وأنوح نواح الثكلى
أنه الفأس التي فيجنبي وقوس يدي
والخنجر الذي في حزامي والمجن الذي يدرأ عني،
وفرحتي وبهجتي وكسوة عيدي
لقد ظهر شيطان رجيم وسرقه مني".
وفي نصوص اللوح التاسع يطوف جلجامش البلاد كالرجل المتوحش ذاهل مضطرب لشدة حزنه وأساه، ويشكل هذا اللوح منعطفاً تتبدل فيه نبرة الملحمة، فقد أضحى جلجامش البطل المقدام مشغول البال بفكرة الفناء وسيطر عليه هاجس الموت.
"من أجل أنكيدو، خله وصديقه، بكى جلجامش بكاءً مراً
وهام على وجهه في البراري وصار يناجي نفسه:
اذا متُّ أفلا يكون مصيري مثل أنكيدو؟".
في اللوح العاشر يبلغ جلجامش بعد تجواله المضطرب الى الجبل المقدس (جبل ماسو المقدس) الذي تُشرق منه الشمس كل صباح، فيسأل حراسه ليرشدوه الى مكان أوتنابشتم، الإنسان الوحيد الذي حبت عليه الآلهة بنعمة الخلود، غير أن الحراس يمتنعون عن تقديم المساعدة له فيواصل أسفاره المضنية عبر الشعاب الوعرة، وبعد أن أعتراه الهزال والأعياء بلغ دار سيدوري صاحبة الحانة الساكنة على ساحل الأقيانوس البدئي (الأبسو)، فتخبره سيدوري بمسكن أوتنابشتم الكائن على الآخر من الأقيانوس، الذي لم يعبره أحد سوى شمش. وفي نهاية المطاف يميط النوتي (المراكبي) أور- سانابي لجلجامش عن وسائل عبور الأقيانوس.
أما اللوح الحادي عشر فيتناول وصول جلجاجش الى مسكن أوتنابشتم، الذي أنعمت عليه الآلهة بالخلود، فيروي لجلجامش قصة الطوفان وينصحه بالعودة من حيث أتى، وما أن هم جلجامش بالرحيل ليعود أدراجه خالي الوفاض، حتى أتاه أوتنابشتم ليخاطبه ويدلّه على موضع عشبة الحياة واصفاً أياها بقوله:
"سأفتح لك يا جلجامش سراً خفياً
أجل سأبوح لك بسرّ من أسرار الآلهة
يوجد نبات مثل الشوك ينبت في المياه
إنه كالورد شوكه يخز يديك كما يفعل الورد
فإذا حصلت يداك على هذا النبات وجدت الحياة الجديدة."
فأبحر جلجامش عائداً وأثناء عودته عبر البحر أفلح في العثور على موضع النبتة السحرية فغاص في الأعماق وأبصرها فأخذها وقرر أن يحملها معه لأهل أوروك لينتفعوا منها، لكنه في طريق العودة دخل بركة ماء عذب ليغتسل ويرتاح من مشقة وعناء السفر، فإذا بحية تشتم رائحة العشبة فتتسلل خارجة وتلتهمها ثم تنزع جلها مجددة بذلك شبابها، فأنتاب جلجامش الحزن وبكى جهده وعناءه المهدور، فعاد الى مدينته أوروك وهو لا يحمل سوى القناعة بأن الخلود ليس لسوى الآلهة وأن الإنسان لا تخلده سوى أعماله ومنجزاته.
اللوح الثاني عشر، وهو لا يمت الى الملحمة بصلة ويُعتقد أنه عبارة عن نص تم تدوينه متأخراً وهو يصف بأختصار كيف فقد جلجامش الآلتين الغريبتين (البكو) و(المكو) اللتين صنعتهما عشتار من شجرة الصفصاف وأهدتهما له ويُعتقد أنهما الطبل ومدق الطبل، وذلك بسقوطهما في العالم الأسفل ولم يفلح جلجامش في أستعادتهما فحزن كثيراً لأجلهما.
************************************
...... (( يُنشر قريباً )) .......
- نرجال وإرشكيغال:
************************************
- إينانا ودوموزي / عشتار وتموز:
************************************
- أدابا:
************************************
- أحيقار حكيم البلاط الآشوري
ويتم تصوّر مردوخ على أنه مخلوق غير عادي وتواصل الأسطورة كيل المديح والثناء له والإشادة بشجاعته وبراعته وبيان منزلته الرفيعة بين سائر الآلهة. ويبدو أن تعاظم نفوذ مردوخ يهدد سائر الآلهة في مجمعهم (البانثيون)، فيشكون امره الى أمهم تيامات، ومثلما سبق لهم التآمر على الآلهة الشباب في أيام آبسو، فقد حان الوقت للتخلص من مردوخ الذي أخذ يقض مضاجعهم ويهدد سلطانهم، فيناشدون تيامات للدفاع عنهم بقولهم:
" تذكري زوجك آبسو
تذكري مُمّو المقهور وأندبي حالك
لم تعودي أُمّاً لنا. تهيمين على غير هدىً
حرمتنا من عطفكِ وحنانكِ
قبضاتنا خائرة، عيوننا ثقيلة
أزيلي نير أزعاجنا حالاً، ودعونا ننام."
وخزت ضمير تيامات ذكريات تراخيها إزاء الإله إيا الذي قتل آبسو، فقررت مجابهة مردوخ والأنتقام، فعقدت مجلس حرب وخلقت بهائماً وأمساخاً (مسوخاً) رهيبة لتشكل صفوف جيشها الجرار، ونصبت على رأس قواتها (كنغو) المحارب المقدام واهبة إياه لوح الأقدار.
في السطور الأولى من اللوح الثاني للأسطورة يُصغي (إيا) بغيض وقد صعقه ما تناهى أليه من أنباء أستعدادات تيامات والآلهة الشباب للحرب ضد مردوخ ، فيهرع الى أبيه (أنشار) ويسرد له تفاصيل أستعدادات القوى المرعبة لمناوئيهم، فترتعد فرائص أنشار لسماعه بقوات تيامات الرهيبة، فأختار إيفاد (آنو) الى إله الشمس، رسولاً عنه. ويسعى آنو بتدبير (إيا) لخداع تيامات وأقناعها بالعدول عن فكرة الحرب، غير أن تيامات التي كانت نداً له في سعة الحيلة فجعلته يعود بخفي حنين. فقرر (إيا) في غمرة يأسه أرسال أبنه مردوخ الى أنشار، الذي أستقر رأيه على كون مردوخ هو البطل الأوحد القادر على تحدي تيامات. فألتأم مجلس أنشار لتداول أمر الحرب بحضور الآلهة المسنين.
وفي مطلع اللوح الثالث للأسطورة يوفد وزيره (ككّا) ليبث النبأ، فيثمِّن مردوخ الخطة عالياً ويطالب بالحصول على قدرة الخلق قائلاً:
" إذا كان لي أن أنتقم لكم حقاً فأقهر تيامات وأحفظ لكم حياتكم
فأنني أطلب أجتماعاً يعلن فيه أقتداري.
........
........
فهلموا إليَّ وسلموا إليه مقاديركم
فيذهب للقاء عدوكم العنيد."
أما اللوح الرابع فيُستهل بأسهاب الآلهة في مديح مردوخ والثناء عليه، فهو بطل الذي يجمع الاسلحة الرهيبة، الرياح الاربع والشبكة الهائلة التي سيصطاد بها تيامات ويوثقها والقوس والنشاب والصولجان العظيم.
" فلما رأى آباؤه قوة كلمته (الخالقة)
أبتهجوا وأعطوه ولاءهم : مردوخ ملكاً
منحوه الصولجان والعرش والرداء الملكي
وأعطوه سلاحاً ماضياً يقضي على الأعداء، قائلين:
أمض وأسلب تيامات الحياة.
ولتحمل الريح دماءها للأماكن القصية".
وهكذا يتقابل الخصمان وجهاً لوجه لتبدأ المواجهة بين قوى الخير والشر في الكون، فتُثبت تيامات أنها ليست صنواً لمردوخ حين يُطلق دوامة الريح لتلج فمها الفاغر، وحال أبتلاعها للريح العاصفة تنتفخ بطنها، فيسدد مردوخ سهمه ليخترق جسدها ويشطره نصفين مخترقاً فؤادها ويطرحها جثة هامدة ثم يعتلى مردوخ جثتها منتصراً.
ويُسهِب اللوح الخامس في ذكر تفاصيل خلق مردوخ/ آشور لعالم يسوده النظام من بقايا جثة تيامات. فيضع الأبراج في السماء ويرتب تقويم السنة ويخلق السحب والرياح والأمطار ويجعل الأنهار العظيمة تتدفق من عينيها والجبال الشامخة تعلو من صدرها، ثم يخلق من نصفها السماء ومن نصفها الآخر يصنع الأرض. ويُعيد لوح الأقدار الى (آنو). وأخيراً يرتدي رموز وشارات القوة والعزة ويطمئن الى أن سائر الآلهة (الأجيجي) يذعنون لسلطانه كما ينبغي. ويتبع ذلك خطبة مردوخ التي يُعلن فيها عن نواياه وغاياته لمسقبل العالم المتمدن ومركزه بابل، فتُعلن له الآلهة الطاعة والولاء.
" خلق محطات لكبار الآلهة
أوجد لكل منهم نظيره من النجوم
حدَّد السنة وقسَّم المناخات
وأوجد لكل من الأشهر الإثني عشر ثلاثة أبراج
وبعد أن حدد بالأبراج أيام السنة
خلق كوكب المشتري ليضع الحدود".
أما اللوح السادس فيروي قصة محاكمة (كينغو) قائد قوات تيامات، الذي يُحكم عليه بالموت ومن دمه يُخلَق الجنس البشري ليقوم بخدمة الآلهة. ثم يتم تحديد واجبات الآلهة والشروع ببناء بابل.
" أنه كينغو، الذي أثار النزاع
وحث تيامات على الثورة، وأعدَّ القتال
ثم قيدوه وطرحوه أمام أيا
أنزلوا به العقاب فقطعوا شرايينه
ومن دمائه تم خلق البشر".
وتختتم الأسطورة في اللوح السابع والأخير، الذي يشكل هبوطاً مفاجئاً في مستوى الأسطورة، حيث يتناول بالأطناب ما يُعرف "بألقاب مردوخ الخمسين" في قائمة طويلة مملة تنتهي بلقب إله الحكمة (إيا) الذي يقرر بنفسه أطلاق إسمه على مردوخ ليكون آخر ألقابه.
"وكل الأسماء التي دعاه بها الأجيجي
سمعها أيا وأبتهجت بها نفسه
ثم قال: هو الذي عظّم أسماءه آباؤه
سيكون نظيراً لي ويكون إسمه أيا".
********************************
- ملحمة جلجامش:
يرقى عهد النسخة الاكادية القياسية التي تم العثور عليها في خزانة كتب العاهل الآشوري آشور بانيبال (668 – 626 ق.م) في نينوى الى القرن السابع قبل الميلاد، وهي تتألف من أثني عشر لوحاً تعود في الأصل الى النسخة التي وضعها الكاهن (سن – ليقي – أونّيني) الذي عاش في أواسط الألفية الثانية قبل الميلاد. وقد تم أستنساخ هذا العمل الأدبي الرائع مراراً خلال القرون العديدة اللاحقة لتروي الملحمة بألواحها الأحد عشر.
أما اللوح الثاني عشر والأخير فقد تم ألحاقه بنص الملحمة على الأرجح في القرن الثامن أو السابع قبل الميلاد ولا صلة له بحوادث الملحمة. وقد حظت ملحمة جلجامش بشعبية واسعة عبر العصور بحيث غدا أستنساخ فقرات من نصوصها الفرض المفضل لتلاميذ المدارس في بلاد ما بين النهرين.
وتعدّ ملحمة جلجامش عملاً أدبياً رائعاً تم تدوينه بحذاقة منقطعة النظير لتكون قصة تتمحور حول المآثر البطولية لجلجامش من خلال سعيه لنيل الشهرة والجاه وحيازة سرّ الخلود.
اللوح الأول: تُستهل الرواية على لسان رحال يصف أسوار مدينة أوروك (الوركاء) وملكها جلجامش، بقوله:
" هو الذي رأى كل شئ فغني بذكره يا بلادي
وهو الذي خبر جميع الأشياء وأفاد من عبرها
وهو الحكيم العارف بكل شئ
لقد أبصر الأسرار وعرف الخفايا المكتومة
وجاء بأنباء الأيام مما قبل الطوفان
لقد أوغل في الأسفار البعيدة حتى حل به الضنى والتعب
فنقش في نصب من الحجر كل ما عاناه وما خبره
بنى أسوار "أوروك"، وحرم "إي – أنا"، المقدس، والمستودع الطاهر
فأنظر الى سوره الخارجي تجد شرفاته تتألق كالنحاس....".
ويتم وصف جلجامش كرجل خارق محبوب الإله "شمش" ومحارب لا يُقاوم سلاحه ثلثاه إله وثلثه بشر:
"ثلثان منه إله، وثلثه بشر
وهيئة جسمه لا نظير لها
وفتك سلاحه لا يصده شئ"
كما تتحدث الملحمة عنه كطاغية وزير نساء:
" لم يترك جلجامش أبناً لأبيه
ولم تنقطع مظالمه عن الناس ليل نهار"
....
....
" لم يترك جلجامش عذراء لحبيبها، ولا أبنة المقاتل ولا خطيبة البطل."
فيتذمر أهل أوروك ويرفعون شكواهم الى الآلهة، التي تستجيب لدعواتهم وتحث إله أوروك "آنو" ليضع حداً لمظالم جلجامش، فتتم دعوة الإلهة الأم "أرورو" لتقوم بخلق نداً له، فصنعت من قبضة طين أنكيدو الرجل المتوحش الذي سيكون نداً ورفيقاً لجلجامش:
" وغسلت "أرورو" يديها، وأخذت قبضة طين ورمتها في البرية
خلقت في البرية "أنكيدو" الصنديد، نسل "ننورتا" القوي
يكسو جسمه الشعر، وشعر رأسه كشعر المرأة
جدائل شعر رأسه كشعر "نصابا"
لا يعرف الناس ولا البلاد، ولباس جسمه مثل "سموقان"
ومع الظباء يأكل العشب، ويسقى مع الحيوان من موارد الماء
ويطيب لبه عند ضجيج الحيوان في مورد الماء".
ويلي ذلك مقطعاً تنفرد به النصوص الأكدية ولا يُعرف له مرادف في النصوص السومرية، يتناول أغراء أنكيدو من قبل "شمخات" ليهجر حياته البرية ويتم ترويضه، حيث تقوم "شمخات" بأغراء "أنكيد" بكشف مفاتنها والمكوث معه لستة أيام بلياليها، فلم يعد بعدها قادراً على العدو مع الحيوانات:
" أنطلق يا صيادي وأصحب معك بغياً
وحينما يأتي الى مورد الماء لسقي الحيوان
دعها تخلع ثيابها وتكشف مفاتن جسمها
فإذا ما رآها أقترب منها وأنجذب إليها
وعندئذ ستنكره حيواناته التي ربيت معه في البرية".
وبعد ذلك يؤخذ الى أوروك حيث المدنية والحضارة ويلتقي جلجامش لأول مرة. وكان جلجامش قد رأى أنكيدو في حلم فبدا له بهيئة شهاب هائل منير أرسله الإله "آنو" ليكون له نداً ورفيقاً.
اللوح الثاني: يستعرض أحداث المواجهة الأولى بين جلجامش وأنكيدو من جهة والمخلوق الرهيب "خمبابا"، حارس غابة الأرز من جهة أخرى. وقد ورد خمبابا في النصوص السومرية بإسم "خواوا" القاطن في جبال زاجروس شرقي بلاد الرافدين.
"خمبابا زئيره مثل عباب الطوفان،
تنبعث من فمه النار، ونفسه الموت الزؤام".
ويتناول اللوحان الثالث والرابع مغامرة جلجامش ورفيقه أنكيدو في غابة الأرز، التي يسبقها عروجهما على "ننسون" والدة جلجامش التي ترفع شكواها الى الإله "شمَّش" معاتبة إياه بتعريض حياة أبنها للخطر بغية أنقاذ البلاد من شرّ المخلوق البغيض المروِّع "خمبابا". وبعد مسير خمسين فرسخاً يشرف جلجامش وأنكيدو على طرف غابة الأرز فيصاب أنكيدو بالهلع وتخار قواه إلا أن جلجامش يشجعه ويمضي عاقداً العزم على تخليص البلاد من شرور خمبابا:
قال أنكيدو:
" يا صديقي أشعر بأن الخوف قد شل جوارحي
لقد خارت قواي، وفقد ساعداي القوة".
فقال جلجامش لرفيقه أنكيدو:
" لقد صرت تخشى الموت ونحن مازلنا هنا
فماذا دهى شجاعتك وبطولتك؟
دعني إذن أتقدم قبلك، ولينادني صوتك:
"تقدَّم! ولا تخف!
واذا هلكت فسأخلد لي إسماً، وسيقولون عني فيما بعد:
"لقد هلك جلجامش في النزال مع خمبابا المارد".
وفي اللوح الخامس يصلي جلجامش ويتضرع للإله شمش طالباً نيل القوة ويُعيده سالماً:
"أنني ذاهب يا "شمش" وإليك أرفع يديَ
عسى أن تنال روحي الخير والبركة
أرجعني سالماً الى ميناء "أوروك"، وأبسط عليَّ حمايتك".
تشجع جلجامش بعد أن رأى في نومه رؤيا تبشر بالنصر، فتقدم في الغابة وشرع يقطع أشجار الأرز بفأسه فسمع خمبابا الضجيج وأستشاط غضباً وأستعد لمهاجمتهما، فهالهما مرآه وندما علىركوب المخاطر والمغامرة وأدركا أنه سيقضي عليهما لا محالة، فأتجها الى الإله شمش يسألانه العون والنجاة، فأستجاب الإله لطلبتهما وأثار الرياح العاصفة التي صدت الوحش وجعلته يتسمر في مكانه فشلَّت قواه وأستسلم متوسلاً الأبقاء على حياته لكن أنكيدو حرض جلجامش ليجهزا عليه فقتلاه وقطعا رأسه.
واللوح السادس من الملحمة يروي عن اللقاء المشؤوم بين جلجامش والإلهة عشتار بعد إيابه منتصراً في قتاله ضد خمبابا، وكان جلجامش قد أغتسل وصفف شعره وضفر جدائله وأرتدى حلته البهية وحمل شاراته الملكية، فراقت طلته لعشتار التي سعت لأغواءه، غير أنه يرفضها ويرذلها مذكراً إياها بعشاقها الذين دمرت حياتهم وبددت سعادتهم.
" أي خير سأناله لو تزوجتكِ؟
....
....
....
أي من عشاقكِ من بقيت على حبه أبدا؟
أي من رعاتك من رضيت عنه دائماً؟
تعالي أقص عليك مآسي عشاقكِ ".
فأستشاطت عشتار غضباً وأحست بالمهانة لما لقيته من جلجامش فأسرعت الى أبيها (آنو) مطالبة بمساعدة الثور السماوي الذي أنتوت تسخيره لمحاربة جلجامش وثنيه عن صفاقته. ونزولاً عند رغبتها يدع (آنو) ثور السماء يشيع الخراب والدمار والهلع والموت في أوروك، فيتصدى له جلجامش وأنكيدو ويذبحانه، غير أنهما بفعلهما الشنيع هذا يثيران سخط (آنو) فيحكم عليهما بمصير مأساوي.
يستهل اللوح السابع بحلم ينذر بموت أنكيدو، إذ قررت الآلهة موت أنكيدو زنجا جلجامش. وفي اللوح الثامن تصف الملحمة جلجامش متفجعاً نادماً لفراق وفقدانخلّه ورفيقه.
" أصيخوا إليَّ أيها الشيوخ وأسمعوا قولي:
من أجل "أنكيدو"، خلي وصديقي، أبكي وأنوح نواح الثكلى
أنه الفأس التي فيجنبي وقوس يدي
والخنجر الذي في حزامي والمجن الذي يدرأ عني،
وفرحتي وبهجتي وكسوة عيدي
لقد ظهر شيطان رجيم وسرقه مني".
وفي نصوص اللوح التاسع يطوف جلجامش البلاد كالرجل المتوحش ذاهل مضطرب لشدة حزنه وأساه، ويشكل هذا اللوح منعطفاً تتبدل فيه نبرة الملحمة، فقد أضحى جلجامش البطل المقدام مشغول البال بفكرة الفناء وسيطر عليه هاجس الموت.
"من أجل أنكيدو، خله وصديقه، بكى جلجامش بكاءً مراً
وهام على وجهه في البراري وصار يناجي نفسه:
اذا متُّ أفلا يكون مصيري مثل أنكيدو؟".
في اللوح العاشر يبلغ جلجامش بعد تجواله المضطرب الى الجبل المقدس (جبل ماسو المقدس) الذي تُشرق منه الشمس كل صباح، فيسأل حراسه ليرشدوه الى مكان أوتنابشتم، الإنسان الوحيد الذي حبت عليه الآلهة بنعمة الخلود، غير أن الحراس يمتنعون عن تقديم المساعدة له فيواصل أسفاره المضنية عبر الشعاب الوعرة، وبعد أن أعتراه الهزال والأعياء بلغ دار سيدوري صاحبة الحانة الساكنة على ساحل الأقيانوس البدئي (الأبسو)، فتخبره سيدوري بمسكن أوتنابشتم الكائن على الآخر من الأقيانوس، الذي لم يعبره أحد سوى شمش. وفي نهاية المطاف يميط النوتي (المراكبي) أور- سانابي لجلجامش عن وسائل عبور الأقيانوس.
أما اللوح الحادي عشر فيتناول وصول جلجاجش الى مسكن أوتنابشتم، الذي أنعمت عليه الآلهة بالخلود، فيروي لجلجامش قصة الطوفان وينصحه بالعودة من حيث أتى، وما أن هم جلجامش بالرحيل ليعود أدراجه خالي الوفاض، حتى أتاه أوتنابشتم ليخاطبه ويدلّه على موضع عشبة الحياة واصفاً أياها بقوله:
"سأفتح لك يا جلجامش سراً خفياً
أجل سأبوح لك بسرّ من أسرار الآلهة
يوجد نبات مثل الشوك ينبت في المياه
إنه كالورد شوكه يخز يديك كما يفعل الورد
فإذا حصلت يداك على هذا النبات وجدت الحياة الجديدة."
فأبحر جلجامش عائداً وأثناء عودته عبر البحر أفلح في العثور على موضع النبتة السحرية فغاص في الأعماق وأبصرها فأخذها وقرر أن يحملها معه لأهل أوروك لينتفعوا منها، لكنه في طريق العودة دخل بركة ماء عذب ليغتسل ويرتاح من مشقة وعناء السفر، فإذا بحية تشتم رائحة العشبة فتتسلل خارجة وتلتهمها ثم تنزع جلها مجددة بذلك شبابها، فأنتاب جلجامش الحزن وبكى جهده وعناءه المهدور، فعاد الى مدينته أوروك وهو لا يحمل سوى القناعة بأن الخلود ليس لسوى الآلهة وأن الإنسان لا تخلده سوى أعماله ومنجزاته.
اللوح الثاني عشر، وهو لا يمت الى الملحمة بصلة ويُعتقد أنه عبارة عن نص تم تدوينه متأخراً وهو يصف بأختصار كيف فقد جلجامش الآلتين الغريبتين (البكو) و(المكو) اللتين صنعتهما عشتار من شجرة الصفصاف وأهدتهما له ويُعتقد أنهما الطبل ومدق الطبل، وذلك بسقوطهما في العالم الأسفل ولم يفلح جلجامش في أستعادتهما فحزن كثيراً لأجلهما.
************************************
...... (( يُنشر قريباً )) .......
- نرجال وإرشكيغال:
************************************
- إينانا ودوموزي / عشتار وتموز:
************************************
- أدابا:
************************************
- أحيقار حكيم البلاط الآشوري
مواضيع مماثلة
» تاريخ اللغة والكتابة نقلاً عن موقعmeltha
» من الأدب الكردي...نقلاً عن موقع كردي
» نقلاً عن موقع الفرسان....أشهر الحمل حتى الولادة
» الديانة اليزيدية...نقلاً عن موقع كردي
» الوجود الكردي في فلسطين...نقلاً عن موقع كردي
» من الأدب الكردي...نقلاً عن موقع كردي
» نقلاً عن موقع الفرسان....أشهر الحمل حتى الولادة
» الديانة اليزيدية...نقلاً عن موقع كردي
» الوجود الكردي في فلسطين...نقلاً عن موقع كردي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى