قصيدة بعنوان:عُـدت لا أطيقُ عُـتمة القبر ِ..للشاعر الأشوري الكبير ميخائيل ماروكل ممو

من طرف اسحق قومي الجمعة سبتمبر 25, 2009 3:50 pm

عُـدت لا أطيقُ عُـتمة القبر ِ

ميخـائيـل ممـو *
بغداد 1973

(إن التأمل في قبب المجنة ، عادة ما تنبت في أعماقنا جذور أحاسيس جديدة ترغمنا لحركة لولبية المنشأ والتكوين).

أحبائي ..
هلموا ارحلوا وعالم شعري
بساتين ، ثمارها تنضح ، تساوم أمري
يرحل نهارٌ وآخر ، ويضجر سري
ويهتف الإلهام :
أنا الأمس
أنا البأس
عدتُ لا أطيق رحلة اليأس
عدتُ لا أطيق عتمة القبر.

أحبائي ..
في عزتي
في غربتي
دلفتُ دهاليز التجربة
وأمتطيتُ صهوة حصان ٍ تجره العربة
يجوب أطلال بابل ونينوى وحضارة قرطبة
فيرهص في عالمي السهدُ
ويصرخ من فوقي الرعد
أنا الماضي
أنا التراث
عدتُ لا أطيق رحلة اللهاث
عدت لا أطيق قبة القبر.

سادتي ..
نشيد الروابي
يجلجل صداه
يا بشري
انتفض .. لا تخف
أنا وحدي لي قدري
ويهمس نغمه الخالد
ردّد يا جيلي الصامد
أنا قوة الحرب ِ
أنا لعنة الصخب
عدت لا أطيق الصمت في شعبي
عدت لا أطيق تأوهات على القبر.

أعزائي ..
أفقت .. وجودي يثأر
ودندنة في ذاتي تبحر
لمرسى الضمير بخيلائها تزأر
كلك يا فكر ، آشور
كلك فينا شعلة نور
كلك قلب يثور
لا تضجر..
أنا عبرة الحائر
أنا نوره الثائر
عدت لا أطيق قسوة الجائر
عدت لا أطيق وحشة القبر.

سادتي ..
ألا تدرون ما الأمر ؟!
ألا تدرون ما السـر ؟!
سر يمزقني وليس يُقال
وعلى الشفاه المُطبقات يترنم وحي سؤال
فوجدت أن الوصل لكنهـِـهِ الآن محال
وناداني التاريخ :
أنا من يعيد نفسه
أنا من يملأ ترسه
أنا من يُحيي جنسه
عدت لا أطيق دوحة الكفر
عدت لا أطيق هدأة تونس القبر.

أحبائي ..
" إنكسرت جرار العسل " *
تيبست ينابيع المُقـل
كفانا نداء .. كفانا وجل
طريق العز يدعونا
ويهدينا لفخر العمل
طعنة الماضي احرقوها
رسالة الزيف مزقوها
ثورة النصر عمقوها
فجروها واعلنوها
عدت لا أكيق نظرة القـُسر
عدت لا أطيق أن تحزنوا على القبر.

سادتي ..
ما رايكم ؟
لِـمَ الصمتُ ؟
عجيبٌ من أمركم !
هلموا جربوا مرونة الإنسان
وكونوا مسيح هذا الزمان
وانشروا :
" في الناس المسرة ،
وعلى الأرض السلام "
وارفعوا راية تشد الوئام
واهملوا لغو الطروس
ونقوا أعماق النفوس
فيقرع المللُ
مللتُ الكؤوس
مللت رحلة الكفر
عدت لا أطيق محنة القبر.

أعزائي ..
موجات العفة الزمنية قد لاحت
أغنيات نيسان بشائر قـد فاحت
أمست الكلمة فداء
أمست الأغنية غذاء
أمسى الإنزواء هُراء
ويدق ناقوس الثورة
شعبي بأسره يتفاعل
وأضغاث الحقد تتآكل
لم تعد تجدي نشوة السكر
عدت لا أطيق النور في ظلمة القبر.

مرحىً أعزائي ..
ووداعاً أحبائي ..
ترنيمة على الأفق الندي تتعالى
وتنطق الكلمات، وحدة الكون تتوالى
ويغدو تموز سيزيف في رونق العصر
ملكوت البر والبحر
وتنهار صرعى ، خجلى لعبة المُكر
عدت لا أطيق الرخاء في خلوة القبر.

كناري الروح لا تغضب
مار أفرام لا تعتب
ظمئنا كثيراً، ولم نشرب
أتدري ما شربنا ولم نتعب
شربنا السم والعلقم
جرعنا الآه واللهذم
كفانا إننا لم نهرب
والفكر بات في الأجواء كالهيدب
وعدنا اليوم
ليوم الشعر كي يُكتـَب
وروح الشعر
في لجةٍ اسفينها المركب
حيث البهاء
وحيث
عدت لا أطيق الصفاء
في قوة القبر
في قوة القبر
في قوة القبر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• عبارة من قصيدة لمحمود درويش.
• اللهذم : الحاد القاطع من السيوف والأسنة والأنياب.
• الهيدب : الكثير الشعر/ السحاب المتدلي الذي يدنو من الأرض وتراه كأنه خيوط عند هطول المطر.
• القيت القصيدة في مهرجان الشعر الآشوري الثاني للنادي الثقافي الآثوري في بغداد بتاريخ 24 - 9 - 1973 ، ونشرت في العدد الثاني من مجلة المثقف الآثوري لعام 1973.

* السيرة الذاتية للشاعر الأديب الأستاذ ميخائيل ممو: http://www.meltha.dk/