عجل أم خلو والمختار الجشع

عجل أم خلو والمختار الجشع
اسحق قومي
قصة قصيرة .

في منتصف الخمسينات من القرن العشرين المنصرم يُحكى أنَّ امرأة َ كانت تعيش مع زوجها وولديها في إحدى القرى بناحية الدرباسية في الشمال من سوريا ،كانت تعيش بسعادة مع زوجها وولديها خلو وكمال ولكن القدر كان لها بالمرصاد ،يتوفى زوجها على أثر مرض عضال لم تأخذه إلى الطبيب في حلب لضيق يدها وقلة حيلتها وبعدُ المكان بالرغم من توفر الطب المتقدم في تلك المدينة آنذاك.
ويموت رجل البيت وتبقى أم خلو تبكيه حتى فقدت ابنها الثاني كمال . كمال كانت تحبه كثيراً كونه صغيرها ولم يبق لها سوى خلو. خلو شاب ضخم الجسم قوي البنية ، مفتول الساعدين لو جرب المختار وجميع أبناءه أن ينالوا من خلو شيئاً ما استطاعوا وذلك لقوته وهيبته.
أما أم خلو ليست جميلة كي ينالوا منها لكن المختار الخبيث يفتش عن سبب لتذبح عجلها الوحيد .
وهو يعلم أن أم خلو كانت تحب ابنها كمال كثيراً، وتعتقد أنَّ روحه ترفرف دوما عند بيته وعلى التل الذي يقع شمالي القرية ، فأم خلو كمْ تمنت لو يأتيها ابنها في المنام أو في منام أحد أبناء القرية وتتحين الفرصة كي يأتي ويخبرها أحدهم بأن أبنها قد جاء في حلمه .
وأقسمت لو جاء أحداً وأخبرها بأنه قد حلم بابنها لسوف تعطيه هدية.
فكرَّ المختار مع أخوته كيف لهم أن يذبحوا العجل الكبير والسمين الذي تمتلكه أم خلو؟!!
لابدَّ أن يؤلفوا قصة محكمة ً وهكذا يشبعون من الكتل الكبار التي تشتهر بها نساء القرية وخاصة القرى القصورانية .
وبعد أن تآمر المختار مع إخوته ورجال القرية على أم خلو . نراه في الصباح يتوجه إلى بيتها وعند السور الترابي صاح المختار أم خلو أم خلو...صباح الخير يا أم خلو.
سمعت أم خلو صوت المختار يصيح بها . قالت له تفضل يا مختار ماذا تريد؟!!!
قال لها ـ وهو يضحك في سره ـ ...أم مخلو أريد أبرىء ساحة ضميري ووجداني وأحكي لك منامي الذي جاءني في هذه الليلة. تتلهف أم خلو ومن منعك يا مختار أحكي ليّ أكيد جاء أبني كمال في منامك ماذا قال لك؟!!! أخبرني أخبريني دخيلك أخبرني كيف كان حالهُ وكيف وجدتهُ وماذا قال لكَ؟!!!
وحين أدرك المختار أنّ أم خلو قد أكلت الطعم كاملاً وسكرت بدأ المختار يمسح بكوفيته عيونه وكأنه يبكي على ابنها و لحالها ..
تنظر أم خلو إلى المختار وتقول له لا عليك لا عليك الله يرحم والديك وموتاك.
أخبرني ماذا قال لك ابني الحبيب كمال.؟!!
تنهد المختار وقال . رأيته وكأنه في الجنة وبين رجال كأنهم ملائكة وكانت معهم بنات صبايا جميلات . كان يضحك كثيراً وحين تجولت بين هؤلاء الموتى الذين كانوا كالملائكة تعرف إليّ ابنك وصاح بي يامختار يا مختار قريتنا قف يا مختار أريد أن أتحدث معك وأوصيك وصية إلى أمي الغالية.
توقفتُ وإذا بابنك يلحق بي وبرفقته كانت فتاة جميلة رائعة يبدو أنها كانت تحبه...
وهنا تصيح أم خلو لا لا لا يامختار ابني أعرفه كان مسكيناً ومحترما لماذا تتحدث عن أبني هكذا؟!!
.وهنا يصيح المختار فيقول عمي أم خلو والله والله تعرفيني أنا لا أكذب أبداً
تتوقف أم خلو وتشعر بأنها أزعجت المختار المحتال وهنا تسأله أكثر. هل كان جوعاناً .كيف رأيتهُ هل وجهه كانت كوجه الملائكة؟!!!
لا لا يا أم خلو كان الشبع يبدو عليه ولكنه قال ليّ:
عليك يا مختار أن تخبر أمي بخبر هام. توقفتُ وقلتُ له أنت تأمر قل ما تريد وسأخبر أمك بما تقوله.
فقال قل لأمي أن تذبح لي العجل الكبير وتوزع لحمه على أهل القرية ويطبخون من لحمه كتل كبيرة ويأكلون ويترحمون عليّ. وإذا لم تفعل ذلك أمي فوالله لن آتي في منام أحد منكم ولن تراني أمي أبداً.وهكذا يا أم خلو أقسمت له فودعني وطار كأنه عصفور صغير.
توقف المختار وبدأت أم خلو تبكي وتبكي وتنوح حتى جاءتها نساء القرية فشاركن أم خلو البكاء وبدأ النوح واللطم حتى استيقظت أم خلو من حلمها وإذا بالمختار قد عاد إلى إيوانه(الربعة) بعد أن تأكد أنّ أم خلو ستصيح على قصاب القرية ليذبح العجل.
ما هي إلا دقائق حتى صاحت أم خلو أرجوكم أرجوكم صيحوا ليّ القصاب جميلو ليذبح العجل ونوزعه رحمة على روح ابني .بدأت أم خلو تصيح بابنها ووحيدها خلو خلو عليك أن تحضر العجل فبعد قليل سيأتي جميلو ويذبحه ونوزع لحمه على أهل القرية رحمة لأخيك . خلو لم يكن ليوافق أمه على تنفيذ ما تريد لأنه يعلم بأن القصة كلها في جوهرها أنّ المختار لم يأكل كتل كبار منذ زمن ٍ هو وأخوته ورجال القرية.لكنه لايريد أن يزعج أمه فهو وحيدها ولا أحد له غيرها وهكذا أحضر العجل السمين وحضر جميلو القصاب وبدأت تقول له أم خلو . جميلو أذبحه من أجل روح أبني المرحوم.لكن جميلو القصاب يشترط على أم خلو أن توافقه على شروطه فقال لها لديّ عدة شروط لو وافقتيني عليها لذبحته لك
قالت اشرط وتمنى. فقال بعد ذبح العجل ليّ القصبات والرأس والكبد والكلاوي وقسما من اللحم.وافقت أم خلو على شرط القصاب وهكذا بعد ساعة كان اللحم يوزع على أهل القرية وأصاب بيت المختار أكثر من نصف العجل بينما كانت أم خلو تصيح ترحموا على ابني كلو هنيئاً لكم ... ترحموا على روح ابني كمال .
وهكذا استطاع المختار المحتال أن يغدر بأم خلو وعجلها ولم يبق لها أيّ مصدر للرزق سوى بضعة دجاجات تبيض بيضاً ..
ويمر الأسبوع الأول فتلتقي أم خلو بالمختار وتسأله فيما إذا كان ابنها قد عاد وسأله سؤالاً في المنام. يقسم لها المختار أنه لم يلتقيه أبداً ولو التقاه سيخبرها ولكن المختار يقول لها لديك دجاج فلو صارت دجاجاتك مئة دجاجة قد يأتي ابنك في حلمي عندها سنرى ماذا يقول لي...
وهكذا بقيت أم خلو تصدق ما قاله لها المختار المحتال حتى قُبيل وفاتها جاء الخبر إليه يقولون بأنّ أم خلو على فراش الموت تودع وستغادر الحياة فذهب وأراد أن يستسمحها وحين سألته لماذا وعن ماذا تريد أن أسامحك يامختار فقال لها لقد كذبتُ عليك بشأن قصة ابنك والعجل والله ما كان قصدنا إلا أن نأكل لحماً.
بكت أم خلو وقالت يا ابن الحرام ابني هو ابني قصبتي ماجا ء في نومي لماذا جاء في نومك أنا كذلك كنتُ أسأل نفسي هذا السؤال لماذا لم يأت أبني في نومي ويأتي في نوم المختار؟. فطرده الحضور وقالوا ستحل عليك وعلى أولادك وذريتك اللعنة يا مختار وهكذا تحقق الدعاء وقولهم في ذلك المختار الخبيث حتى أنّ ذريته توزعت في بقاع الأرض.
وبقيت قصة أم خلو وعجلها في الذاكرة الجمعية حتى أتا من كتبها لكم أيها الأحباب.
وتعيشون وتبقون والله يعفيكم من المخاتير الخبثاء.
***
ألمانيا 22/3/1997م
شتاتلون . ألمانيا.