إسحق قومي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

في انتظار مهدي..

اذهب الى الأسفل

في انتظار مهدي.. Empty في انتظار مهدي..

مُساهمة من طرف إبراهيم رحمة الإثنين يونيو 16, 2008 6:08 pm

-
سيرجع أخوك مهدي هذا المساء .
سيرجع مهدي هذا المساء .. أخيرا سيرجــع .. رميت دفتـــر الدروس جانبــــا وأسرعت إلى الطابق العلـــوي ؛ ارتقيت السلالم كالسهم - كدت أتدحرج عند بعض الدرجات – وتوقفت .. توقفت وأنا ألهث أمام حجرة مهدي ؛ أمام باب الحجرة الذي ظل مغلقا ؛ لا أذكر أنه فُتح يوما ؛ بل كنت كل ليلة أنبطح قربه ؛ أتلصص أسفله حتى أني رسمت خلسة عند جانبه الأيمن – وأنا منبطح – صورة باهتة تخيلتها لأبي ؛ ولمحت وأنا ألهث ما رسمت ؛ ثم عدت إلى الطابق الأرضي ؛ إلى بهو الدار .. إذن سيرجع مهدي .. لم أعِـر الخبـــر اهتمامــــا كبيـــرا ، على الأقـل الإهتمـام الذي بدا على وجه أختي في صورة استبشـار وفرح عـارم ، أختي التي غادرهــا الإستبشـار مُـذ قُتـل زوجهــا من طـرف إرهابييـن . كمــا لـم أعتبــره حدثـا عاديـا ، فأخي الأكبر – الذي لم أره أبدا – لا بد وأن يكون جديرا بهذا الإهتمام وأن يحل مشاكلنا ؛ قال أخي الذي يكبرني بسنتين :
- ستـرون كيف ينصفنـي ." ربمـا يقصد مشاكل الميراث .. ميراث أبينا الذي لم نُصفِّه لحد الآن .. يا له من جبان ؛ لا يستطيع أن يوضح لنا إذا ما كان ينتظر من أجل الميراث أم من أجل مهدي " .
وقالت أختي أمل :
- إنه عاقل وذكي .
وسألتها :
- كيف تعرفينه ؟ أنا لا أعرفه .
كنـت ساذجــا فـــي سـؤالي ، ظننت لِلَحظــات أن الجميـع لا يعرفـه لأنني لا أعرفـه ، نظرتنــي أختـي نظـرة ازدراء ، فيها بعض الشفقة ، وقالت :
- هكذا ؛ دائما تسأل الأسئلة التافهة . حسنا ؛ إن أخاك إذا أمر الجبل يَخرُّ أمامه ؛ وإذا أشار إلى السماء اِنهمرتْ مطرا وغيثا .
ذكّرتني بالحلاج ؛ أحقا ما يزال في زماننا حلاج آخر .. ولم تقنعني الإجابة ؛ صحيح أنني صغير السن – لم أتجــاوز الرابعــة عشرة – وأسأل أسئلة تافهة – أحيانــا فقط – غير أن الإجابة لم تقنعني ؛ لذا اِستدرتُ ناحية أمي – كانت تُحضر بعضَ الخضروات لِطَهْيها – وسألتُ :
- صحيح ما تقوله هذه المجنونة ؟
انتهرتني الوالدة ؛ قالت : تأدب ؛ لا تقل عن أختك مجنونة .
سكتُّ ؛ سكتُّ وفي سكوتي العديد من الأسئلة ؛ قلت في صمتي: أسأل أخي عند عودته .
- اِفتح الباب . طبعا الأمر مُوجَّه لي. قصدت الباب ؛ إنه منتصر أخي : أ صحيح ما سمعته من الجيران ؟
- أجل ؛ ردت الوالدة وكأنها تعرف سؤاله ؛ أحقا حتى الجيران ينتظرون عودة أخي؛ يقولون أنه سمْح كريم مع الجميع ويؤثر الجميع وأنه آخر الأنبياء .. يقولون أيضا أنه شديد الشبه بأبي ؛ أمي هي الأخرى قالت مرة كلاما يشبه ما قاله الجيران .. قالت أن أبي لم ينجب غير مهدي .. أذكر أن منتصرا يومها خاصمها ثلاثة أيام كاملة .. وتساءلتُ : إذن لماذا غادرنـا ؟ وتجاهلني الجميع .. أحيانا أشعر أنني لست واحدا منهم .
- مــن عشريــن سنــة حمــل حقيبتــه وغــادر ؛ هــذه المـرة لا أظنـه يقيـم عنـدنـا ، أكيـد أنـه سيُغادرنا مرة أخرى . تحدّث منتصر.
- بل سيقيم ؛ ردّتْ أختي مستبشرة كعادتها .
- من عشرين سنة غادرنا ؟ سألتُ أخي متعجبا . أتراه يعرفني حينما يراني ؟
- تعال أريدك .
تَبعتُ أخي منتصر في صمت ؛ أدخلني غرفته ؛ منذ زمن لم يُدخلني غرفته ؛ قال لي أنه يحبني وشرح مَعزّته لي ؛ قال أيضا أنه يريدني إلى جانبه إذا احتاجنــي ؛ وسيعطينــي بعـض نصيبه من الميراث فهـو في غِنًى عنه ؛ لم أفهم الكثير من كلامه غير أنني أمّنتُ عليه ؛ ليس أمامي غير التأمين عليه . بدا الأمر في غاية التفاهة أن ينتظر الجميع أخًا غادر من زمن ولم يسأل يوما عنَّا – هكذا أخبرني منتصر – واليوم يقولون أن بيده خاتم سليمان – بالأحرى هكذا تقول أختي وأخـي الـذي يكبرنـي بسنتيـن – إذن لا بـد لي من انتظار مهدي؛ ربما يجيب عن أسئلتي أنا أيضا ؛ سؤال واحد فقط دوَّخني.
ويحل المساء ، لم أستطع تناول العشاء ؛ كنت في وقت سابق غير آبهٍ بالعودة المنتظرة لمهدي ؛ لكن الآن لا أجد رغبة في تناول حتى بعض العشاء ؛ كُلّي لهفة لِلّقاء المُرتقَب .أمي اشترت بعض الحلويات منذ الظهيرة وطلبت من أمل مساعدتها في تنظيف المنزل وتطوّع منتصر فأعانهما أنا كنت مضطرا لهذه الإعانة ؛ فبدأنا التنظيف بحجرة مهدي – لأول مرة أدخلها – قالت أمي أنها احترمت أخي في غيابه فلم تفتحها يوما - هل كانت تعلم بعودته منذ غادرنا أم كانت تنتظره فقط ؟ - ولم أشأ أن أسأل أمي ؛ أعرف أنها لن تجيبني ؛ كلما سألتها أو سألت أحدا من أخوتي لا يجيبني غير صدى أسئلتي وبقيت أجهل سبب رحيل أخي وحتى لونه ؛ ما هواياته ؛ بل أنا أجهل حتى وفاة أبـي وكيـف كـانـت ؛ كـل مـا أذكـره: عربـة طويلـة تحمـل التابـوت ومشيعــون – ربما كان بينهم من يبكي – وانتبهتُ من غوصي داخل بحر الماضي على صوت أخي الذي يكبرني بسنتين قائلا :
- السيارة في الخارج تنتظر يا أمي .
- حسنا .. إنها الساعة التاسعة ؛ سيقبل أخوكم بعد قليل لذا عليّ انتظاره في المطار .
تَرجَّتْها أمل أن ترافقها ؛ فأخذتها؛ غير أنها وهي تغادر تَوقّفتْ عند الباب لِتنظُرَ ناحيتي قائلة :
- ألا تذهب أنت الآخر ؟
- لا .. لا أريد أن أذهب – ربما تفاجأتْ لِقراري-
واستلقيتُ على الأريكة ؛ سأحضِّرُ أسئلتي ؛ لديَّ الكثير منها ؛ وهذا المساء بالذات سأعرف كيف أفتـكُّ أجوبتها . أنا لا يهمني ميراث أبي بقدر ما يهمني أبي
.

30 جويلية 1999
إبراهيم رحمة
إبراهيم رحمة
أديب
أديب

ذكر
عدد الرسائل : 27
العمر : 54
العمل/الترفيه : مهندس معماري-خبير قضائي
تاريخ التسجيل : 16/06/2008

http://rahmaalgerie.maktoobblog.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى