في انتظار مهدي..
صفحة 1 من اصل 1
في انتظار مهدي..
-
سيرجع أخوك مهدي هذا المساء .
سيرجع مهدي هذا المساء .. أخيرا سيرجــع .. رميت دفتـــر الدروس جانبــــا وأسرعت إلى الطابق العلـــوي ؛ ارتقيت السلالم كالسهم - كدت أتدحرج عند بعض الدرجات – وتوقفت .. توقفت وأنا ألهث أمام حجرة مهدي ؛ أمام باب الحجرة الذي ظل مغلقا ؛ لا أذكر أنه فُتح يوما ؛ بل كنت كل ليلة أنبطح قربه ؛ أتلصص أسفله حتى أني رسمت خلسة عند جانبه الأيمن – وأنا منبطح – صورة باهتة تخيلتها لأبي ؛ ولمحت وأنا ألهث ما رسمت ؛ ثم عدت إلى الطابق الأرضي ؛ إلى بهو الدار .. إذن سيرجع مهدي .. لم أعِـر الخبـــر اهتمامــــا كبيـــرا ، على الأقـل الإهتمـام الذي بدا على وجه أختي في صورة استبشـار وفرح عـارم ، أختي التي غادرهــا الإستبشـار مُـذ قُتـل زوجهــا من طـرف إرهابييـن . كمــا لـم أعتبــره حدثـا عاديـا ، فأخي الأكبر – الذي لم أره أبدا – لا بد وأن يكون جديرا بهذا الإهتمام وأن يحل مشاكلنا ؛ قال أخي الذي يكبرني بسنتين :
- ستـرون كيف ينصفنـي ." ربمـا يقصد مشاكل الميراث .. ميراث أبينا الذي لم نُصفِّه لحد الآن .. يا له من جبان ؛ لا يستطيع أن يوضح لنا إذا ما كان ينتظر من أجل الميراث أم من أجل مهدي " .
وقالت أختي أمل :
- إنه عاقل وذكي .
وسألتها :
- كيف تعرفينه ؟ أنا لا أعرفه .
كنـت ساذجــا فـــي سـؤالي ، ظننت لِلَحظــات أن الجميـع لا يعرفـه لأنني لا أعرفـه ، نظرتنــي أختـي نظـرة ازدراء ، فيها بعض الشفقة ، وقالت :
- هكذا ؛ دائما تسأل الأسئلة التافهة . حسنا ؛ إن أخاك إذا أمر الجبل يَخرُّ أمامه ؛ وإذا أشار إلى السماء اِنهمرتْ مطرا وغيثا .
ذكّرتني بالحلاج ؛ أحقا ما يزال في زماننا حلاج آخر .. ولم تقنعني الإجابة ؛ صحيح أنني صغير السن – لم أتجــاوز الرابعــة عشرة – وأسأل أسئلة تافهة – أحيانــا فقط – غير أن الإجابة لم تقنعني ؛ لذا اِستدرتُ ناحية أمي – كانت تُحضر بعضَ الخضروات لِطَهْيها – وسألتُ :
- صحيح ما تقوله هذه المجنونة ؟
انتهرتني الوالدة ؛ قالت : تأدب ؛ لا تقل عن أختك مجنونة .
سكتُّ ؛ سكتُّ وفي سكوتي العديد من الأسئلة ؛ قلت في صمتي: أسأل أخي عند عودته .
- اِفتح الباب . طبعا الأمر مُوجَّه لي. قصدت الباب ؛ إنه منتصر أخي : أ صحيح ما سمعته من الجيران ؟
- أجل ؛ ردت الوالدة وكأنها تعرف سؤاله ؛ أحقا حتى الجيران ينتظرون عودة أخي؛ يقولون أنه سمْح كريم مع الجميع ويؤثر الجميع وأنه آخر الأنبياء .. يقولون أيضا أنه شديد الشبه بأبي ؛ أمي هي الأخرى قالت مرة كلاما يشبه ما قاله الجيران .. قالت أن أبي لم ينجب غير مهدي .. أذكر أن منتصرا يومها خاصمها ثلاثة أيام كاملة .. وتساءلتُ : إذن لماذا غادرنـا ؟ وتجاهلني الجميع .. أحيانا أشعر أنني لست واحدا منهم .
- مــن عشريــن سنــة حمــل حقيبتــه وغــادر ؛ هــذه المـرة لا أظنـه يقيـم عنـدنـا ، أكيـد أنـه سيُغادرنا مرة أخرى . تحدّث منتصر.
- بل سيقيم ؛ ردّتْ أختي مستبشرة كعادتها .
- من عشرين سنة غادرنا ؟ سألتُ أخي متعجبا . أتراه يعرفني حينما يراني ؟
- تعال أريدك .
تَبعتُ أخي منتصر في صمت ؛ أدخلني غرفته ؛ منذ زمن لم يُدخلني غرفته ؛ قال لي أنه يحبني وشرح مَعزّته لي ؛ قال أيضا أنه يريدني إلى جانبه إذا احتاجنــي ؛ وسيعطينــي بعـض نصيبه من الميراث فهـو في غِنًى عنه ؛ لم أفهم الكثير من كلامه غير أنني أمّنتُ عليه ؛ ليس أمامي غير التأمين عليه . بدا الأمر في غاية التفاهة أن ينتظر الجميع أخًا غادر من زمن ولم يسأل يوما عنَّا – هكذا أخبرني منتصر – واليوم يقولون أن بيده خاتم سليمان – بالأحرى هكذا تقول أختي وأخـي الـذي يكبرنـي بسنتيـن – إذن لا بـد لي من انتظار مهدي؛ ربما يجيب عن أسئلتي أنا أيضا ؛ سؤال واحد فقط دوَّخني.
ويحل المساء ، لم أستطع تناول العشاء ؛ كنت في وقت سابق غير آبهٍ بالعودة المنتظرة لمهدي ؛ لكن الآن لا أجد رغبة في تناول حتى بعض العشاء ؛ كُلّي لهفة لِلّقاء المُرتقَب .أمي اشترت بعض الحلويات منذ الظهيرة وطلبت من أمل مساعدتها في تنظيف المنزل وتطوّع منتصر فأعانهما أنا كنت مضطرا لهذه الإعانة ؛ فبدأنا التنظيف بحجرة مهدي – لأول مرة أدخلها – قالت أمي أنها احترمت أخي في غيابه فلم تفتحها يوما - هل كانت تعلم بعودته منذ غادرنا أم كانت تنتظره فقط ؟ - ولم أشأ أن أسأل أمي ؛ أعرف أنها لن تجيبني ؛ كلما سألتها أو سألت أحدا من أخوتي لا يجيبني غير صدى أسئلتي وبقيت أجهل سبب رحيل أخي وحتى لونه ؛ ما هواياته ؛ بل أنا أجهل حتى وفاة أبـي وكيـف كـانـت ؛ كـل مـا أذكـره: عربـة طويلـة تحمـل التابـوت ومشيعــون – ربما كان بينهم من يبكي – وانتبهتُ من غوصي داخل بحر الماضي على صوت أخي الذي يكبرني بسنتين قائلا :
- السيارة في الخارج تنتظر يا أمي .
- حسنا .. إنها الساعة التاسعة ؛ سيقبل أخوكم بعد قليل لذا عليّ انتظاره في المطار .
تَرجَّتْها أمل أن ترافقها ؛ فأخذتها؛ غير أنها وهي تغادر تَوقّفتْ عند الباب لِتنظُرَ ناحيتي قائلة :
- ألا تذهب أنت الآخر ؟
- لا .. لا أريد أن أذهب – ربما تفاجأتْ لِقراري-
واستلقيتُ على الأريكة ؛ سأحضِّرُ أسئلتي ؛ لديَّ الكثير منها ؛ وهذا المساء بالذات سأعرف كيف أفتـكُّ أجوبتها . أنا لا يهمني ميراث أبي بقدر ما يهمني أبي
.سيرجع مهدي هذا المساء .. أخيرا سيرجــع .. رميت دفتـــر الدروس جانبــــا وأسرعت إلى الطابق العلـــوي ؛ ارتقيت السلالم كالسهم - كدت أتدحرج عند بعض الدرجات – وتوقفت .. توقفت وأنا ألهث أمام حجرة مهدي ؛ أمام باب الحجرة الذي ظل مغلقا ؛ لا أذكر أنه فُتح يوما ؛ بل كنت كل ليلة أنبطح قربه ؛ أتلصص أسفله حتى أني رسمت خلسة عند جانبه الأيمن – وأنا منبطح – صورة باهتة تخيلتها لأبي ؛ ولمحت وأنا ألهث ما رسمت ؛ ثم عدت إلى الطابق الأرضي ؛ إلى بهو الدار .. إذن سيرجع مهدي .. لم أعِـر الخبـــر اهتمامــــا كبيـــرا ، على الأقـل الإهتمـام الذي بدا على وجه أختي في صورة استبشـار وفرح عـارم ، أختي التي غادرهــا الإستبشـار مُـذ قُتـل زوجهــا من طـرف إرهابييـن . كمــا لـم أعتبــره حدثـا عاديـا ، فأخي الأكبر – الذي لم أره أبدا – لا بد وأن يكون جديرا بهذا الإهتمام وأن يحل مشاكلنا ؛ قال أخي الذي يكبرني بسنتين :
- ستـرون كيف ينصفنـي ." ربمـا يقصد مشاكل الميراث .. ميراث أبينا الذي لم نُصفِّه لحد الآن .. يا له من جبان ؛ لا يستطيع أن يوضح لنا إذا ما كان ينتظر من أجل الميراث أم من أجل مهدي " .
وقالت أختي أمل :
- إنه عاقل وذكي .
وسألتها :
- كيف تعرفينه ؟ أنا لا أعرفه .
كنـت ساذجــا فـــي سـؤالي ، ظننت لِلَحظــات أن الجميـع لا يعرفـه لأنني لا أعرفـه ، نظرتنــي أختـي نظـرة ازدراء ، فيها بعض الشفقة ، وقالت :
- هكذا ؛ دائما تسأل الأسئلة التافهة . حسنا ؛ إن أخاك إذا أمر الجبل يَخرُّ أمامه ؛ وإذا أشار إلى السماء اِنهمرتْ مطرا وغيثا .
ذكّرتني بالحلاج ؛ أحقا ما يزال في زماننا حلاج آخر .. ولم تقنعني الإجابة ؛ صحيح أنني صغير السن – لم أتجــاوز الرابعــة عشرة – وأسأل أسئلة تافهة – أحيانــا فقط – غير أن الإجابة لم تقنعني ؛ لذا اِستدرتُ ناحية أمي – كانت تُحضر بعضَ الخضروات لِطَهْيها – وسألتُ :
- صحيح ما تقوله هذه المجنونة ؟
انتهرتني الوالدة ؛ قالت : تأدب ؛ لا تقل عن أختك مجنونة .
سكتُّ ؛ سكتُّ وفي سكوتي العديد من الأسئلة ؛ قلت في صمتي: أسأل أخي عند عودته .
- اِفتح الباب . طبعا الأمر مُوجَّه لي. قصدت الباب ؛ إنه منتصر أخي : أ صحيح ما سمعته من الجيران ؟
- أجل ؛ ردت الوالدة وكأنها تعرف سؤاله ؛ أحقا حتى الجيران ينتظرون عودة أخي؛ يقولون أنه سمْح كريم مع الجميع ويؤثر الجميع وأنه آخر الأنبياء .. يقولون أيضا أنه شديد الشبه بأبي ؛ أمي هي الأخرى قالت مرة كلاما يشبه ما قاله الجيران .. قالت أن أبي لم ينجب غير مهدي .. أذكر أن منتصرا يومها خاصمها ثلاثة أيام كاملة .. وتساءلتُ : إذن لماذا غادرنـا ؟ وتجاهلني الجميع .. أحيانا أشعر أنني لست واحدا منهم .
- مــن عشريــن سنــة حمــل حقيبتــه وغــادر ؛ هــذه المـرة لا أظنـه يقيـم عنـدنـا ، أكيـد أنـه سيُغادرنا مرة أخرى . تحدّث منتصر.
- بل سيقيم ؛ ردّتْ أختي مستبشرة كعادتها .
- من عشرين سنة غادرنا ؟ سألتُ أخي متعجبا . أتراه يعرفني حينما يراني ؟
- تعال أريدك .
تَبعتُ أخي منتصر في صمت ؛ أدخلني غرفته ؛ منذ زمن لم يُدخلني غرفته ؛ قال لي أنه يحبني وشرح مَعزّته لي ؛ قال أيضا أنه يريدني إلى جانبه إذا احتاجنــي ؛ وسيعطينــي بعـض نصيبه من الميراث فهـو في غِنًى عنه ؛ لم أفهم الكثير من كلامه غير أنني أمّنتُ عليه ؛ ليس أمامي غير التأمين عليه . بدا الأمر في غاية التفاهة أن ينتظر الجميع أخًا غادر من زمن ولم يسأل يوما عنَّا – هكذا أخبرني منتصر – واليوم يقولون أن بيده خاتم سليمان – بالأحرى هكذا تقول أختي وأخـي الـذي يكبرنـي بسنتيـن – إذن لا بـد لي من انتظار مهدي؛ ربما يجيب عن أسئلتي أنا أيضا ؛ سؤال واحد فقط دوَّخني.
ويحل المساء ، لم أستطع تناول العشاء ؛ كنت في وقت سابق غير آبهٍ بالعودة المنتظرة لمهدي ؛ لكن الآن لا أجد رغبة في تناول حتى بعض العشاء ؛ كُلّي لهفة لِلّقاء المُرتقَب .أمي اشترت بعض الحلويات منذ الظهيرة وطلبت من أمل مساعدتها في تنظيف المنزل وتطوّع منتصر فأعانهما أنا كنت مضطرا لهذه الإعانة ؛ فبدأنا التنظيف بحجرة مهدي – لأول مرة أدخلها – قالت أمي أنها احترمت أخي في غيابه فلم تفتحها يوما - هل كانت تعلم بعودته منذ غادرنا أم كانت تنتظره فقط ؟ - ولم أشأ أن أسأل أمي ؛ أعرف أنها لن تجيبني ؛ كلما سألتها أو سألت أحدا من أخوتي لا يجيبني غير صدى أسئلتي وبقيت أجهل سبب رحيل أخي وحتى لونه ؛ ما هواياته ؛ بل أنا أجهل حتى وفاة أبـي وكيـف كـانـت ؛ كـل مـا أذكـره: عربـة طويلـة تحمـل التابـوت ومشيعــون – ربما كان بينهم من يبكي – وانتبهتُ من غوصي داخل بحر الماضي على صوت أخي الذي يكبرني بسنتين قائلا :
- السيارة في الخارج تنتظر يا أمي .
- حسنا .. إنها الساعة التاسعة ؛ سيقبل أخوكم بعد قليل لذا عليّ انتظاره في المطار .
تَرجَّتْها أمل أن ترافقها ؛ فأخذتها؛ غير أنها وهي تغادر تَوقّفتْ عند الباب لِتنظُرَ ناحيتي قائلة :
- ألا تذهب أنت الآخر ؟
- لا .. لا أريد أن أذهب – ربما تفاجأتْ لِقراري-
واستلقيتُ على الأريكة ؛ سأحضِّرُ أسئلتي ؛ لديَّ الكثير منها ؛ وهذا المساء بالذات سأعرف كيف أفتـكُّ أجوبتها . أنا لا يهمني ميراث أبي بقدر ما يهمني أبي
30 جويلية 1999
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى