"الخروج.."
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
"الخروج.."
يرتفع المؤشر إلى الحدود القصوى المقبولة وتسمع رنينا خفيفا يعلن الكارثة..
ليس أمامي غير آخر الحلول وليس أمامي متسع من الوقت للتفكير وليس أمامي أيضا - وربما يكون هذا احتمالا قويا - أي فرصة للنجاة..
أرفع بصري فيمتد فوق الصحراء الشاسعة بكثبانها المرعبة وهجيرها القاتل.. من غير المعقول أن تكون هذه الصحراء هي تلك المروج والبساتين التي لعِبتُ فيها ومرَحتُ صبيّا.. غيرُ ممكن أن تكون هذه الصحراء تلك الجنة التي رسمنا ظلالها بما حسبه أجدادي علما وتكنولوجيا.. هذا الحسبان الذي أفقدها الماءَ عنصرَ البقاء للخلايا.. وكنتيجة حتمية لهذا المآل فقد تأيّنت الخلايا.
بدأت الحياة تتغير بمجرد ثقب صغير؛ بسيط في طبقة الأوزون ذلك الغلاف الذي يحفظ كوكبنا؛ كوكب "جَانَّا"؛ ثم تسارعت الأحداث ليتحول الأوزون إلى دخان فيصير الحب سرابا والحلم الجميل كابوسا والعلم مصدر شقاء..
أعود ببصري إلى المقصورة حيث أقف أمام تجهيزات القيادة في المركبة السابعة التي تعتمد نظام النانو الذي يعتبر الأحدث بعد سلسلة التجارب. ثم أعود ببصري مرة أخرى ناحية المرأة الوحيدة التي آثرت البقاء معي دون تلكؤ أو تردد.. وفضلت البقاء رغم هول ما ينتظرنا.. إنها لا تسأل أبدا؛ كل ما تلفظت به ذات مرة جملة ربما اعتبرتها زلة لسان.. لقد قالت يوما:
- حقا ستختفي هذه الأرض خلف الدخان العظيم؟ سيذهب كل ما أمامنا من عوالم راقية ليحل محلها الموت؟
لم تعد لتسألني مرة أخرى.. ربما فضلت الصمت فما جدوى الكلام أمام الحتمية القادمة.. أجل سيذهب كل ما أمامنا من عوالم راقية ليحل محلها الموت لقد عمر بنو جنسنا هذا الكوكب وساروا فيه شرقا وغربا وخرجوا إلى فضاءات الكون.. لم يكن كل هذا إلا من أجل اللاشيء لنعود إلى العدم.. هل العودة إلى العدم حتمية؟..
يظل المؤشر مرتفعا إلى الحدود القصوى المقبولة ويظل الرنين الخفيف يعلن الكارثة..
كلما أمد بصري ناحية الأفق لا أرى غير الصحارى والدخان الكثيف يلفها.. أنادي: "إيفا" - بينما كنت أتمم آخر المراجعات على نظام المركبة – وأقول لها: "إيفا".. لا يمكننا أخذ أيّ كان من بني جنسنا؛ قرار صعب غير أنه أكيد؛ لقد تأينت خلايا الجميع؛ ومعامل النقاوة لم يعد له وجود.. لم يبق سوانا بخلايا أصيلة لم تتأين الأمرُ يُلزِمُنا البحثَ عن كوكب الماء.
ثم حولت بصري ناحيتها قائلا:
- يجب أن ننطلق لم يبق لنا متسع من الوقت.
دون أن تُعقّب راحت تضغط على جملة من المفاتيح؛ بصفة آلية تكرارية؛
- صلّي للخالق لأجل المغفرة؛ لقد تسببنا في نهاية عالم المسرة – قلت لها -
يتناهى إلى سمعي أزيز قوي لا يلبث أن يتحول إلى هدير غامر؛ تتحرك المركبة عموديا مخلفة سحابة كثيفة واسعة من الدخان يضاف إلى الدخان الذي يغمر أصلا ثلاثة أرباع الكوكب؛ بمجرد اختراق الغلاف الجوي ودخول الفضاء الخارجي قمت بتشغيل نظام التسيير الذاتي لتشق المركبة طريقها نحو المجهول.
- أفِق.. أفِق..
رحت بالكاد أفتح عيني تعبا وإرهاقا؛ كان وجه "إيفا" وهي توقظني شاحبا؛ لم أتعرف إليها بداية؛ ظننتها شبحا أو كائنا غريبا تسلل إلى قمرة القيادة؛ وعندما فتحت عينيّ جيدا واتّضحتْ ملامحُها اِبتسمتُ لها وأنا أوقن أن الرحلة تمضي بسلام؛ لم تمهلني لأبدأها الكلام بل واصلت قائلة بلهفة:
- أفِق.. أنظر هناك؛ هناك؛ أجل هناك..
كانت الرؤية من زاوية حادة؛ بصعوبة يتراءى لي خيال كوكب؛
- ماذا؟.. ما هذا؟ إيفا.. أحقا يا إيفا؟..
- أنظر؛ إنه كوكب فيه ماء؛
- أجل أنا أرى زرقته؛
- حبيبي لقد نجونا؛
- أظن ذلك.. المهم.. إبدئي عملية الإنزال..
في صمت كعادتها؛ تبدأ "إيفا" بتقنياتها الآلية عملية الإنزال؛ وتضبط اتجاهات الزوايا؛ يتحول الاتجاه الكلي؛ لتقترب المركبة شيئا فشيئا من الكوكب الأزرق..
- رغم أننا سنبدأ حياتنا من الصفر؛ إلا أن هذا لا يمنعني من الإقرار أمامك؛
أصمت برهة ثم أواصل:
- "إيفا" من دونك ربما تهت أو ربما انتهيت؛ أعدك لن أعيد أخطاء الماضي؛ لن نعيد أخطاء الماضي؛ أكيد سنحافظ على كوكبنا الجديد؛ أكيد..
- لكن – قلت معقبا- ماذا نسمي كوكبنا الجديد؟
- الذي يرضيك؛
- بل الذي يرضيك أنت؛ أجل يرضيك؛ نعم ليكن "أرْضَى".. "كوكب أرضى" أيُرضيك هذا؟ أيُرضيك؟..
- أجل حبيبي – جعلت "إيفا" تتمتم والمركبة تتهادى نحو الكوكب- أجل.. أجل حبيبي "آدم"..
ليس أمامي غير آخر الحلول وليس أمامي متسع من الوقت للتفكير وليس أمامي أيضا - وربما يكون هذا احتمالا قويا - أي فرصة للنجاة..
أرفع بصري فيمتد فوق الصحراء الشاسعة بكثبانها المرعبة وهجيرها القاتل.. من غير المعقول أن تكون هذه الصحراء هي تلك المروج والبساتين التي لعِبتُ فيها ومرَحتُ صبيّا.. غيرُ ممكن أن تكون هذه الصحراء تلك الجنة التي رسمنا ظلالها بما حسبه أجدادي علما وتكنولوجيا.. هذا الحسبان الذي أفقدها الماءَ عنصرَ البقاء للخلايا.. وكنتيجة حتمية لهذا المآل فقد تأيّنت الخلايا.
بدأت الحياة تتغير بمجرد ثقب صغير؛ بسيط في طبقة الأوزون ذلك الغلاف الذي يحفظ كوكبنا؛ كوكب "جَانَّا"؛ ثم تسارعت الأحداث ليتحول الأوزون إلى دخان فيصير الحب سرابا والحلم الجميل كابوسا والعلم مصدر شقاء..
أعود ببصري إلى المقصورة حيث أقف أمام تجهيزات القيادة في المركبة السابعة التي تعتمد نظام النانو الذي يعتبر الأحدث بعد سلسلة التجارب. ثم أعود ببصري مرة أخرى ناحية المرأة الوحيدة التي آثرت البقاء معي دون تلكؤ أو تردد.. وفضلت البقاء رغم هول ما ينتظرنا.. إنها لا تسأل أبدا؛ كل ما تلفظت به ذات مرة جملة ربما اعتبرتها زلة لسان.. لقد قالت يوما:
- حقا ستختفي هذه الأرض خلف الدخان العظيم؟ سيذهب كل ما أمامنا من عوالم راقية ليحل محلها الموت؟
لم تعد لتسألني مرة أخرى.. ربما فضلت الصمت فما جدوى الكلام أمام الحتمية القادمة.. أجل سيذهب كل ما أمامنا من عوالم راقية ليحل محلها الموت لقد عمر بنو جنسنا هذا الكوكب وساروا فيه شرقا وغربا وخرجوا إلى فضاءات الكون.. لم يكن كل هذا إلا من أجل اللاشيء لنعود إلى العدم.. هل العودة إلى العدم حتمية؟..
يظل المؤشر مرتفعا إلى الحدود القصوى المقبولة ويظل الرنين الخفيف يعلن الكارثة..
كلما أمد بصري ناحية الأفق لا أرى غير الصحارى والدخان الكثيف يلفها.. أنادي: "إيفا" - بينما كنت أتمم آخر المراجعات على نظام المركبة – وأقول لها: "إيفا".. لا يمكننا أخذ أيّ كان من بني جنسنا؛ قرار صعب غير أنه أكيد؛ لقد تأينت خلايا الجميع؛ ومعامل النقاوة لم يعد له وجود.. لم يبق سوانا بخلايا أصيلة لم تتأين الأمرُ يُلزِمُنا البحثَ عن كوكب الماء.
ثم حولت بصري ناحيتها قائلا:
- يجب أن ننطلق لم يبق لنا متسع من الوقت.
دون أن تُعقّب راحت تضغط على جملة من المفاتيح؛ بصفة آلية تكرارية؛
- صلّي للخالق لأجل المغفرة؛ لقد تسببنا في نهاية عالم المسرة – قلت لها -
يتناهى إلى سمعي أزيز قوي لا يلبث أن يتحول إلى هدير غامر؛ تتحرك المركبة عموديا مخلفة سحابة كثيفة واسعة من الدخان يضاف إلى الدخان الذي يغمر أصلا ثلاثة أرباع الكوكب؛ بمجرد اختراق الغلاف الجوي ودخول الفضاء الخارجي قمت بتشغيل نظام التسيير الذاتي لتشق المركبة طريقها نحو المجهول.
- أفِق.. أفِق..
رحت بالكاد أفتح عيني تعبا وإرهاقا؛ كان وجه "إيفا" وهي توقظني شاحبا؛ لم أتعرف إليها بداية؛ ظننتها شبحا أو كائنا غريبا تسلل إلى قمرة القيادة؛ وعندما فتحت عينيّ جيدا واتّضحتْ ملامحُها اِبتسمتُ لها وأنا أوقن أن الرحلة تمضي بسلام؛ لم تمهلني لأبدأها الكلام بل واصلت قائلة بلهفة:
- أفِق.. أنظر هناك؛ هناك؛ أجل هناك..
كانت الرؤية من زاوية حادة؛ بصعوبة يتراءى لي خيال كوكب؛
- ماذا؟.. ما هذا؟ إيفا.. أحقا يا إيفا؟..
- أنظر؛ إنه كوكب فيه ماء؛
- أجل أنا أرى زرقته؛
- حبيبي لقد نجونا؛
- أظن ذلك.. المهم.. إبدئي عملية الإنزال..
في صمت كعادتها؛ تبدأ "إيفا" بتقنياتها الآلية عملية الإنزال؛ وتضبط اتجاهات الزوايا؛ يتحول الاتجاه الكلي؛ لتقترب المركبة شيئا فشيئا من الكوكب الأزرق..
- رغم أننا سنبدأ حياتنا من الصفر؛ إلا أن هذا لا يمنعني من الإقرار أمامك؛
أصمت برهة ثم أواصل:
- "إيفا" من دونك ربما تهت أو ربما انتهيت؛ أعدك لن أعيد أخطاء الماضي؛ لن نعيد أخطاء الماضي؛ أكيد سنحافظ على كوكبنا الجديد؛ أكيد..
- لكن – قلت معقبا- ماذا نسمي كوكبنا الجديد؟
- الذي يرضيك؛
- بل الذي يرضيك أنت؛ أجل يرضيك؛ نعم ليكن "أرْضَى".. "كوكب أرضى" أيُرضيك هذا؟ أيُرضيك؟..
- أجل حبيبي – جعلت "إيفا" تتمتم والمركبة تتهادى نحو الكوكب- أجل.. أجل حبيبي "آدم"..
18-04-2008
رد: "الخروج.."
ههههههههه هلا بك أستاذ ابراهيم وكأنني أمام فيلم من الخيال العلمي تفجر مركبة فضائية ونجاة روادها بمعجزة لك أسلوب جذاب في السرد شكرا لك
تحياتي وودي
تحياتي وودي
هناءالمهنا- ضيفة الشرف
-
عدد الرسائل : 36
تاريخ التسجيل : 16/06/2008
لكم هذا الفضاء ..مرحبين بكم أهلاً...اسحق قومي
لم تعد لتسألني مرة أخرى.. ربما فضلت الصمت فما جدوى الكلام أمام الحتمية القادمة....
أنثر في فضاءات المملكة مايحلو لك...أهلا بك
مع مودتي
اسحق وعبد الأحد قومي
ألمانيا 22/6/2008م
أنثر في فضاءات المملكة مايحلو لك...أهلا بك
مع مودتي
اسحق وعبد الأحد قومي
ألمانيا 22/6/2008م
مواضيع مماثلة
» " تحولات.. "
» " عندمـــا.. "
» جــولة روحــية وجلــسة أدبية على ضفـــاف قصيدة " رسالة إلى الحلاج لم تقرأ بعد " لصاحبهــا الشاعر الحبيب إسحق قومــــي
» جــولة روحــية وجلــسة أدبية على ضفـــاف قصيدة " رسالة إلى الحلاج لم تقرأ بعد " لصاحبهــا الشاعر الحبيب إسحق قومــــي
» "نحن العرب القدماء"
» " عندمـــا.. "
» جــولة روحــية وجلــسة أدبية على ضفـــاف قصيدة " رسالة إلى الحلاج لم تقرأ بعد " لصاحبهــا الشاعر الحبيب إسحق قومــــي
» جــولة روحــية وجلــسة أدبية على ضفـــاف قصيدة " رسالة إلى الحلاج لم تقرأ بعد " لصاحبهــا الشاعر الحبيب إسحق قومــــي
» "نحن العرب القدماء"
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى