إسحق قومي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أُمي والحُكماء.....بقلم اسحق قومي

اذهب الى الأسفل

أُمي والحُكماء.....بقلم اسحق قومي Empty أُمي والحُكماء.....بقلم اسحق قومي

مُساهمة من طرف اسحق قومي الأربعاء مايو 20, 2009 6:03 pm

أُمي والحكماء

بقلم: اسحق قومي

عندما كنتُ شاباً في مقتبل العمر، كنتُ أجلسُ بجانبِ أُمي وهي تُخيط لنا ثيابنا أو ترتقها..وكانتْ تقولُ لي: يا بُنيَّ عليكَ أن تتعلمَ كيفَ تحققُ هذه ِ الأمور...وكنتُ أُسارعُ إلى أسئلتها وأيُّ أمور ٍ تقصدينَ يا أُماه...؟!!! طبعاً سأعطيكم لمحة ً موجزةً عن أُمي.
فأُمي لم تكن متعلمة، ولم تعرف في حياتها أن تهجت اسمها وكيف يُكتبْ ،أُمي لم تكن معلمة ولا حتى مدرسة لأي لغة ٍ كانتْ.بل كانت قد تعلمت في مدرسة الحياة بكلِّ بساطتها وعزة النفس وكيف تنام جائعة ً ولا تقولُ لزوجها بما تُعانيه. أُمي لم تكن تعرف الفلسفة ولا علوم الرياضيات وحتى أنها لم تكن تعرفُ أسماء الأشهر كما تعلمناها. لكن أُمي كانت تحمل شهادة تستطيع أن تستفيد منها وتُفيد في أيام المحن وغدر الزمانْ.ولن أُطيل عليكم وصف أُمي لئلا تتهموني بأنني مُصاب (بعقدة أوديب).
فماذا كانت تلك الأمور؟!!!
كانت تقولُ لي يا بُنيّ إنْ كبرتَ عليك أن تبقى صغيراً، وإنْ تعلمت تعلم كيفَ تُماثل البسطاءْ، وإن أغناك عقلكَ روض نفسكَ على أن تبقى فقيراً، وإذا أصبحتَ معلماً عليكَ أن لا تغتر بشهادتكَ بل أبقى تلميذاً في مدرسة الحياة، وإنْ أصبحتَ حاكماً فتعلم كيف تقضي بين الناسْ، وإنْ مررت يوماً بعزيز قوم أتى عليه الزمان عليك أن تتعظ منهُ وبه ِ. وإن حضرتَ مجلساً أسمع لئلا يأخذك الغرور.فتفقد عزيمتك ومنزلتكَ...وإنْ بُليت بظالم دعهُ فله تلك الساعة واليوم الذي يستوفي الله لكَ حقكَ منهُ ...ولكن عليك أن تتعلم كيف تكتبُ ما تراه ُ للبقاء...طبعاً أستدرك ما يجب أن أقوله لكم عن أُمي.فقد كانت قد سجرت تنورها بأوراق ٍ كتبتُ عليها قصائدي التي تركتها على الطاولة الكبيرة الخشبية ذات اللون الأزرق الذي أشتريتها من ابن جارنا وأخي وصديقي الفنان حسن حمدان.وفي الغرفة الصغيرة حيثُ كنتُ أنا وأخي الياس نقرأُ بها. في تلك الليلة المتأخرة تركتُ أوراقي عليها وأغلب ما كتبته من شعر ٍ وقصص كانت على الطاولة.في الصباح جاء أخي الصغير عبد الأحد...من يعرفُ عبد الأحد فليكتب لنا على البريد اللأكتروني الممغنط ما يعرفه عن هذا الفارس . فارس الكلمة الذي لم يكن يستعصي عليه التفكير يوماً بأية مسألةٍ...ذاك الشاعر الذي كان يرسم حقول المعرفة...ذاك الذي رفض أن يُهاجر رغم المتاجرين بدمه...ذاكَ الذي سيبقى رغم كلّ السخافات وفقاعات الصابون .....ذاك الذي يرسم الآن دروباً للتائهين ....لكنه كان يفتقد لشيء ٍ واحد وهو أنه لم يكن يُجيد لغة التجارة الحرة التي ستنقلب قريباً على أصحابها الخاسرين.أجل رمى أخي عبد الأحد كلّ أوراقي على الأرض... وجاءت أُمي في الصباح إلى غرفتنا الصغيرة ظنت أن تلك الأوراق رميناها على الأرض لأنها غير مهمة ٍ،فراحت وأخذت جميع تلك الأوراق المرمية وسجرت بها التنور الذي كنا نأكل منه الخبز الذي تفوح رائحته الزكية والتي فقدناها يوم تعاملنا مع الأفران الآلية والخبز الذي لا يحتوي على بعض ٍ من النخالة التي تفيد ما تفيد.وعندما عدنا أنا وأخي الياس من المدرسة لم أجد الأوراق على الطاولة. سألت أمي فقالت الله لقد سجرتُ بها التنور يا بنيّ مع (الجلة) وكم ساعدتني على حرق الجلة بسرعة. عندها صحت بأمي يا أماه تلك الأوراق كانت تحتوي على قصائدي حَزنت حزناً شديداً ولكن بعد فوات الآوان..........كنتُ قد قلتُ: لكم أنَّ أمي لم تكن تعرف القراءة ولا الكتابة.....لكنني في ذاك الوقت كنتُ أجهل ما الذي تُريدهُ مني أُمي..(رحمة الله عليكِ يا أُمي).وحين كَبِرتُ علمتُ أنها كانت تزرع بساتيناً لا تجفَّ حتى لو قسى عليها الدهر وأمحلت الأرضْ وما عاد المزن يسقي الفيافي والقفارْ.كانت تعلمني كما إخوتي وأخواتي دروساً أبلغ من أن يتعلمها طلاب الجامعات أو المعاهد.وكانت تُذكرني دوماً وتقول لي: يا ولدي هناك مثلاً تعلمناه من أجدادنا يقول المثل) لو رحت(ذهبتَ) إلى بلد العور أعور عينكَ). الله كم لهذا المثل من معنىً أنه الديالكتيك قبل أن يكتشفه بإبداعه هيجل هذا الفيلسوف الألماني الذي أثرَّ على كتابات أنجلس وماركس.والمثل واضح في علوم النفس حيث يلزم الإنسان أن يتماثل ويُماثلُ الواقع وأبعد من ذلك فهو يفيد القدرة والحكمة لمن يطلبهما. فحين تدخل أي مجتمع ٍ فعليك أن تتكيف معهُ وأن تعرف أن الذكاء يكمن في قدرتك على كيفية أن لا تواجه ذاك المجتمع ولا تغايرهُ في الشكل العلني للمواجهة لأنك لا تستطيع أن تغيره.بل عليك أن تعرف كيف توظف قدراتك الذكائية في تدمير سخافاته وأساطيره المهترئة وتعيد صياغتها من جديد بالطريقة التي تراها مناسبة.وأكثر من ذلك فالمثل يؤدي بنا إلى أن نبحث عن جذور القيم في ذاك المجتمع وندرسها دراسة العالم لنقوم بعد ذلك بحرقها إن كُنا على قدرة من الذكاء.وأتذكرُ معلمنا ماجد شماس ذاك المعلم في مدرسة السريان الأرثوذكس بالحسكة (إعدادية البحتري) الذي علمنا قانون لافوازيه الذي يقول لاشيء في الطبيعة يفنى...(إن كنت موجوداً على قيد الحياة فإني أُحييك يامدرسي وإن كنت قد فارقتها فالرحمة لكَ ..هكذا علينا أن نؤدي التقدير لمن علمونا )...وعلمتني شيئاً آخر أتذكرهُ جيداً حيث كانت تردد عليّ قولاً مشهوراً( إذا ربعك( رفاقك) جنّوا عقلك لا يفيدكَ)...فما فائدة الذهب في أيدي أحد المجانين؟؟؟؟؟
وعلمتني أن أتواضع لا أن أتضع وبالطبع كانت تقولها بلهجتنا البسيطة.لأن في التواضع فوائد جمة.ستعرفها فيما بعد يابني.
وأتذكرُ كنا نقول لأي رجل ٍ يمرُ من جانبنا وهو أكبر منّا سناً. نناديه( يا عماه). حتى لو كان ذاك الرجل ليس من أسرتنا الصغيرة وحتى الكبيرة... فقط لمجرد أنه ابن حارتنا أو بلدتنا.فأين تلك الأخلاق التي تربينا عليها.واليوم يعيش المجتمع في أي أرض ٍ أزمة حقيقية في الأخلاق.ولستُ ساذجاً لدرجة تظنون أنه لم يكن في وقت أُمي هناك من الأسر التي كانت على عكس ما ربتنا عليه أُمي.لا بل كانوا يربون أبناءهم على الحقد والكراهية والغطرسة واضطهاد الآخر.وكانت تربيتهم تفوح منها رائحة العفونة وتتجلى في أبشع صورها، أجل لكن القاعدة العامة كانت الأخلاق الحميدة.
فأمي غرست فينا بساتيناً لا تشبه بساتين الآشوريين على ضفاف نهر الخابور التي كانت تحوّل شُطآنه وضفافه إلى جنان ٍ ولكنها اليوم تحولت إلى صحارٍ ويبستْ وذلك من خلال الغايات التي في نفس يعقوب.وياليتَ يعقوب يتنحى بعيداً لنقول من خلال العلوم النفسية أنهم أرادوا أن يستبدلوا تلك الجنان التي تعبَ بها الآشوريون طوال حياتهم وكانت مصدر معيشتهم ودخلاً قومياً في النتيجة.تحولتْ إلى ضفافٍ تشكو الزمان وأهله وغدرهم.
وكانت أُمي تربي فينا الأدب والعلم وحبّ المعرفة وكيف نطوّر بأدواتنا الكتابية فنون الجمال رغم أنها لم تكن صديقة ليوناردو دافنشي ولا حتى تعرف علم الأستطيقا.وأعترفُ أن أُمي أجادت صناعتنا في هذه الأمور.
لأنني تعرفتُ هنا في ألمانيا على أحد المتعلمين لا بل لنقل لقد أستطاع أن يمحو أُميته يُنادوه بالحكيم وعلى علمي المتواضع به والذي تجاوز عقداً ونصف العقد.فهو أديب وشاعرٌ وفنان تشكيلي يعيش كباقي الناس ...عندما أمارس ما تعلمته من أُمي أمامه ...يعترف لي بأنني أجيد صناعتي بكل مهارة ٍ..ويسميني بالاسم الذي أستحقهُ. فشهادته ليست قابلةً لأن توضع في سوق المزاودة العلنية أو السرية ولا تدخل في حسابات العروض التي ابتلينا بها حيث كانوا يسرقون الدولة ومن عليها من خلال تلك الظروف المختومة والتي كانت كلها صورية فلا يرحمك الله يا أرسطو لأنك علمتنا (المنطق الصوري) وعشنا بين قوم ٍ(أغلبهم) لا يُقيمون للمنطق وزناً ولا قيمةً....بل تمترسوا خلف النفاق وطنوه باقٍ ٍ، وعاشوا على اضطهاد الآخر وظنوا أنفسهم أنهم سجلوا ذواتهم في سجلات الخلود والعفونة تفوح من كلِّ ما خلفوه. بنوا سياجات ٍ مهترئة تقوى عليها أقل الرياح الخماسية التي لا زالت تضرب جزيرتنا السورية كل عام أكثر من خمس مرات. وتحول الجو إلى حالة تؤدي إلى الغثيان وكأنَّ القيامة قامت هناك. فكم من طفل ٍ لديه الربو قد مات خنقاً من تلك الرياح والغبار والأتربة.وكم من شيخ ٍ فارق الحياة وخلدَّ موته تاريخ الغبار. لكن من سيكتب تاريخ الجزيرة وفصوله ونحن نرى ازدياد عدد الكتاب والشعراء والمزورين في تاريخ الأحداث....لم يعد المؤرخ النزيه وكلٍّ يدعي النزاهة في أرض تحتاج أشد ماتحتاج إلى الاعتراف بالآخر.؟ولأنّ قول ابن خلدون يصح في هذا المقال:فأننا نجد أن نُذكرَ علّ الذكرى تنفع المخربين.فلا الشجر يُزرع ولا من حارس ينفعْ.وحتى من لديه رأفة بذاك الشجر فإن موت الأغنام يُثير القرف.فلا بدّ من أن يتم رعي وقطع تلك الأشجار لأنه لا حسابات في دائرة أو غرفة الأعلاف لعدد الرؤوس الحيوانية في الجزيرة السورية ولأن أصحابها يرشون عدادين الغنم في الدائرة المالية لهذا نرى الجزيرة تتصحر بفعل قحط السماء والبشر..ولو قرأنا تاريخ الجزيرة السورية القديم سنجد أن أرضها كانت تغطيها الغابات حتى أن الوحوش كانت تعيش بين تلك الغابات وخاصة في أراضي رأس العين التي أسمها الحقيقي( راش عينا) وليس كما يدعي من يريدون تغيير التاريخ وتزويره....لأنهم لو استمروا في تغيير أسماء الأماكن والبلدات لوقعوا في نفس الخطأ الذي وقع فيه غيرهم ومن سبقوهم.ولأنّ أسماء تلك المدن والأماكن موجود في المتاحف الغربية ومسجل في العنترنيت ومع عليك لتتأكد من صدق الادعاء أو كذبه بأن تضع الكلمة في الباحث عموّ (كوكل) لتجد الحقيقة وعندها تتأسف لقومٍ عاشوا على التزوير كما كان يقوم بها بعض كتّاب العرائض حول سرايا مدينة الحسكة حيث كانوا يستغلون البسطاء على كتاباتهم المنمقة.وكل كلمة شبر حتى كانت تُقاس بالفتر.....والحديث ذو شجون ونفسي تهيم بها حد الجنون ..وأنا لا أستطيع أن أغيرّ الواقع المجنون.بل أستطيع أن أهدم حصوناً بصراخي وهذا ما علمتني إياه أُمي ذات يوم.في الختام علمتني أمي أن أُجيد لغة الحوار ...على أساس المكافئة.وعلمتني أن أُجيد فن الإقناع والقدرة على تعامل العقل وكيف استهلك العالم معرفياً وكيف أُعيد إنتاجه..وكيف أخاطب البسطاء دون النظر إلى ما أمتلكه في عقلي من قدرات ٍ حين أخاطب الحكماء. شيء آخر سنورده لكم هناك قصة لي كتبتها منذ المرحلة الثانوية بعنوان( معادلة من الدرجة صفر),فهي ليست معادلة رياضية ولا فيثاغورية ولا اقليديسية ولا حتى تتناول ثابت بلانك. ولا تدخل في مجال الهندسة الفراغية ولا العلوم الجبرية التي أختلف عليها العرب والهنود.بل هي ببساطة فن محاكاة الواقع المر في زمن مات فيه الضمير وتفسخت وتعفنت فيه الأخلاق ولا داعي للقلق ما دمنا نودعكم على أمل اللقاء بكم في حكاية جديدة.وربما في نزهة فكرية جديدة.
وهنا أتوقف قليلاً لأنكم مللتم مني ونلتقي على رصيف ٍ آخر كي نذكّر الصغار على أن الكبير الذي يسير لا يمكن اللحاق به وإن ظنوا بأنهم أصبحوا أكبر منه مقاماً.يقول المثل  من يسير وراء الناس لايمكن اللحاق بهم)...طبعاً ماداموا في حالة مستمرة للمشي المثمر.
مع تحياتي أنا صديقكم المهاجر قسراً لظروفه المالية في زمن التجار والتجارة القاتية وفلاسفة المدن المنسية...ولكنه أمضى من كلِّ الأسلحة الذرية والنووية...إذا لم تصدقوني عليكم أن تقرأوا في السجلات العالمية.فهي جهينة وعندها الخبر اليقين...والسلام لجميعكم ومن يستحقه..
***
اسحق قومي
ألمانيا/20/5/2009م
اسحق قومي
اسحق قومي
المدير العام
المدير العام

ذكر
عدد الرسائل : 835
العمر : 75
الموقع : https://alkomi.yoo7.com/profile.forum
العمل/الترفيه : معاقرة الشعر والأدب والتاريخ والإعلام والسياسة
المزاج : حسب الحالة
تاريخ التسجيل : 13/06/2008

https://alkomi.yoo7.com/profile.forum

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى