إسحق قومي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

بيتنا الكبير...بقلم المهندس أبدل يوسف أبدل

اذهب الى الأسفل

بيتنا الكبير...بقلم المهندس أبدل يوسف أبدل Empty بيتنا الكبير...بقلم المهندس أبدل يوسف أبدل

مُساهمة من طرف أبدل يوسف أبدل السبت مايو 30, 2009 12:36 pm

بيتنا الكبير

(سينهار هذا الجزء من السقف إذا استمر هطول الأمطار و عصف الرياح بهذا الشكل الغريب .
كان علينا ترميم البيت قبل حلول الشتاء... )
كان هذا ما قالته والدتي صباح اليوم, مشيرة بيد مرتعشة إلى ذلك الجزء المهدد بالسقوط من سقف بيتنا القديم, بينما كنا نتناول طعام الإفطار مجتمعين كما لم نفعل منذ زمن بعيد.
صمت ثقيل خيم علينا بعد تلك الكلمات الممزقة التي ظلت أمي ترددها صباح كل يوم منذ بدء الشتاء , بينما كان كل واحد فينا ينظر إلى أخيه مترقباً أن يعلق أحدنا شيئا على الموضوع ,لكننا استمرينا بتناول طعامنا على عجل مراقبين بأطراف عيوننا ذلك الحزن العميق الناضح من كلماتها بعد أن استشعرت لا مبالاتنا التي اتسمنا بها في الفترة الأخيرة .
و بالرغم من أننا كنا نعيش تحت سقف بيت واحد إلا أن علاقتنا كاخوةٍ بدأت بالفتور مؤخراً ... أصبحنا نشعر بغربة الأشياء من حولنا, حتى أضحت مشاكل البيت الكبير وهمومه الكثيرة أموراً لا تعنينا.
أين تبخرت صور الماضي التي ظلت تربطنا طوال سنين بهذا البيت الكبير ؟؟
أين توارت تلك المشاعر الدافئة التي ظلت تلفنا بوشاح دافئ من المحبة و الحنان حتى وقت قريب؟؟
أسئلة محيرة ظلت تشاكس أفكاري كلما تمعنت فيها أنا الأخ الأصغر بين اخوة لا يكترثون .
بقيت صباح ذلك اليوم في البيت برفقة والدتي التي انشغلت ببعض الأعمال المنزلية التي كانت ما تزال قادرة على القيام بها ,راقبت ذلك الجزء من السقف الذي تحدثت عنه أمي ,فكرت بطريقة لإصلاحه...حضّرت بعض الطين و حاولت جاهدا رأب ذلك الصدع المخيف , رغم أني كنت متأكدا من عدم مقدرتي على فعل شيء دون مساعدة اخوتي ...
كانت أمي تراقبني بعين من الرضى رغم قناعتها من عدم جدوى محاولاتي البسيطةِ التي كانت تعني لها الشيء الكثير.
استمر هطول الأمطار بغزارة مساء ذلك اليوم الرهيب... وقع القطرات الراشحة في ذلك الإناء القديم كان يثير في نفسي مزيدا من اليأس و الحزن الكبير .
خلدت أمي للنوم باكراً و بقيت برفقة اخوتي الذين انصرفوا كعادتهم في نقاشات عقيمة غالبا ما كانت تثير غضبي و قرفي من هذه الحال المأساوية التي توصلنا إليها في وقت كنا فيه بأمس حاجة إلى ما يجمع أوصال علاقتنا المهددة بالتمزق و الانقطاع .
تحدثت مع اخوتي بشأن إصلاح البيت قبل انهياره على رؤوسنا ...حدثوني عن اتفاقهم على بيع جزء من حديقته الفسيحة لجارنا الوافد إلينا من حيث لا ندري , كان يسيل لعابهم بينما كانوا يتحدثون عن المال الذي سنحصل عليه و بالبيت الذي سيبنيه كل واحد فينا بعيدا عن بيتنا الكبير.
حاول جارنا مرارا شراء بيتنا القديم لكن والدتي أبت أن تفرط بأي جزء منه رغم قسوة الظروف التي عصفت بنا في الماضي القريب .
بعد مرور فترة لم تكن بالطويلة ابدا, تمكن جارنا البغيض من استملاك حديقة بيتنا القديم ...
تلك الحديقة الجميلة التي كانت تظللنا تحت شموخ أشجارباسقة ظلت تحدثنا عن ماض دافئ ربما لن يعود ذات يوم.
تنازل اخوتي عن حصصهم مقابل مبلغ مغر من المال و قاموا ببناء بيوتهم التي كانوا يحلمون بها.
بيوت اسمنتية جامدة المشاعر كقلب وحيد ..كئيبة الألوان كيوم خريفي حزين .
هكذا ظلت تدور رحى حياتنا كل يوم بعد ذلك الشتاء الطويل ....
جار بغيض لا حدود لأطماعه الدفينة و أحقاده العمياء .
و اخوة ما عادوا يكترثون ببيت دافئ كبير كان يضمهم تحت جناحيه بمحبة عظيمة لا تعرف الأفول...
و بيت قديم ما زال معرضا للسقوط في شتاءات قادمة ستكون .
و ام مريضة لا تزال تراقب كل يوم عودة أبنائها التي ظلت تحمل صورهم هناك في أعماق ذاكرة لن تموت.

أبدل أبدل

أبدل يوسف أبدل
شــاعر
شــاعر

ذكر
عدد الرسائل : 6
العمر : 50
الموقع : سوريا
العمل/الترفيه : مهندس زراعي
تاريخ التسجيل : 30/05/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى