أرسلها لنا إسماعيل طه ....تراث الجزيرة يستغيث

1 من 3
العرس ( بدوما ) والطبل ( بحرستا ) وتراث الجزيرة يستغيث !!؟
 كتب : إسماعيل الطه
نهدف بالطبع تسليط الضوء اليوم على تراثنا الشعبي التزاماً منا جميعاً نحن أبناء الرعيل الثاني وكذلك الأمر ينطبق على الشباب المثقف الملتزم بقضايا الأمة العربية للحفاظ على التراث من السرقة والتشويه وعولمته وتراث الجزيرة السورية غني جداً وينفرد بخصوصية عالمية لكونه يشكل لوحة فسيفسائية ولا أجمل ، من هنا تم استعارة المثل الشعبي الدارج في بلاد الشام « العرس بدوما ، والطبل بحرستا » كناية من عملية الخلط بين الأشياء وتراجع القيم وتأثر الشعوب بثقافة « السندويش» والكوكو كولا ، فتغيرات عالم اليوم أفقدت الحياة أشكال كثيرة كانت من خصوصيتها وطبيعتها ، فقد أصبح كل شيء متسارع الحركة والإيقاع حتى الرقص الشعبي فقد هويته وتميزه وأصالته وانضم بإيقاعه إلى سنة العصر «العولمة» !! التي أفسدت كل ما هو جميل وأصيل ومعبر في حياتنا الفنية والثقافية والاجتماعية ومناسباتها المختلفة بالرقص والإيقاع الذي يميز كل مناسبة عن غيرها وكل فئة من الشعب عن مثيلتها فأصبح الإيقاع السريع الصاخب يجمع العالم معبراً عن الضجر والملل وفقدان الأمل ، ومناسبة الحديث اليوم عن الفلكلور هي التقاء عدد من المهـتمين والباحـثـيـن في صالة النـجوم بمدينة الحسكة – على القــرب من قريــة تل طويل مرشو للمشاركة بعرس الشاب محمد الحمادي المشهداني الذي شاركناه أفراحه أمام جمع غفير من المدعوين جمعت أطياف عديدة من ابناء الحسكة وقد كان من بين المدعوين الباحث والــــشاعر عـــلوش عسّاف حيث اغتنمنا وجوده وتوجهنا اليه بعدة أسئلة وأهمها كان ما هو الفارق بالأعـراس بين الماضي القريب والحاضر ، فعلى صوت الموسيقا والطبل أحياناً أوضح لنا الشاعر أبو منهل قائلاً : الرقص الشعبي أو الدبكة بمفهوم أهالي الجزيرة هي القيام بضرب الأرجل بالأرض
للتعـبـيـر عـــن القوة والحيوية المرتبطة بالعمل في الأرض والتي تعبر عن ذلك بالخصب والعطاء أو الأحتفال بقدوم الربيع وما يرافق ذلك من أعياد كثيرة ولكن بالماضي أيضاً كان للزواج فصول أما بالربيع دوران الدورة الدموية وحلول الخصب بكل أنواعه أو بعد أعمال الحصاد والبيدر دلالة عن مردود الموسم وتوفر السيولة المالية والقوة الشرائية أما اليوم أصبح كل شيء باهت من حالات الرقص التي تفقد جاذبيتها وعنفوانها إلى طبيعة البشر من عزلة مصنعة ومجاملات باهتة أيضاً يضيف الشاعر العساف : كنا في السابق نقصد أية ( دبكة ) احتفالية وطنية أو عرس شعبي دون أخذ أذن بالمشاركة أو الدعوة لكننا اليوم نلتزم بموعد الدعوة وساعة الحضور والأنصراف والمساهمة ( بالدبكة ) خشية من عتب أصحاب الدعوة وليس حبا بالمشاركة ومخالطة الفتيات والرقص بإثبات القوة والـعزيمة وإظهار حالات فنية ومهارات فردية لا تتوفر عند الجميع سواء الشباب أو الصبايا ، وفي جانب آخر التقينا الأخ والقريب سليمان السليم أبو داوود مختار قرية خشام بمنطقة تل بيدر أضاف التالي : كنا في السابقة عندما نعلم بوجود عرس في أية قرية بالمنطقة نتـــــسابق تاركـين المال والحلال لأنها فرصة ثمـينة للقاء المحــبــيـن والمعجبين من كلا الجنسين وفي إحدى ســــنوات الربـيع الجـيد عــــلمنا بـوجــــود عرس بقرية ( ضبعة وضبعان ) وتركت قطيع الغنم برفقة ابن عمتنا المدعو أبو هيثم ووقتها كان عمره لايتجوز العشرة اعوام , وذهبنا إلى العرس ورافقني معظم شباب القرية وحينها في ذلك النهار أصبحت القرية خالية من كل الرجال ولو أن هناك نية سرقة لأغنام المنطقة لكانت الأعراس هي أفضل مناخ للسرقة ، ولكن حالة الأمن والأمان المتوفرة بالبلد بشكل عام خلق مناخ المشاركة مع الجوار بأفراحهم وأتراحهم وهي سمة المحافظة وسورية عامة 0
الباحث الدكتور احمد الدريس وهو شاعر قبل كل شيء وفي أكثر من مناسبة تجده دوماً مولع بالتراث الشعبي وهو من أوائل الباحثين بتراث الجزيرة ولديه مخطوط كبير عن التراث الـشعبي ففي ما طرحناه من ســؤال عن هوية الدبكة « الجزرية »

أجاب بالقول : من الواضح أن المشاركين فيما ذهب إليه الشاعر علوش عساف كثر بقضايا التراث سيما إذا علمنا أن تراث الأجداد في خطر سواء من راكبي موجة العولمة أو تيارات فكرية مبتورة والشواهد كثيرة وهذا ما سعى عليه المحتل الأمريكي المبني على ثقافة ( الكوبوي ) حيث سعى إليه المحتل أبان غزو العراق فالمتابع لمجريات أعمال النهب لاحظ أن أولويات المحتل السطو المسلح والمبرمج على متحف بغداد وجميع المواقع الذي يتواجد فيها تراث العراق وبعدها قام بتوظيف الأموال المسروقة لمسخ الهوية التراثية من فلكلور متجذر عبر آلاف السنين إلى عولمة حتى الطعام والشراب وليس بغريب على المحتل أينما وجد حيث سبق للكيان الصهيوني أن قام بسرقة التراث الفلسطيني ومن أعمال السطو أيضا على المأكولات الفلسطينية واللبنانية وآخرها كان قيام العدو الصهيوني بتسويق الأفكار والمعلومات في جعل هوية ( التبولة ) على أنها من أنواع المقبلات التي توضع على موائد الكيان الصهيوني المحتل وقد أثار هذا التصرف الأرعن ضجة إعلامية بين الكيان الصهيوني والقطر اللبناني الشقيق .
أما عـــن أنـواع الـــدبكات أو الرقصات الشـعبية في الجزيرة الســورية فــهي عـــديدة نـذكـــر منها على ســـبيل المثال لا الحصر وكي لا نفـــسد معـلوماتنا ضمــن مخـــططـــنا ( موسوعة التراث ) فهــناك دبكة ( الجولاقية ) وهي من أجمل الــدبكات في مــنطـقـتـنا الجزيرة وهناك تشابه مع مثيلتها العراقية لكنها عــندنا أخف بالإيقاع ثم دبكة المولية الــديرية ودبكة الزوري الخاصة بمناطق غرب دير الزور ودبكات الخميسين والولدة الخاصة بمناطق شمال الرقة ودبكة الحرباوي وكذلك الباكية ( بتخفيف الكاف ) التي تخــص مــناطق الحــسكة والقامــشلي والخابور وقد تنطح عدد من الشباب المثقف المهتم بتأسـيـس فرق فــنية للـرقص الشـعبي ففي محافظة الرقة إسماعيل العجيلي والحسكة منير آسيا وأسماء عديدة لا يسعـني حصرهم الآن كما أن أســـماء لمعت ( بشعّار ) الدبكات أي العازفين وحـتى عـــلى ) الشــبابة ) يسمونه شاعر الدبكة لدى تراث الجزيرة وهناك قصص وحكايات يطول شرحها في مجال هذا المضمار لكن الإعلام اليوم يختار من الأبحاث أيسرها وأقصرها لأن القارئ أيضا يرغب تناول المقالات السهلة وهذا يندرج على باقي الأجناس الأدبية عامة ؛ ولا اعتقد بأننا في هذه العجالة قد أعطينا البحث حقه لكننا سنعد بعون الله تعالى بان للبحث تتمة ؟!0
كاتب وصحفي ـــ سوريا as_altaha@hotmail.com
• عضو اتحاد الكتاب والصحفيين العرب.
• ماجستير في الإعلام من جمهورية أرمينيا .
• مدير تحرير جريدة دوحة الخابور الثقافية
• فنان ضوئي ويكتب القصة القصيرة .
• حاز على جوائز عربية في معارضه الفنية
• صدر له عدة كتب في بحث علم الجمال منها :
- في الإبداع الفني .
- والتقدمية في نظرية الفن .
- مفاهيم جمالية كبرى .
- القيم الجمالية وعلاقتها مع الفن (( الاستيتكا وفلسفة الفن)) .