الحضارة سورية الأصل ....بقلم وضَّاح صائب...نقلاً عن شام برس
صفحة 1 من اصل 1
الحضارة سورية الأصل ....بقلم وضَّاح صائب...نقلاً عن شام برس
الحضارة سورية الأصل .. الإغريق والمسلمون كانوا نقلة لا مؤسسين ..
بقلم : وضّاح صائـب
دمشق ..
حين نريد إبراز دورنا الحضاري بين أمم العالم، نتحدث كثيراً في أدبياتنا، ونعلّم أولادنا في المدارس والجامعات، أنّ العرب خلال عصر الدولة الإسلاميّة هم من نقل الحضارة اليونانيّة إلى الغرب الذي كان غارقاً في الظلام، فساهموا في خلق وانبعاث الحضارة الغربيّة، التي باتت لاحقاً أساس الحضارة العالميّة.
وفي التفاصيل نتحدث عن بضعة كتب فلسفية استندت إلى فلسفة أرسطو وأفلاطون، وضعها فلاسفة مسلمون كالرازي والغزالي وابن رشد، وبضعة كتب أخرى لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة في الرياضيات والطب والعلوم، لكتّاب مسلمين من أصول فارسيّة أو هنديّة...
هذا الكلام، عدا أنّه ليس دقيقاً، هو كلام مضلّل ومسيء إلينا أكثر ممّا هو لصالحنا، وهو يخفي وراءه إحدى أكبر الأكاذيب التي ابتلعناها، وابتلعها الآخرون، عدا الباحثين منهم، والتي باتت مسلّمة عالمية نساهم عن جهل في تأكيدها وتسويقها، متوهمين أنّنا نبرز دوراً هامّاً لنا إبّان دولتنا الإسلاميّة، هو أقصى ما قمنا به في مسيرة الحضارة..
هذه الأكذوبة لا تتعلق بدورنا في نقل بعض المعارف اليونانيّة إلى الغرب، ولكنّها ترتبط بتسليمنا بأن اليونان كانت مهد الحضارة والعلوم والمعارف، وأن دورنا في مسيرة الحضارة اقتصر على دراستها والنقل عنها، بعد أن عمّمنا جاهلية الجزيرة العربية قبل الإسلام على شعوب المنطقة كلّها، في إنكار مزرٍ يقترب من الكفر لتاريخنا ودورنا....
الحقيقة الغائبة، والمغيّبة وراء هذه الأكذوبة، هي أنّ أسلافنا نحن، شعوب سوريا الطبيعيّة القديمة، هم من كان أول مؤسس للحضارة والعلوم والمعارف في التاريخ، قبل اليونان بأكثر من ألفي عام، وهم من نقلوا معارفهم وعلومهم إلى اليونان وحوض المتوسط، منذ ما قبل الميلاد، مع الاعتراف بالدور الفاعل لليونانيين وغيرهم في استيعاب هذه المعارف وإغنائها ونشرها..
سوريا الطبيعية هي الأرض الممتدة من حوض النهرين دجلة والفرات شرقاً إلى البحر المتوسط غرباً، ومن جبال طوروس شمالاً إلى حدود فلسطين – سيناء جنوباً، وهي المنطقة التي عرفت تاريخياً بالهلال الخصيب، والتي استوطنتها شعوب السومريين والأكاديين والآشوريين والعموريين والبابليين والكنعانيين والآراميين تداخلاً وتتابعاً، منذ ما قبل التاريخ المدوّن( 8000 وربّما 12000 سنة ق.م ) حتى القرن السابع الميلادي.
يتفق المؤرخون على أنّ التاريخ المدوّن يبدأ في الألف الثالث قبل الميلاد، ويرتبط ببدء الكتابة وابتكار حروف الأبجديّة لأول مرّة في التاريخ، وكلاهما كان نتاجاً سومريّاً أكادياً ، قبل أن ينقله الكنعانيون ( الذين سمّاهم الإغريق بالفينيقيين نسبة إلى لون أشرعتهم الأرجواني) إلى العالم الآخر، اليونان وحوض المتوسط، بأكثر من ألف وخمسمائة سنة.
ومن الطبيعي أنّ هذا النتاج كان خلاصة تفاعل وتطوّر حضاري امتد بضعة آلاف من السنين قبل ذلك ( الكتابة التصويريّة السومريّة 5000 سنة قبل الميلاد، ثمّ الكتابة الصوتيّة التجريديّة السومريّة الأكاديّة 3000 سنة قبل الميلاد)، ممّا يشير إلى فجوة حضارية طويلة المدى بين شعوب سوريا الطبيعيّة والشعوب الأخرى ( لم يبدأ اليونانيون التدوين حتى القرن الثامن 800-700 ق.م)، ويؤشّر إلى ميزة فريدة تتمثـّل في أنّ حضارة هذه الشعوب لم تكن نتاج اختلاطها مع غيرها، بقدر ما كانت ابتكاراً متفرّداً أصيلاً شـعّ لاحقاً على العالم كلّه....
ثمّة ملاحظة لافتة، إنّ اتجاه الكتابة في النقوش اليونانيّة القديمة كان من اليمين إلى اليسار، كما هو الأمر في اتجاه الكتابة الكنعانيّة، وبحروف متطابقة بشكل لافت.
يقول المؤرّخ أرنولد توينبي: " إنّ السوريين اكتشفوا المحيطين الأطلسي والهندي، وكانوا أبدعوا الأبجديّة في الألف الثاني ق.م "، ويقول في موقع آخر: " إنّ التجّار الفينيقيين هم الذين علّموا الأمم القديمة كيفيّة استعمال حروف الهجاء، وهذه الرموز الغريبة هي حقاً الجزء الأثمن في تراث حضارتنا ".... أما هيرودوت، الذي ندعوه أب التاريخ، فيقول: " إنّ قدمس جاء إلى بلاد اليونان، فأسّس مدينة قدميا، ثم مدينة طيبة، وعلّم اليونانيين استعمال الحروف الأبجديّة "، وتقول الأسطورة اليونانيّة إنّ قدمس ابن أغنور ملك صور جاء للبحث عن أخته أوربا التي خطفها زوس كبير آلهة اليونان، وأن هذه الأميرة السوريّة الفاتنة أعطت اسمها للقارة شمال المتوسط.
في الحديث عن الفجوة الحضارية الكبيرة بين الشعوب السورية القديمة وشعوب العالم الأخرى، تدلنا المكتشفات الآثارية أنّ السوريين مارسوا الزراعة في وقت مبكر يسبق الألف الثامن قبل الميلاد، دون أن يتوفر أي دليل على أنّ شعباً آخر عرفها في مثل هذا الوقت المبكر كما يؤكد علماء الآثار، وأنّ السوريين هم أول من استخدم أداة الحصاد – المنجل، وزرعوا الحنطة والشعير، وأنّ المنجل لم يصل إلى شعوب البلطيق وبحر الشمال حتى 2500 ق. م. أي بعد 6000 سنة.
أمّا في مجال الصناعة، فقد عرف الكنعانيون صناعة الفخار منذ ما قبل الألف السادس قبل الميلاد، وكان لاختراعهم دولاب الخزاف أثر عظيم في تطوّر الحضارة، إذ أصبح فيما بعد النموذج لصنع عجلة العربة، الذي كان فجراً جديداً أدى إلى نشوء شبكات المواصلات البعيدة، بالإضافة إلى تقدّم صناعة النسيج والحياكة وصنع الآلات المعدنيّة وخلط المعادن ولحامها وصقلها وطرقها وترصيعها، وهي صناعات ظلّت حكراً عليهم لوقت طويل قبل أن تعرفها الشعوب الأخرى.
تجارياً، يعترف العالم بالسبق الكبير للكنعانيين/ الفينيقيين في السيطرة التجارية على حوض المتوسط، واكتشافهم للمحيط الأطلنطيكي ودخولهم بحر الظلمات لأول مرّة في التاريخ، ممّا أدى لتوسيع وتمديد مساحة العالم آنذاك.
من ناحية أخرى، كان المؤرّخ سترابو (القرن الأول قبل الميلاد) قد كتب: " يجب الإقرار بأنّ اليونان تلقوا في ما سلف عن الفينيقيين معارفهم في الفلك والرياضيات، ونرى في عصرنا الحاضر (الأول ق.م) أنّ كل من أراد المزيد من العلوم على اختلاف أصنافها، قصد صور وصيدون حيث العلوم أغزر مدداً وأصفى مورداً من سائر الحواضر ".
وقد بيّنت الألواح المكتشفة في موقع تل حرم ايل أنّ إحدى النظريات الرياضية المتعلقة بتشابه المثلثات قائمة الزاوية والمنسوبة إلى اقليدس اليوناني (300 ق.م) كانت قد حلّت من قبل الرياضيين السوريين قبل ذلك بقرابة 1700 سنة.
ثم إنّ علماء الحساب البابليين هم من اكتشف الصفر، وكانوا يستطيعون الجمع والطرح والضرب والقسمة، واستخلاص الجذور، وحل المعادلات المركبة، ومن الدرجة الثانية، والمعادلات التربيعية بمجهولين أو أكثر، وكذلك المعادلات التكعيبية، وهم من اكتشف مساحة المستطيل والمربع وشبه المنحرف والمثلث، وحجم متوازي المستطيلات، ووضعوا القوانين الرياضية التي لم يتوصل إليها اليونانيون إلا بعد مرور 1500 سنة.
وحول علم الفلك، يقول ول ديورانت: " كان علم الفلك البابلي الأساس الذي بني عليه التقويم المؤلف من اثني عشر شهراً، وإنّ تقسيم الشهر إلى أربعة أسابيع، وتقسم مدار الساعة إلى اثنتي عشرة ساعة، وتقسيم الساعة إلى 60 دقيقة، والدقيقة إلى 60 ثانية هي آثار بابلية لا شك فيها ، باقية من أيامهم إلى أيامنا ".
أمّا الفلكي الكلداني نابو ريمانو (500 ق.م) فقد استند إلى معارف وسجلات أسلافه لوضع جدول لحركات الشمس والقمر، وأرّخ وقت كسوف الشمس وخسوف القمر، وهو من حسب طول السنة وحدّده بثلاث مائة وخمسة وستين يوماً وست ساعات وخمسين دقيقة وواحد وأربعين ثانية.
في مجال الحقوق والقوانين، لم يسبق أحد شعوب سوريا القديمة في وضع الشرائع والنصوص القانونية، بدأً من أور نمّو (2112-2095ق.م) مؤسس الأسرة الثالثة في أور، الذي وضع أول كتاب شامل من كتب القانون في تاريخ العالم، ثم ابنه شولجي ملك أور (2095- 2047ق.م)، ثم لبت عشتار ملك ايسين (1934-1924 ق.م)، وصولاً إلى قوانين حمورابي الأكثر تطوراً من حيث دقة صياغتها القانونية ودلالتها وشموليتها، التي قال عنها ول ديورانت إنّ " هذه القوانين من وجوه عدّة لا تقل رقياً عن شريعة أي دولة أوربية حديثة "، والمعروف أنّ أول مدرسة للحقوق في تاريخ العالم أسّست في بيروت في مطلع القرن الثالث للميلاد.
وإذا كان تعبير " ديموقراطية" تعبيراً يونانياً، فإن المفهوم لم يكن ابتكاراً يونانياً، فشعوب سوريا القديمة عرفت ومارست هذا المفهوم قبل أن يتبناه الإغريق ويسوقوه بقرون عديدة، يقول أرسطو في تعليقه على الأنظمة المدنية الكنعانية: " إنّها أرقى قوانين الحكم في العالم "، ويعلّق المؤرخ اليهودي يوسيفوس (القرن الأول للميلاد) على ديمقراطية الكنعانيين بالقول: " كان في القرن الأول قبل المسيح مجلس شيوخ ديمقراطي في كل مدينة من المدن الكنعانية، وكانت مهمة المجلس الاجتماع دورياً لإدارة وتدبير شؤون المدينة " ولعل من المثير للدهشة والإعجاب أنّ سومر قد تمتعت بحياة برلمانية راقية قبل ذلك بكثير، فحوالي 3000 ق.م اجتمع أول برلمان عرفه العالم في دورة علنية، وكان مؤلفاً من مجلس شورى أو شيوخ، ومن جمعية الشعب المؤلفة من ممثلي الشعب، وهذه الديمقراطية سبقت الديمقراطية اليونانية بأكثر من ألفي عام... ( تتجّـه سوريا اليوم لإحداث مجلس للشيوخ مع مجلس الشعب القائم، في استعادة لمفهومها الرائد للديمقراطية، الذي صدّرته للعالم قبل 5000 سنة )...
والقائمة تطول، وتشمل سائر مناحي الحياة وأركان الحضارة، لتثبت دونما شك أنّ السوريين هم صانعو الحضارة ومؤسسوها وناشروها إلى العالم الآخر، وإنّ كل الحضارات اللاحقة إنّما بنت على إشعاعهم الحضاري الفريد....
تحيّة إلى السوري الاستثناء جورجي كنعان الذي تفرّد بدراسة تاريخ أسلافه العظام، وأنار للسوريين موقعهم المميز في مسيرة الحضارة.
ودعوة إلى كلّ سوري يعتز بماضيه وحاضره، ويتطلّع إلى مستقبل أبنائه أن يقرأ، بل أن يدرس هذا العملاق الرائع، لا إنصافاً له فحسب، ولكن إنصافاً لشعوب سوريا العظيمة ماضياً وحاضراً
عن شام برس
بقلم : وضّاح صائـب
دمشق ..
حين نريد إبراز دورنا الحضاري بين أمم العالم، نتحدث كثيراً في أدبياتنا، ونعلّم أولادنا في المدارس والجامعات، أنّ العرب خلال عصر الدولة الإسلاميّة هم من نقل الحضارة اليونانيّة إلى الغرب الذي كان غارقاً في الظلام، فساهموا في خلق وانبعاث الحضارة الغربيّة، التي باتت لاحقاً أساس الحضارة العالميّة.
وفي التفاصيل نتحدث عن بضعة كتب فلسفية استندت إلى فلسفة أرسطو وأفلاطون، وضعها فلاسفة مسلمون كالرازي والغزالي وابن رشد، وبضعة كتب أخرى لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة في الرياضيات والطب والعلوم، لكتّاب مسلمين من أصول فارسيّة أو هنديّة...
هذا الكلام، عدا أنّه ليس دقيقاً، هو كلام مضلّل ومسيء إلينا أكثر ممّا هو لصالحنا، وهو يخفي وراءه إحدى أكبر الأكاذيب التي ابتلعناها، وابتلعها الآخرون، عدا الباحثين منهم، والتي باتت مسلّمة عالمية نساهم عن جهل في تأكيدها وتسويقها، متوهمين أنّنا نبرز دوراً هامّاً لنا إبّان دولتنا الإسلاميّة، هو أقصى ما قمنا به في مسيرة الحضارة..
هذه الأكذوبة لا تتعلق بدورنا في نقل بعض المعارف اليونانيّة إلى الغرب، ولكنّها ترتبط بتسليمنا بأن اليونان كانت مهد الحضارة والعلوم والمعارف، وأن دورنا في مسيرة الحضارة اقتصر على دراستها والنقل عنها، بعد أن عمّمنا جاهلية الجزيرة العربية قبل الإسلام على شعوب المنطقة كلّها، في إنكار مزرٍ يقترب من الكفر لتاريخنا ودورنا....
الحقيقة الغائبة، والمغيّبة وراء هذه الأكذوبة، هي أنّ أسلافنا نحن، شعوب سوريا الطبيعيّة القديمة، هم من كان أول مؤسس للحضارة والعلوم والمعارف في التاريخ، قبل اليونان بأكثر من ألفي عام، وهم من نقلوا معارفهم وعلومهم إلى اليونان وحوض المتوسط، منذ ما قبل الميلاد، مع الاعتراف بالدور الفاعل لليونانيين وغيرهم في استيعاب هذه المعارف وإغنائها ونشرها..
سوريا الطبيعية هي الأرض الممتدة من حوض النهرين دجلة والفرات شرقاً إلى البحر المتوسط غرباً، ومن جبال طوروس شمالاً إلى حدود فلسطين – سيناء جنوباً، وهي المنطقة التي عرفت تاريخياً بالهلال الخصيب، والتي استوطنتها شعوب السومريين والأكاديين والآشوريين والعموريين والبابليين والكنعانيين والآراميين تداخلاً وتتابعاً، منذ ما قبل التاريخ المدوّن( 8000 وربّما 12000 سنة ق.م ) حتى القرن السابع الميلادي.
يتفق المؤرخون على أنّ التاريخ المدوّن يبدأ في الألف الثالث قبل الميلاد، ويرتبط ببدء الكتابة وابتكار حروف الأبجديّة لأول مرّة في التاريخ، وكلاهما كان نتاجاً سومريّاً أكادياً ، قبل أن ينقله الكنعانيون ( الذين سمّاهم الإغريق بالفينيقيين نسبة إلى لون أشرعتهم الأرجواني) إلى العالم الآخر، اليونان وحوض المتوسط، بأكثر من ألف وخمسمائة سنة.
ومن الطبيعي أنّ هذا النتاج كان خلاصة تفاعل وتطوّر حضاري امتد بضعة آلاف من السنين قبل ذلك ( الكتابة التصويريّة السومريّة 5000 سنة قبل الميلاد، ثمّ الكتابة الصوتيّة التجريديّة السومريّة الأكاديّة 3000 سنة قبل الميلاد)، ممّا يشير إلى فجوة حضارية طويلة المدى بين شعوب سوريا الطبيعيّة والشعوب الأخرى ( لم يبدأ اليونانيون التدوين حتى القرن الثامن 800-700 ق.م)، ويؤشّر إلى ميزة فريدة تتمثـّل في أنّ حضارة هذه الشعوب لم تكن نتاج اختلاطها مع غيرها، بقدر ما كانت ابتكاراً متفرّداً أصيلاً شـعّ لاحقاً على العالم كلّه....
ثمّة ملاحظة لافتة، إنّ اتجاه الكتابة في النقوش اليونانيّة القديمة كان من اليمين إلى اليسار، كما هو الأمر في اتجاه الكتابة الكنعانيّة، وبحروف متطابقة بشكل لافت.
يقول المؤرّخ أرنولد توينبي: " إنّ السوريين اكتشفوا المحيطين الأطلسي والهندي، وكانوا أبدعوا الأبجديّة في الألف الثاني ق.م "، ويقول في موقع آخر: " إنّ التجّار الفينيقيين هم الذين علّموا الأمم القديمة كيفيّة استعمال حروف الهجاء، وهذه الرموز الغريبة هي حقاً الجزء الأثمن في تراث حضارتنا ".... أما هيرودوت، الذي ندعوه أب التاريخ، فيقول: " إنّ قدمس جاء إلى بلاد اليونان، فأسّس مدينة قدميا، ثم مدينة طيبة، وعلّم اليونانيين استعمال الحروف الأبجديّة "، وتقول الأسطورة اليونانيّة إنّ قدمس ابن أغنور ملك صور جاء للبحث عن أخته أوربا التي خطفها زوس كبير آلهة اليونان، وأن هذه الأميرة السوريّة الفاتنة أعطت اسمها للقارة شمال المتوسط.
في الحديث عن الفجوة الحضارية الكبيرة بين الشعوب السورية القديمة وشعوب العالم الأخرى، تدلنا المكتشفات الآثارية أنّ السوريين مارسوا الزراعة في وقت مبكر يسبق الألف الثامن قبل الميلاد، دون أن يتوفر أي دليل على أنّ شعباً آخر عرفها في مثل هذا الوقت المبكر كما يؤكد علماء الآثار، وأنّ السوريين هم أول من استخدم أداة الحصاد – المنجل، وزرعوا الحنطة والشعير، وأنّ المنجل لم يصل إلى شعوب البلطيق وبحر الشمال حتى 2500 ق. م. أي بعد 6000 سنة.
أمّا في مجال الصناعة، فقد عرف الكنعانيون صناعة الفخار منذ ما قبل الألف السادس قبل الميلاد، وكان لاختراعهم دولاب الخزاف أثر عظيم في تطوّر الحضارة، إذ أصبح فيما بعد النموذج لصنع عجلة العربة، الذي كان فجراً جديداً أدى إلى نشوء شبكات المواصلات البعيدة، بالإضافة إلى تقدّم صناعة النسيج والحياكة وصنع الآلات المعدنيّة وخلط المعادن ولحامها وصقلها وطرقها وترصيعها، وهي صناعات ظلّت حكراً عليهم لوقت طويل قبل أن تعرفها الشعوب الأخرى.
تجارياً، يعترف العالم بالسبق الكبير للكنعانيين/ الفينيقيين في السيطرة التجارية على حوض المتوسط، واكتشافهم للمحيط الأطلنطيكي ودخولهم بحر الظلمات لأول مرّة في التاريخ، ممّا أدى لتوسيع وتمديد مساحة العالم آنذاك.
من ناحية أخرى، كان المؤرّخ سترابو (القرن الأول قبل الميلاد) قد كتب: " يجب الإقرار بأنّ اليونان تلقوا في ما سلف عن الفينيقيين معارفهم في الفلك والرياضيات، ونرى في عصرنا الحاضر (الأول ق.م) أنّ كل من أراد المزيد من العلوم على اختلاف أصنافها، قصد صور وصيدون حيث العلوم أغزر مدداً وأصفى مورداً من سائر الحواضر ".
وقد بيّنت الألواح المكتشفة في موقع تل حرم ايل أنّ إحدى النظريات الرياضية المتعلقة بتشابه المثلثات قائمة الزاوية والمنسوبة إلى اقليدس اليوناني (300 ق.م) كانت قد حلّت من قبل الرياضيين السوريين قبل ذلك بقرابة 1700 سنة.
ثم إنّ علماء الحساب البابليين هم من اكتشف الصفر، وكانوا يستطيعون الجمع والطرح والضرب والقسمة، واستخلاص الجذور، وحل المعادلات المركبة، ومن الدرجة الثانية، والمعادلات التربيعية بمجهولين أو أكثر، وكذلك المعادلات التكعيبية، وهم من اكتشف مساحة المستطيل والمربع وشبه المنحرف والمثلث، وحجم متوازي المستطيلات، ووضعوا القوانين الرياضية التي لم يتوصل إليها اليونانيون إلا بعد مرور 1500 سنة.
وحول علم الفلك، يقول ول ديورانت: " كان علم الفلك البابلي الأساس الذي بني عليه التقويم المؤلف من اثني عشر شهراً، وإنّ تقسيم الشهر إلى أربعة أسابيع، وتقسم مدار الساعة إلى اثنتي عشرة ساعة، وتقسيم الساعة إلى 60 دقيقة، والدقيقة إلى 60 ثانية هي آثار بابلية لا شك فيها ، باقية من أيامهم إلى أيامنا ".
أمّا الفلكي الكلداني نابو ريمانو (500 ق.م) فقد استند إلى معارف وسجلات أسلافه لوضع جدول لحركات الشمس والقمر، وأرّخ وقت كسوف الشمس وخسوف القمر، وهو من حسب طول السنة وحدّده بثلاث مائة وخمسة وستين يوماً وست ساعات وخمسين دقيقة وواحد وأربعين ثانية.
في مجال الحقوق والقوانين، لم يسبق أحد شعوب سوريا القديمة في وضع الشرائع والنصوص القانونية، بدأً من أور نمّو (2112-2095ق.م) مؤسس الأسرة الثالثة في أور، الذي وضع أول كتاب شامل من كتب القانون في تاريخ العالم، ثم ابنه شولجي ملك أور (2095- 2047ق.م)، ثم لبت عشتار ملك ايسين (1934-1924 ق.م)، وصولاً إلى قوانين حمورابي الأكثر تطوراً من حيث دقة صياغتها القانونية ودلالتها وشموليتها، التي قال عنها ول ديورانت إنّ " هذه القوانين من وجوه عدّة لا تقل رقياً عن شريعة أي دولة أوربية حديثة "، والمعروف أنّ أول مدرسة للحقوق في تاريخ العالم أسّست في بيروت في مطلع القرن الثالث للميلاد.
وإذا كان تعبير " ديموقراطية" تعبيراً يونانياً، فإن المفهوم لم يكن ابتكاراً يونانياً، فشعوب سوريا القديمة عرفت ومارست هذا المفهوم قبل أن يتبناه الإغريق ويسوقوه بقرون عديدة، يقول أرسطو في تعليقه على الأنظمة المدنية الكنعانية: " إنّها أرقى قوانين الحكم في العالم "، ويعلّق المؤرخ اليهودي يوسيفوس (القرن الأول للميلاد) على ديمقراطية الكنعانيين بالقول: " كان في القرن الأول قبل المسيح مجلس شيوخ ديمقراطي في كل مدينة من المدن الكنعانية، وكانت مهمة المجلس الاجتماع دورياً لإدارة وتدبير شؤون المدينة " ولعل من المثير للدهشة والإعجاب أنّ سومر قد تمتعت بحياة برلمانية راقية قبل ذلك بكثير، فحوالي 3000 ق.م اجتمع أول برلمان عرفه العالم في دورة علنية، وكان مؤلفاً من مجلس شورى أو شيوخ، ومن جمعية الشعب المؤلفة من ممثلي الشعب، وهذه الديمقراطية سبقت الديمقراطية اليونانية بأكثر من ألفي عام... ( تتجّـه سوريا اليوم لإحداث مجلس للشيوخ مع مجلس الشعب القائم، في استعادة لمفهومها الرائد للديمقراطية، الذي صدّرته للعالم قبل 5000 سنة )...
والقائمة تطول، وتشمل سائر مناحي الحياة وأركان الحضارة، لتثبت دونما شك أنّ السوريين هم صانعو الحضارة ومؤسسوها وناشروها إلى العالم الآخر، وإنّ كل الحضارات اللاحقة إنّما بنت على إشعاعهم الحضاري الفريد....
تحيّة إلى السوري الاستثناء جورجي كنعان الذي تفرّد بدراسة تاريخ أسلافه العظام، وأنار للسوريين موقعهم المميز في مسيرة الحضارة.
ودعوة إلى كلّ سوري يعتز بماضيه وحاضره، ويتطلّع إلى مستقبل أبنائه أن يقرأ، بل أن يدرس هذا العملاق الرائع، لا إنصافاً له فحسب، ولكن إنصافاً لشعوب سوريا العظيمة ماضياً وحاضراً
عن شام برس
مواضيع مماثلة
» الغجر بين الهند والمجر بقلم محمود عباس مسعود...نقلاً عن موقع واتا
» فوائد البقدونس...نقلاً عن القامشلي كوم.
» الديانة اليزيدية...نقلاً عن موقع كردي
» يهود مصر....نقلاً عن اليكوبيديا
» بابلو نيرودا الشاعر التشيلي...نقلاً
» فوائد البقدونس...نقلاً عن القامشلي كوم.
» الديانة اليزيدية...نقلاً عن موقع كردي
» يهود مصر....نقلاً عن اليكوبيديا
» بابلو نيرودا الشاعر التشيلي...نقلاً
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى