الغجر بين الهند والمجر بقلم محمود عباس مسعود...نقلاً عن موقع واتا
صفحة 1 من اصل 1
الغجر بين الهند والمجر بقلم محمود عباس مسعود...نقلاً عن موقع واتا
الغجر هم مجموعات متنقلة من البشر، يتواجدون في معظم أنحاء العالم، ويختلفون عن باقي الناس بدرجة تتراوح بين الزيادة والنقصان من حيث المظهر واللغة والعادات.
لا أحد يعرف بالضبط منشأهم الأصلي، مع أنه يعتقد بأنهم يتحدرون من إحدى القبائل الهندية، وقد تواجدوا أول ما تواجدوا في أوروبا منذ مطلع القرن السادس عشر، وأكبر تجمع لهم هو في هنغاريا (المجر) حيث يعرفون بالرومانو والسيغانو. أجسامهم بوجه العموم صغيرة وتقاطيعهم جذابة. لونهم قريب من الزيتوني، شعرهم أسود، عيونهم براقة، شديدة السواد، وأسنانهم ناصعة البياض.
لقد حافظوا على استمرارية عرقهم على مدى قرون طويلة، والطاعنون منهم في السن من رجال ونساء يتمتعون بصحة جيدة وحيوية غير عادية.
لا يعرف ما إذا كان لديهم أي نظام ديني ينتمون إليه، ولكن عاداتهم وتقاليدهم تدل على معتقدات يعتبرها البعض وثنية. كما يظنون أن الغابات والغدران والأنهار كلها مأهولة بكائنات غير مرئية ينبغي طلب رضاها واجتناب سخطها من خلال طقوس وتعويذات مختلفة.
والغجر (المعروفون أيضا بالزُط أو النـُوَر) يمتهنون حرفاً عديدة فالرجال يمارسون صناعة السلال والزمامير (الصلابات) والحدادة والبيطرة وصنع الغرابيل ويتاجرون بالخيول، أما النساء فيعملن بضرب الودع والرمل والتبصير وفتح البخت.
كما يجيدون الغناء والعزف على الآلات الموسيقية على اختلافها، لا سيما العود والدف والصنوج. وهناك عدد كبير منهم ممن انخرط في المجتمعات الراقية ونجح في مزاولة الأعمال على اختلافها.
حضر أحدهم ذات مرة إلى قريتي الرحى في محافظة السويداء بسوريا فلاحظ أناساً يدخلون أحد البيوت ولم يكن يعرف أن المناسبة كانت مأتماً وأن الناس يذهبون لتقديم واجب العزاء لرب المنزل بمناسبة وفاة أخيه. قصدَ صديقنا الغجري ذلك البيت يحمل عوده وما أن وصل وجلس وسط الحضور حتى راح يعزف على العود ويغني (دخل عيونك حاكينا لولا عيونك ما جينا!) فأوعز له صاحب البيت بأدب أن لا حاجة لذلك.
عندئذ فهم أن الجو غير ملائم للطرب فنهض وغادر المكان بصحبة عوده.
يهتمون كثيرا بالروابط العائلية. الرجال والنساء يتزوجون في مرحلة مبكرة من العمر ويعرفون بحبهم الشديد لصغارهم وتدليلهم لهم.
ولهم مفهوم غريب في الشجاعة، فإن أراد أحد الغجر أن يتحدى غريما له، دعاه إلى نهر وراح يرمي الأوراق النقدية في النهر طالباً من غريمه أن يفعل نفس الشيء، فإن لم يفعل يكون قد تغلب عليه، ويعترف له غريمه بالغلبة.
تعرض الغجر للاضطهاد في البلدان التي يعيشون فيها نظرا للمفهوم السائد عنهم بأنهم نشالون سراقون، وكذلك لعدم ذوبانهم في المجتمعات التي يتواجدون فيها.
وقد عُرف الغجر بالذكاء وسعة الحيلة (حتى ولو اضطر أحدهم لأن يسلخ حماراً فطساناً – أجلكم – لكي يصنع منه أدوات يتكسب بعض القروش من بيعها.)
هؤلاء الغجر الذين يلقبون أحياناً بالطيور الغريبة يقال أنهم يرهبون ثلاثة أشياء هي المعبد والبحر والمحكمة، ويتحاشون التعامل مع الحكومات. أما عاداتهم فهي القانون الوحيد الذي يحترمونه ويعملون بموجبه، كما أن زعماءهم هم من يشرّع لهم الأنظمة وقواعد السلوك. ينتقلون من قرية إلى أخرى ويسافرون من بلد إلى آخر وينصبون خيامهم في الساحات وعلى جوانب الطرقات، لكنهم يرهبون المياه العميقة فلا يسافرون بحرا.
ليس للغجر ديانة بالمفهوم التقليدي، إنما حسب مقتضى الحال يدّعون أحياناً أنهم يتبعون دين البلاد التي يتواجدون فيها ولكن الواقع بخلاف ذلك.
هناك حكايات قديمة تروي كيف أن الغجر حـُكم عليهم بالتنقل والترحال مدى الآجال لأنهم غير مؤمنين ولذلك كُتب عليهم الهيام على وجه الأرض دون استقرار.
زحفوا على أوروبا في نهاية القرن الرابع عشر. لم يعرف أحد آنذاك من أين أتى هؤلاء القوم. فهم متكتمون فلا يفصحون عن أصلهم، ويُعرفون بأسماء متعددة مثل (جيبسي) و(سيغانو) ولكنهم يسمون أنفسهم (روم) ويتكلمون لغة تسمى روماني.
ومع أن الغجر يعيشون في بلدان وقارات مختلفة لكنهم بالإضافة إلى لغة البلاد التي يعيشون فيها يتكلمون لغة خاصة بهم. وتلك اللغة هي التي أعطت بعض الإضاءات عن هوية هؤلاء القوم ومن أين أتوا، وقد أضافوا إلى لغتهم الأصلية كلمات من لغات الشعوب التي خالطوها.
في منتصف القرن التاسع عشر تمكن أحد العلماء الألمان من معرفة الكثير عن تاريخ الغجر من خلال دراسته للغتهم. وبالرغم من الاعتقاد السائد قديما بأنهم هاجروا من مصر، لكن الدراسات الجادة لأصول الغجر تؤكد بما لا يتطرق إليه الشك أنهم هاجروا من الهند وليس من مصر.
منذ حوالي الألف عام انطلقت مجموعة كبيرة من الناس من شمال غرب الهند. لم يتمكن أحد من تعليل هجرتهم. وكانوا – كما هم الآن- يحبون الخيل ويعرفون كل شيء عن الخيول، كما كانوا صناعاً مَهَرة يتقنون المشغولات اليدوية على اختلافها.
لدى وصولهم بلاد فارس انقسموا إلى مجموعتين إحداهما ذهبت باتجاه سوريا ومصر وصولاً إلى شمال أفريقيا، أما المجموعة الثانية فتوجهت نحو آسيا الوسطى واليونان حيث عاشوا لحوالي أربعمائة عام. ويقال أنه كان لهم مَلِك في اليونان. وفي مطلع القرن الرابع عشر انطلقوا نحو الشمال عبر البلقان إلى منطقة قليلة السكان تناسب أسلوب معيشتهم. فمكثوا لسنين عديدة وأصبح عددهم كبيرا.
من هناك توجهوا إلى سهول هنغاريا الغنية ومنها إلى أوروبا الغربية حيث لا يزال بعضهم مقيماً حتى اليوم.
لقد ابتدع الغجر قصة طريفة جعلت الناس يستقبلونهم حيثما ذهبوا ويقدمون لهم ما يحتاجونه. فزعماء الفرع الذي انطلق من هنغاريا أو المجر حبكوا القصة وأتقنوا الأدوار. فقد لبسوا ثياباً فاخرة توحي بأنهم زعماء كبار وسبقوا مجموعاتهم ذات الثياب الرثة بمسافة لا بأس بها. وقد سمى هؤلاء (الزعماء) أنفسهم الدوق فلان والأمير فلان وراحوا يتبخترون في مدن ألمانيا الجنوبية على خيول مطهمة والناس ينظرون إليهم بإعجاب وافتتان وقد انبهروا بمظهرهم غير المألوف.
أحد هؤلاء الزعماء أطلق على نفسه إسم ميخائيل دوق مصر وكان يذهب مع (حاشيته) إلى رئيس القضاة في كل مدينة ويناوله فرماناً امبراطوريا مفبركاً، على أساس أنه من امبراطور المجر ويخبره بقصص من نسج خياله الخصب. بعد ذلك كان يطلب امتيازات له ولأتباعه الذين في طريقهم إلى المدينة وعلى وشك وصولها بعد بضعة أيام. وكان يقول لرئيس القضاة أنه وشعبه كانوا يتبعون الدين المسيحي لكنهم قصروا في حق الدين وأدركوا خطأهم فيما بعد ولذلك نذروا على أنفسهم أن لا يناموا على فراش لسبع سنين بكاملها وأن يحجّوا إلى روما مشيا على الأقدام طلباً للعفو والمغفرة من قداسة البابا نفسه.
وبالطبع كان الزعيم مضطراً لأن يطلب طعاما لجماعته (الحُجاج) وبعض المال أيضاً. كما كان يتوقع من سكان المدينة أن يسارعوا لتلبية طلباته. وبالفعل كان سكان المدن يقدمون لزعماء الغجر ما يطلبونه منهم ولم يتسنَ لأحد أن يتأكد من صحة تلك المقولات الغجرية أو الفرمانات الإمبراطورية فجازت الخدعة على الناس.
إضافة إلى ذلك كان الناس متشوقين لأية قصة يرويها لهم الحجاج لكنهم ذهلوا وأفاقوا من غفلتهم عندما دخل أتباع فخامة (الدوق) مدنهم بأعداد غفيرة. إذ كانوا معفرين، ممزقي الثياب، وحرامية بامتياز، فلم يرغبوا بأداء أي عمل باستثناء المتاجرة وقراءة البخت. وكانوا يحبون المساومة ويصرون على أن يأخذوا نصيبهم بالوافي من كل عملية بيع أو شراء. وقد تبين للسكان فيما بعد أنهم شلة لصوص ومتمرسون بالكذب من الوزن الثقيل. أما أولادهم فحدّث ولا حرج، إذ كانوا أشطر من أهلهم بالنصب والسرقة والغش والخداع.
طلائع الزحف الغجري وصلت بالفعل إلى روما وقد قابل الغجر البابا وخدعوه كما خدعوا أمراء البلاد من قبله. ومن هناك تفرقوا في طول القارة الأوروبية وعرضها، وقبل مرور قرن من الزمن كانوا قد انتشروا في كل مدينة من مدن أوروبا. وبالرغم من معايشتهم للأوروبيين لكن عاداتهم المتأصلة لم تتغير. وما أن اكتشف الناس حيلهم وألاعيبهم حتى اتخذوا إجراءات صارمة ضدهم لحماية أنفسهم وممتلكاتهم من (أبناء الخالة).
تم منعهم من دخول المدن الواحدة بعد الأخرى. وعند الإمساك بأحدهم كان يتم تقييد ساقيه بأداة الباستينادو المعروفة بالفلق ويضرب ضرباً مبرحاً على أخمصي قدميه. بل وكان بعضهم يوسم على جبينه بقطعة حديد حامية. ومنهم من تم شنقه أو حرقه حيا دون محاكمة. وقد تعرضوا لاضطهاد كبير في ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية. ويقال أن كل المشغولات المعدنية اليدوية في أوروبا الشرقية كانت حكراً على الغجر الذين طلبهم ذات مرة قيصر روسيا كي يرقصوا أمامه رقصتهم الشهيرة والمعروفة حتى اليوم برقصة الغجر.
والسلام عليكم
المصدر: موسوعات
ت: محمود مسعود
__________________نقلاً عن واتا
مواضيع مماثلة
» محمود عباس مسعود كتب لنا...اسحق قومي
» الصديق محمود عباس مسعود يكتب
» عجائب الدنيا السبع...محمود عباس مسعود
» الفيلسوف والنوتي...ترجمة محمود عباس مسعود...
» المبدع محمود عباس مسعود يترجم أضحى التنائي...نقلا
» الصديق محمود عباس مسعود يكتب
» عجائب الدنيا السبع...محمود عباس مسعود
» الفيلسوف والنوتي...ترجمة محمود عباس مسعود...
» المبدع محمود عباس مسعود يترجم أضحى التنائي...نقلا
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى