إسحق قومي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كلمة حق لا بدَّ منها يا أبي...بقلم المهندس الياس قومي

اذهب الى الأسفل

كلمة حق لا بدَّ منها يا أبي...بقلم المهندس الياس قومي Empty كلمة حق لا بدَّ منها يا أبي...بقلم المهندس الياس قومي

مُساهمة من طرف اسحق قومي الأحد فبراير 07, 2010 11:04 am

كلما تطلعنا إلى العظام من الرجال، نبقى مشدوهين من قبسات
نورهم التي تبهرنا ضياءاتهم ونحنُ نقلبُ أثار بعضٍ خطواتهم!!
لقد سبقتنا إلى دار الخلود، لله ما أطيب ثراك، وما أعز عليك
من نفسك إلاَّ بنوك. فأنت من ملءَ أيادي الساحات عطاءً وكرومْ.
وعلمَ الطيورَ أبجدية الأرتحالات والتغريد للمسافات المجهولة والغيوم؟! نحنُ نعلمُ خصالك منذ صغرنا يا والدي،
أما أنتَ الذي أخذت بيدنا إلى المسارات الجميلة؟!
التي ستبقى مثل الشمس تنير درب السالكين إلى النور ومعرفة
البذل والسخاء. نعم إنَّ ما زرعته فينا من عاداتٍ هاهي تنمو لتغدقَ
كلَّ منازل الخصب، ولتعشب وتزهر بيادر الرجال.
وأنا الذي ومنذ صغري يوم كنا ننامُ سوية في ذات البيت، وفي
ليالي الشتاء الطويلة. لمْ أدرِ لماذا كان ينتابني، بعضٌ من ذاك
الغريب القادم من صحارى القيظ ، الذي نسميه الموت، كم كنتُ
أخشاه فأرتجف لأجيء إليك ولتخبئني بين صدركَ!!
لنفسٍ يومها، لم تبلغْ من العمر أكثر من ورود صبيةٍ مازالت تحبو!!
نعم يا والدي ، أتذكر كم من مرة ونحن نغني لتلك النواعير التي
كان يرتادنا لحن ُصداها، منذُ بواكير أيامنا، ليبعث في داخلنا
أحساسٌ بالألم والحزن، كمْ موجعاً للقلب كان،
كم كان ذاك الصوت كئيباً؟! ويقيني قد ظلَّ يرافقنا حتى الساعة!!
لكن وعلى العكس من تلك القوادم من الأثير. كان يتدفقُ الدفءَ والحبَّ من بيتنا ، وهو لمْ يزل إلى اليوم ينسابُ عطفاً وحناناً لكل من يحجَّه من العشاق والطيبين، باقٍ هو رغم كلِّ ما حدثَ!
أوتدري كم تبدلت وقست علينا الحياة؟!
رغمَ كلَّ الجهد الذي بذلته لأجل تعليمنا، بنوك وبناتك حتى نلنا الشهادات الجامعية، وبعضهنَّ أصبحنَّ مربياتٍ ومدرساتٍ،
ربينَّ أجيالاً وأجيال.رغم كل العذابات التي كانت في نفسك،
ورغم كل التحديات التي جابهتها من أجل تربيتنا وتعليمنا؟
هجرنا الوطن الذي أحببته وزرعته فينا سنديانة تتحدى كلَّ
عواصف الأيام ومرارتها!!
نعم وها نحن في أزقة العذاب، إذْ رحلَ من رحلْ. وما زلنا مثلُ السكارى نتوه بين الكلمات، نبحثُ عن عسى ولعل تسعفنا الحروفُ والعباراتْ، التي كانت تسيل من بين شفتيك كالماء القراح.
نعم يا والدي أصبحنا نتلعثمُ، وبلغاتٍ أعجميةٍ غير التي علمتنا
إياها؟! رغم كل ما تعرفه عنَّا يوم كنا نكتب الشعر على يديك
ونقول الخطابات من دون ضعفٍ أو تلكوءٍ.
نعم نقفُ اليوم على أبواب محطات لمْ نعهدها من قبلْ، وحكايات
لمْ تلدْ بعدُ في قصص الخيال، أوتدري أين نحن: مِنَّا من قضى،
ومِنَّا مازال يؤدي رسالته للحياة، مِنَّا من ودعَ بعد أنْ غردَ مع
البلابل والحسان، فأصبح لحنا لكلِّ الطيورِ المهاجرة، وأغنيةً على
فم الصبايا تتلوها في لحظات الهيام وساعات الشوق والقيظ.
ومِنَّا من استراح على قارعة الطريق، يبعثُ الشوق لكلِّ أرصفة الحزن وموانيء المراثي الباكيات. ومِنَّا منْ ظلَّ يجاهدُ حتى الرمق الأخير في سبيل زغبٍ صغار. وها من تبقى لازالَ يصارعُ الموجَ يجابه بصدره وبكلِّ الشجاعة التي أورثتها إلينا وعهدتها فينا، يتحدى صقيعَ الغربةِ وحرمانها وحيتانها. ومِنَّا منْ راح يحلقُ في صدر سمواتٍ غير التي عهدناها، يلحقُ برحيق الفراشات، ولينظم الشعر في بحورٍ ظلَّ يبحثُ عنها لا يخشى العتمة ولم تبهره المسالك الرتيبة، حتى أوجدها من بين المسارات المختبئة وراء المجرات والكواكب!!
لكنْ هو الحنينُ، أين صراخ الطفولة ، تلكَ التي كانت تملأ الدنيا حبوراً وسعادةً وهناءْ، الدارُ ما عادت هي الدارُ...لاجنةٌ بقيت ولاخلّ ولا جارُ، فما عدنا نسمعُ، حتى ضحكات الصغار يا أبي؟!
لقد أدبرت وجهها الحياة ، وما عسانا أن نقول والأحبة قد جاوروكَ، مازلتُ أصلي لك وللجموع التي ارتحلت. أضيءُ الشموع كلِّ يوم أحدْ،
لمن أحببتهم وأحبوك.
مازلنا نشتاق إليكم ، إلى الصفاء وراحة البال والهدوء والطمأنينة
التي كنا نشعر بها، ونحسها من خلال التفافنا حولك، والتي افتقدناها ما عادت تزورنا تلكَ منذ أن رحلت يا أبي!!
ألفُ رحمة إلى روحك الطاهرة ويقيني في أحضان
القديسين والأبرار أنتَ لن أقول وداعاً سنلتقي!!
**************
اسحق قومي
اسحق قومي
المدير العام
المدير العام

ذكر
عدد الرسائل : 835
العمر : 75
الموقع : https://alkomi.yoo7.com/profile.forum
العمل/الترفيه : معاقرة الشعر والأدب والتاريخ والإعلام والسياسة
المزاج : حسب الحالة
تاريخ التسجيل : 13/06/2008

https://alkomi.yoo7.com/profile.forum

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى