على ضفاف الخريف الكندي لعام 2008 م.بقلم المهندس الياس قومي
صفحة 1 من اصل 1
على ضفاف الخريف الكندي لعام 2008 م.بقلم المهندس الياس قومي
على ضفاف الخريف الكندي لعام 2008 م.
"تمسك بالكلمة الصادفة حتى لو أدمتك أشواكها
بقلم المهندس الياس قومي
ودّعنا الصيف بكلّ ما فيه من دفء وحرارة ونشاط ومثلما يحدث عادة في الدول الديمقراطية، فقد تسلم ذاك العجوز مقاليد إدارة شؤون الطبيعة من السلطات المناخية والشمسية كما هو متعارف عليه وبشكل رسمي في الحادي والعشرين من أيلول ومن دون الحاجة إلى ائتلاف مع غيره أو خلاف.
فقد بقيت الأزهار والرياحين تملأ الأفق وتزين منصفات الطرقات وشرفات المنازل والساحات.
الأشجار ما زالت بأبهى الثياب المكسوّة بأجمل الأوراق التي لا يخطر على بال بشر كم من الألوان حباها الله تحاكي الأجمل مما توصل له الإنسان من فن وتطريز وحياكة وصباغ؟!!!.
والحرارة ضمن معدلها العام حفاظا على سلامة استكمال جني المحاصيل الزراعية من شرق البلاد إلى غربها عبر البراري الواسعة.
والسماء الزرقاء الصافية مثل خيمة هادئة تمتد ما بين المحيطين الأطلسي والهادي، تمنح البهجة والحبور لمن تحتضنهم، لا تشوبها سوى بعض غيوم شاردات. لكن سرعان ما تمطر السماء وتمتليء الغدران، وتسيل الوديان.
والبلابل ما زالت تعزف الأجمل في موسيقى الوجود، تعيد بناء أعشاشها تحسبا للشتاء القادم؛ وعلى مقربة منها جيرانها السناجب التي تسابق الرياح وتلاعب الأتراب والأسلاك والأغصان.
والطرقات عادت ودبت في أوصالها الحياة لعودة التلاميذ والطلبة، وضجيج الباصات المخصصة لنقلهم إلى مدارسهم وكيف لا!
أليسوا هم دعائم الحاضر ورجال المستقبل.
والأشجار تذرفنّ الدموع لفراق صغيراتهن الأوراق؛ ترى هل أصغت السمع ذات مرة لما تقوله الأشجار عند لحظة الوداع. ؟!!!
(الحياة دين ووفاء، أمضي للأرض، قولي لها قد جئت إليك (راضية مرضية)، أحيليني كما تشائين سمادا أو رمادا، كلاهما سيان. فالإنبعاث في الربيع القادم آتٍ). ولتفرشنّ الأرض بأجمل بساط يفوق جمال السجاد العجمي.
وتتساقط الثلوج لتغطي قامات الأشجار والغابات ومداخل البيوت.
نعم، حيث تأبى الطبيعة في هذه الديار الكريمة إلاّ أن تشارك الناس فرحتهم بقدوم عيد الميلاد وطفل المغارة، لتشارك أولئك الذين زرعوا كل ما يحيط بهم بمصابيح ملونه ولتشكل لوحات فيسفسائية مثل التي تزدان بها جدران الكنائس.
ولتمنح الإشعاعات الصادرة من تلك المصابيح المختبئة ما بين الثلوج بعض من الدفء والطمأنينة، وكثر هم ممن يحتاجون لمثل ذلك؛ في هذه المناطق الباردة التي تكاد أن تتحول إلى خيام وأكوام ثلوج ومداخن. وكأننا على رمية حجر من القطب الشمالي. نعم يا صاح ِ نحن إلى القطب نسير، نحن لا ندري، إنما الدنيا تشير!
لا بل والحق يقال لم يحن الوقت بعد إذ لا بد ّ ان تمر أسابيع عدة ليزحف القطب إلينا. وعند حالات مناخية في طبقات الجو تتلبس الأشجار والأسلاك والأعمدة والجدران بثياب كريستالية أكثر شفافية مما ترتديه العروس في يوم زفافها؛ إنها الأمطار الجليدية. لا بل انه الامتحان الأخير لمن شاخ من الجذوع والأغصان ومواليد قطعان الأبقار والبيزون. أما أن تبقى مثل العلم الكندي مرفوعة الرأس صامدة تصارع الحياة من أجل البقاء أو أن تودع الدنيا ولتصبح مداسا لحيوانات البراري.
أما الأنهار التي طالما تحاكي النوارس والطيور وترافق قوارب الصيادين وأشرعة المحترفين، بالحكايات الخالدات تسردها تلك الأمواج الراحلات لمن لم يلدن بعد من بنات جنسهن قبل أن تنتحر مثل الدلافين على حوافي المحيطات.
ويبقى الصراع مع الطبيعة، وبالرغم من كل ما تقوم به الدوائر المختصة من رش للرمال والأملاح على الطرقات والمعابر والجسور، يبقى الجليد هو الرابح.
والسؤال الذي يدور في الأذهان ويطرح ذاته ليل نهار سلامة الإنسان وضرورة التقيد بالسرعة والانتباه واليقظة للمارة والسائقين لأنه يسبب الكثير الكثير من حوادث السير رغم كل أنواع الاطارات الشتوية التي تفرضها القوانين المرعية وليحصد أرواح ممن كانوا أملاً لبيوتهم، ومصابيح هداية لأسرهم وذويهم. ويستمر الإنسان يقارع القر وبدرجات حرارة قد تصل إلى 36 درجة مئوية تحت الصفر أو أكثر.
لقد استطاع أن يحول قمم الجبال وسفوحها ومنحدراتها إلى مواسم للتزلج ولعالم ينبض بالحياة، وأن يدجن ويسخر الكثير لرفاهيته وسعادته مستفيدا من كل التقنيات ولكن ما زال أمامه الكثير أيضا..
وتتطاير لحية ذاك العجوز من شدة الرياح لكنه يبقى فرحا ساديا أمام كل الصعوبات التي يتعرض لها بني البشر والضرع والشجر والحجر.
هل تطلعت يوما لتلك الأغصان العارية مثل أجساد العشاق التي تتلاطم معا في علب الكبريت الليلية.
الشتاء يطالبه بالرحيل، يعلم حقا ذاك الشيخ العجوز، ان أيامه شارفت على النهاية لكنه يبقى شامخا مزهوا محتفظا بجلاله ووقاره لآخر لحظة من ولايته.
ونبقى نحن المهاجرين مثل السكارى تائهين، مشدوهين لذاك الجمال العاري الذي يحطم نواميس الحياة والفصول.
تثائب صاحبي والتلفاز الذي لا يتعب ولا ينام ولا يهدأ له بال، معلنا عن عاصفة ثلجية ثانية أو ثالثة، لم نعد نهتم لقد اعتدنا، وها نحن بعد لم نصل لموعد الإنقلاب الشتوي الذي سيطيح ذاك العجوز.
نعم هذا هو الخريف الكندي.. يا ساكني بلاد الشرق... هذا هو خريفنا، يا ساكني بلاد الشمس والدفء والجمال...
صدوركم عامرة بالبهجة، جباهكم معمّدة بالأشعة القادمة من أبي الأنوار. هنيئا لكم في دياركم، تذكروا نـِعمَ الله عليكم إن (كنتم تعقلون)، ولنبقى نحن نطارد الرياح ونزرع الثلج ونحصد الجليد والصقيع، نصارع الطبيعة والحيتان من دون قذيفة، أو رميه لا بحجر ولا حتى بوردة حمراء.
وألف مرحى لهذا الخريف الذي تلتقي فيه كل الأيام والفصول.
***
بقلم المهندس الياس قومي
كندا. مونتريال.لافال
"تمسك بالكلمة الصادفة حتى لو أدمتك أشواكها
بقلم المهندس الياس قومي
ودّعنا الصيف بكلّ ما فيه من دفء وحرارة ونشاط ومثلما يحدث عادة في الدول الديمقراطية، فقد تسلم ذاك العجوز مقاليد إدارة شؤون الطبيعة من السلطات المناخية والشمسية كما هو متعارف عليه وبشكل رسمي في الحادي والعشرين من أيلول ومن دون الحاجة إلى ائتلاف مع غيره أو خلاف.
فقد بقيت الأزهار والرياحين تملأ الأفق وتزين منصفات الطرقات وشرفات المنازل والساحات.
الأشجار ما زالت بأبهى الثياب المكسوّة بأجمل الأوراق التي لا يخطر على بال بشر كم من الألوان حباها الله تحاكي الأجمل مما توصل له الإنسان من فن وتطريز وحياكة وصباغ؟!!!.
والحرارة ضمن معدلها العام حفاظا على سلامة استكمال جني المحاصيل الزراعية من شرق البلاد إلى غربها عبر البراري الواسعة.
والسماء الزرقاء الصافية مثل خيمة هادئة تمتد ما بين المحيطين الأطلسي والهادي، تمنح البهجة والحبور لمن تحتضنهم، لا تشوبها سوى بعض غيوم شاردات. لكن سرعان ما تمطر السماء وتمتليء الغدران، وتسيل الوديان.
والبلابل ما زالت تعزف الأجمل في موسيقى الوجود، تعيد بناء أعشاشها تحسبا للشتاء القادم؛ وعلى مقربة منها جيرانها السناجب التي تسابق الرياح وتلاعب الأتراب والأسلاك والأغصان.
والطرقات عادت ودبت في أوصالها الحياة لعودة التلاميذ والطلبة، وضجيج الباصات المخصصة لنقلهم إلى مدارسهم وكيف لا!
أليسوا هم دعائم الحاضر ورجال المستقبل.
والأشجار تذرفنّ الدموع لفراق صغيراتهن الأوراق؛ ترى هل أصغت السمع ذات مرة لما تقوله الأشجار عند لحظة الوداع. ؟!!!
(الحياة دين ووفاء، أمضي للأرض، قولي لها قد جئت إليك (راضية مرضية)، أحيليني كما تشائين سمادا أو رمادا، كلاهما سيان. فالإنبعاث في الربيع القادم آتٍ). ولتفرشنّ الأرض بأجمل بساط يفوق جمال السجاد العجمي.
وتتساقط الثلوج لتغطي قامات الأشجار والغابات ومداخل البيوت.
نعم، حيث تأبى الطبيعة في هذه الديار الكريمة إلاّ أن تشارك الناس فرحتهم بقدوم عيد الميلاد وطفل المغارة، لتشارك أولئك الذين زرعوا كل ما يحيط بهم بمصابيح ملونه ولتشكل لوحات فيسفسائية مثل التي تزدان بها جدران الكنائس.
ولتمنح الإشعاعات الصادرة من تلك المصابيح المختبئة ما بين الثلوج بعض من الدفء والطمأنينة، وكثر هم ممن يحتاجون لمثل ذلك؛ في هذه المناطق الباردة التي تكاد أن تتحول إلى خيام وأكوام ثلوج ومداخن. وكأننا على رمية حجر من القطب الشمالي. نعم يا صاح ِ نحن إلى القطب نسير، نحن لا ندري، إنما الدنيا تشير!
لا بل والحق يقال لم يحن الوقت بعد إذ لا بد ّ ان تمر أسابيع عدة ليزحف القطب إلينا. وعند حالات مناخية في طبقات الجو تتلبس الأشجار والأسلاك والأعمدة والجدران بثياب كريستالية أكثر شفافية مما ترتديه العروس في يوم زفافها؛ إنها الأمطار الجليدية. لا بل انه الامتحان الأخير لمن شاخ من الجذوع والأغصان ومواليد قطعان الأبقار والبيزون. أما أن تبقى مثل العلم الكندي مرفوعة الرأس صامدة تصارع الحياة من أجل البقاء أو أن تودع الدنيا ولتصبح مداسا لحيوانات البراري.
أما الأنهار التي طالما تحاكي النوارس والطيور وترافق قوارب الصيادين وأشرعة المحترفين، بالحكايات الخالدات تسردها تلك الأمواج الراحلات لمن لم يلدن بعد من بنات جنسهن قبل أن تنتحر مثل الدلافين على حوافي المحيطات.
ويبقى الصراع مع الطبيعة، وبالرغم من كل ما تقوم به الدوائر المختصة من رش للرمال والأملاح على الطرقات والمعابر والجسور، يبقى الجليد هو الرابح.
والسؤال الذي يدور في الأذهان ويطرح ذاته ليل نهار سلامة الإنسان وضرورة التقيد بالسرعة والانتباه واليقظة للمارة والسائقين لأنه يسبب الكثير الكثير من حوادث السير رغم كل أنواع الاطارات الشتوية التي تفرضها القوانين المرعية وليحصد أرواح ممن كانوا أملاً لبيوتهم، ومصابيح هداية لأسرهم وذويهم. ويستمر الإنسان يقارع القر وبدرجات حرارة قد تصل إلى 36 درجة مئوية تحت الصفر أو أكثر.
لقد استطاع أن يحول قمم الجبال وسفوحها ومنحدراتها إلى مواسم للتزلج ولعالم ينبض بالحياة، وأن يدجن ويسخر الكثير لرفاهيته وسعادته مستفيدا من كل التقنيات ولكن ما زال أمامه الكثير أيضا..
وتتطاير لحية ذاك العجوز من شدة الرياح لكنه يبقى فرحا ساديا أمام كل الصعوبات التي يتعرض لها بني البشر والضرع والشجر والحجر.
هل تطلعت يوما لتلك الأغصان العارية مثل أجساد العشاق التي تتلاطم معا في علب الكبريت الليلية.
الشتاء يطالبه بالرحيل، يعلم حقا ذاك الشيخ العجوز، ان أيامه شارفت على النهاية لكنه يبقى شامخا مزهوا محتفظا بجلاله ووقاره لآخر لحظة من ولايته.
ونبقى نحن المهاجرين مثل السكارى تائهين، مشدوهين لذاك الجمال العاري الذي يحطم نواميس الحياة والفصول.
تثائب صاحبي والتلفاز الذي لا يتعب ولا ينام ولا يهدأ له بال، معلنا عن عاصفة ثلجية ثانية أو ثالثة، لم نعد نهتم لقد اعتدنا، وها نحن بعد لم نصل لموعد الإنقلاب الشتوي الذي سيطيح ذاك العجوز.
نعم هذا هو الخريف الكندي.. يا ساكني بلاد الشرق... هذا هو خريفنا، يا ساكني بلاد الشمس والدفء والجمال...
صدوركم عامرة بالبهجة، جباهكم معمّدة بالأشعة القادمة من أبي الأنوار. هنيئا لكم في دياركم، تذكروا نـِعمَ الله عليكم إن (كنتم تعقلون)، ولنبقى نحن نطارد الرياح ونزرع الثلج ونحصد الجليد والصقيع، نصارع الطبيعة والحيتان من دون قذيفة، أو رميه لا بحجر ولا حتى بوردة حمراء.
وألف مرحى لهذا الخريف الذي تلتقي فيه كل الأيام والفصول.
***
بقلم المهندس الياس قومي
كندا. مونتريال.لافال
مواضيع مماثلة
» تحية من القلب للشاعر اسحق قومي. بقلم المهندس الياس قومي
» حذاري من الحملْ...؟!! قصة بقلم المهندس الياس قومي
» لن يضيع تعبع أحد...بقلم المهندس الياس قومي
» رتعاشاتْ أخر الحلمْ....بقلم المهندس الياس قومي
» لمن أبعثُ آهاتي....بقلم المهندس الياس قومي
» حذاري من الحملْ...؟!! قصة بقلم المهندس الياس قومي
» لن يضيع تعبع أحد...بقلم المهندس الياس قومي
» رتعاشاتْ أخر الحلمْ....بقلم المهندس الياس قومي
» لمن أبعثُ آهاتي....بقلم المهندس الياس قومي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى