من هموم الإغتراب...بقلم المهندس الياس قومي...كندا
صفحة 1 من اصل 1
من هموم الإغتراب...بقلم المهندس الياس قومي...كندا
من هموم الاغتراب!!
!!
بقلم المهندس:الياس قومي
ما أن وطئت قدماه هذه الأرضُ الكريمة؛ وإذ تطالعه واجهات المحلات بالعديد
من الصحف والمجلات؛ يأخذُ هذه ويطالع تلك.علت على جبهته تباشير فرح قديم!!
زوجته : ابتسمت هي أيضاً وراحت تعلو بضحكتها المعهودة. أين هم الأولاد ؟ مازالوا في مدارسهم؛ والصغيرة تلعب مع بنات الجيران، كيم وجسيكا؛ اللواتي
يعشنا في ذات الطابق من البناية. لكن بالله عليكَ قلْ لي:علامَ والفرح يحيط بك؛ إذْ قلما تتفتح أساريرك وخاصة بعد وصولنا هذه البلاد؛ إلاَّ إن كان هنالكَ من سببٍ!! أما هو فقد راحَ يسترسلُ مع بناتِ أفكاره. مابكَ لا تجيب؟!
ربما سيتعرف في الغد على أحدٍ ممن وفقهم الله في سعيهم، كما سيبقى من
خلال هذه الصحف؛ يعيشُ حالةَ التواصل مع بلاده والتي جعلت منه رجلاً
استطاعَ أن يغامرَ مثل غيره؛ ولتحطَ به الرحال في هذه الديار. أراكَ وأنت تشتري الحاجيات المنزلية؛ تأتي ومعكَ حزمةً من الصحفِ في كلِّ مرةٍ؟ ألمْ تتعب من القراءة!! لاياسيدتي؛ إنها الفسحة الوحيدة لي في هذه الظروف الصعبة؛ اطمئني إنه لولا هذه المقالات والأخبار والأدب وغيرها؛ التي يكتبها
رجال كبار وسيدات لهنَّ باع كريمة في الكتابة؛ لكانت الحياة أشدُّ قساوة؛ وخاصة مع هذا البرد والثلج والصقيع، الذي لمْ نعهده في بلادنا والتي لمْ نكنْ ندرك قيمتها ، يالقساوة الغربة؛ لمْ نذقْ طعمها من قبل يدمدمُ لوحده؛ ماذا حدث يا ترى؛ أوضاع أمته التي مازال تعمل لتأمين المزيد من التقدم والرفاهية لمواطنيها. ناهيكَ أنَ محتلاً مازال يغتصبُ جزءاً من أرضها ؛ تتطلبُ من أصحابِ القرار أن يخصصوا المزيد من الأموال بهذا الاتجاه؛ فما من أمةٍ استرجعت حقها دون أنْ تضحي بالغالي والنفيس وتروي الأرض بالدماء الزكية الطاهرة!! ومنذُ أن سنت قوانين الحياة على يد المتبصرين
والمبدعين تؤكد النظريات أن البقاء هو للأفضل؛ ولنقلْ في هذا الزمن الصعب: إنَّه للأقوى؛ ولو إنَّ الكلمتان ليستا من ذات المصدر. لذا فقد شرعوا ومنذ زمن في بناء قوة دفاعية؛ كي يفهم الطرف المعتدي؛ إنه لم يعد
بإمكانه استباحة أرض غيره؛ ولابدَّ من أعادة كلَّ ما أحتل لأصحابها عاجلاً أمْ آجلاً؛ هذا هو حكم التاريخ، وهذه هي القاعدة الأساسية في الصراعات بين الشعوب، ومن لا يرتضِ بقرارمحكمة التاريخ؛ سيرفضه العالم وليس ببعيد أن يرفضه شعبه أيضاً؛ إن وعي الشعوب اليوم في مراحل متقدمة؛ ويجب الأخذ بها؛ واحتساب مؤثراتها الداخلية من قبلنا نحن الذين ضاعت أرضنا وأهدرت حقوقنا.
* * *
لكنَّ كم أصابته خيبة أملٍ من كثرة الغيوم الداكنة التي كانت تطارده بين صفحات بعض تلكَ الجرائد والمجلات، فقدْ تمتعَ بعضُ السادة على مواهب قادرة أنْ تستفيدَ من هذا المناخ الذي يحيطها؛ وأن تفلتَ العقال لأقلامها وتحلق حيثما تشاء؛ ولتجعل من أمته وكأنها صحراء قاحلة لاغيمة شتاء تسقيها؛ ولا ضوء شمس يطل عليها كلّ صباحٍ. أراكَ متعبٌ ما بكَ؟! ماذا حدث؟!
قالتها الزوجة المنهمكة بإعداد الطعام لأولادها الذين سيعودون من مدارسهم بعد قليل.لاشيء يا حبيبتي!! لاشيء؛ تسألَ في نفسه: ترى أينَ كانت هذه الأسماء اللامعة المتصدرة الصفحات
وبخطوط عريضة وكأنها في إحدى الحملات الدعائية لانتخابات الرئاسة في بلاد العم سام. أنتَ تحدث ذاتكَ؛ أمْ إنها الكتابة التي تأخذكَ مني!لا قلتُ لكِ؟! إنني أفكرُ فيما يكتبه البعض من الكتَّابْ؛ يستكمل الحديث بينه وبين نفسه!! هلْ القارئ وحسب ظن هؤلاء الكتاب!! وأنَّ غشاوة هو أيضاً حاسة المعرفة ؟وأنَّ غشاوة لحقت في عينيه إثر برودة هذه المناطق الشبه قطبيه!! فما من أحدٍ يطالع أويتفحص ما يكتبون!! تماما كما يفعل الكثير ممن يتحلقون حول مخازن الترخيصات؛ وكأننا إلى الحشر ذاهبون، أم أن الموهبة التي حباهم الخالق بها؛ قدْ تأثرت هي أيضاً ببعضٍ من عاداتِ المجتمع الجديد؛ فأصابها شيئاً من الخنوثة، وبهذا تكون قد فقدت أجمل سماتها الإبداعية، وتحولت إلى مسرحٍ امتلأت مقاعده ونفذت بطاقاته؛ ولم يعد للقارئ المشاهد من مكان سوى الخنوع والانكماش على الذات!! فقد طالومعذرة من هؤلاء ولشظف العيش وقساوة الحياة؟! فقد طال حتى ما في صدورهم من أفئدة!! ويقيني أنها ما تزال عامرة بالحبِّ والإيمان والعطاء!! فشرعوا يقارعون مرارة الأيام بكلِّ ما يخطر لهم من حكايات الأنس والجان في بلاد الكرم والدفء
والصقيع. وكأن أمتنا ما عادت إلاَّ قلة من الرجال يتسارعون في تشخيصهم وتسليط الأضواء عليهم، ومن حيث لا يدرون إنَّ الكتابة هي منعكس عن شعب يعد بالملايين؛ وهم إخوتهم وأبناء أمتهم لازالوا يعملون ويجهدون في إقامة السدود وفتح القنوات
وري الأراضي التي يلتهمها التصحر؛ الزاحف إليها مثل الجراد في مواسم القحط. ويزرعون النخيل والحمضيات، وبناء المنشآت وإدخال المكننة وما إلى غيرها من إنجازات؛كالمعاهد والمشافي والجامعات؛ لتبعد عن كاهلهم قدر المستطاع مصاعب هذه الحياة، ولتؤمن فرص عملٍ للكثير من العائلات، ولتخلق جيلاً يواكبَ التقدم؛ وليساهم في حلِّ ما يتعرض له من معضلات. وبهذا يفعل هؤلاء السادة؛ على سلخ بني جلدتهم حقها، وهم في قرارة أنفسهم أنَّ لذويهم يسعون جاهدين مدافعين!!!
* * *
لمْ يردْ أن يقحمَ ذاته في تلكَ المتاهات ؛ إدراكا منه إنَّ الماهرَ في الإبحار قد يخطئ، إذ تهبُّ الريح من حيث لا يتوقع.
فالكتابة ـ قبل كلِّ هذه المفردات ـ موهبةٌ وإبداع؛ ومراكبٌ تنقل
أصحابها نحو الأعلى؛ لتسموبالنفوس؛ وتتطهر الذوات؛ وتتفتح العقول؛ وتزيل كلَّ الطحالب والعوالق والرواسب،وليكونوا على شاكلة من يقيمون في المجتمعات الراقية على ذمة مقياس الرقي؛ إنْ كان هنالك رقي أم هو الآخر أيضاً؛ فقدْ فقدتْ أجهزته بعضاً من حساسيتها؛ فراحت متأرجحة متعرية مثل بعض النسوة؛ تارة من فوق وتارة من أسفل، وهذا يدافع عن مقولة؛ وثالث ـ أستغفرُ الله...ـ يدافع عمَّا" ما لم تسمع به أذن ولم تراه عين ولم يخطر على بال بشر" .
وعلى الرغم من كلِّ هذه الصرّعات؛ فإنَّ المثقفين فيهم ممن يكتبون ينقلون كلَّ ما يحدث؛ ولكن عن الحق لا يحيدون؛ يسعدون من في مجتمعهم أو ممن أرتضى العيش معهم؛ وذلكَ من خلال إطلاعهم على أحدث المكتشفات والإبداعات؛ ويحدثونهم عن كلِّ غثًّ وسمين؛ فما عاد القارئ يرى سوى صورة صادقة مشرقة حيناً؛ ولا تخلو من بعض النكسات حيناً آخر، كي يحاول ويساهم في الإصلاح، لا أن يزيده هدما. مما يجعل من إنسانهم في حالة فرحٍ دائمٍ وتواصل يحلم بالوصول إليه ضمن مستقبلٍ أفضلْ.
* * *
أما ممن يجيد الكتابة منا!! لا أدري لما هذا التركيز على تقديم صور اليأس؛ أهذا هو المطلوب؟! كي نقدمه لإنساننا الذي ما عادت تشدُّه إلاَّ هذه الروابط الثقافية على أحسن تقدير!!
هلْ هذا هو العلاجُ؛ أمْ أنها وصفات طبيِّة مبرمجة ومدروسةٍ من أجل مزيدٍ من القنوط والانحدار؛ وليرمى فيما بعد في أحضان الفقدِ والضياع؟!!
أم أنَّ لا صورة مشرقة في تاريخنا العامر في الأمجاد!! فيقدمون لأصحاب العاهات والظنون ـ ودون عناءٍ منهم ـ أنَّ أمتنا ليست جديرة بالحياة!! لقد عاد الأولاد من مدارسهم؛ أما تريد أن تتناول طعام العشاء معنا !! قالتها زوجته؛ نعم يا سيدتي!! جلس مع أطفاله؛ هاهم قد كبروا وطالت قاماتهم؛ ويتناقشون عن دروسهم ومسائل الرياضيات واللغة، كان يفكر أيام شبابه كيف
كانوا يتناقشون الإخوة آباء اليوم، وكيف شقيقه الأكبر منه كان يساعده في حلِّ الحساب؛ وكيف كانوا يحفظون النصوص الأدبية سوية؛ كان يعشق التاريخ ويحفظه عن ظهر قلب. تباً لكِ أيتها الأيام!! من كان يصدق أنه سيهجر بلده؟! وليرى ويقرأ ما يكتبه ممن يدعون أن لهم معرفة في شتى العلوم وما من شاردة لا يدركونها؛ تباً لكِ أيتها الأيام!!
* * *
إنني لأعتقدُ جازماً؛ إنَّه مامن شعبٍ أكثر من شعبنا له ولعٌ وحبٌّ وارتباطٌ في التاريخ، الذي هو حجرُ الزاوية في القدرة على النهوض والاستمرار في البناء الوطني والقومي.
منه نستلهم الهمم ونشدد العزائم ونقوي ما قد وهن؛ وفي صفحاته تدون اشراقات شعبنا وكبواته أيضاً؛ لا أن نجعلها غيوما رمادية معلقة فوق رؤوسنا؛ التاريخ هو المنارة التي نحتاجها ساعة اللزوم . إنَّ من ليسَ له تاريخ؛ لا مستقبل ينتظره؛ ومن ليس له وطن يتجذر فيه؛ " ليس له في الثرى ضريح". ومن يسهل عليه
الانسلاخ عن أمته وتاريخه وماضيه؛ لا يستغرب إنْ لم يقر الأخرون بوجوده بينهم؛ مهما جاهد وعمل في سبيل ذلكَ. إنَّ الوطنَ أيُّ وطن حياته مثل حياة أفراده؛ يحقق النجاحات وتلحقه
بعض النكسات، والمواسم لاتقاس جميعها بذات المكيال!! والأمم بشعوبها تحيا وليس العكس صحيحا ، وما من أحدٍ يستطيع أن يتجاهل الحقائق. تماما كمن لا أحد يستطيع أن ينكر كم من رجالات عظام أنجبتهم أمتنا ولاتزال ولن يصيبها القحط أبداً.
* * *
كان صراخ إبنته قد ملأ المكان، ترك ما بين يديه من أوراق وجهاز الهاتف الذي كان من خلاله؛ يتحدث مع من وفقهم الله في أعمالهم؛ وقد وجد لديه فرصة عملٍ تقيهِ وعياله في هذه الغربة الصعبة. قطرات دمٍ تسيل من إصبع أبنته؛ وهي تبكي؛ لاعن جرحها؛ وإنما: اتسخَ علمي يابابا...؛ بالدم يا بابا...؛ ذاكَ علم بلادها التي كانت تحاول جاهدة أن تعلقه على زجاج النافذة؛ بعد أن أتقنت رسمه ولونته بمساعدة والدتها إذ كانت صغيرة جداً يوم هاجروا الوطن؛ في الغد سيستلم عمله رئيس تحرير، نعم! ما بك ماذا حدث لم تعد تحدثني قالها صاحب الجريدة الذي على الطرف الثاني من الهاتف؛ عفواً يا أستاذ! لا لا! إني أسمع دم وعلم ، مبروك يا أستاذ؛ الله ما هذا !!علم ودم وبحث عن عمل..؟ صدفة كلها صدفة!! لا؛ لا شئ يجيء من العدم، أليس هكذا يقول لافوازيه، نعم نعم!! غداً نلتقي صباحا في المكتب؛ اتفقنا؛ نعم إلى الغد.تهللت أسارير زوجته؛وراحت ترسم أحلامها، لقد أنعم الله علينا !! نعم أنها نعمة من الله؛ ومن يعرف كيف يصقلها هو الموهوب!!
ابتسم هو أيضا مع زوجته؛ ابتسامة ثقة وشكرا الخالق على هذه الهبة؛والتي يمارسها منذ صباه؛ رحمك الله يا أبي؛ أنت الذي علمتنا الكتابة وقرض الشعر والقصة والرواية منذ أن كنا صغاراً، رحمكَ الله يا أبي؛ كم كنت تعلمنا حتى في أوقات الطعام
"العلم في الصغر كالنقش على الحجر" كم كنتَ ترددها!!وتلكَ المفردات والأشعار وحكايات أبو زيد الهلالي و...، يحدِّقُ النظر
في عنوان عريض من الصفحة الأولى من الجريدة التي أحضرها للتو ولده نزار: إنَّه ما من كاتبٍ عظيمٍ إلاَّ وينتمي إلى
أمةٍ عظيمة!!
* * *
لافال 2009/ 08/ 28 المهندس : الياس قومي
!!
بقلم المهندس:الياس قومي
ما أن وطئت قدماه هذه الأرضُ الكريمة؛ وإذ تطالعه واجهات المحلات بالعديد
من الصحف والمجلات؛ يأخذُ هذه ويطالع تلك.علت على جبهته تباشير فرح قديم!!
زوجته : ابتسمت هي أيضاً وراحت تعلو بضحكتها المعهودة. أين هم الأولاد ؟ مازالوا في مدارسهم؛ والصغيرة تلعب مع بنات الجيران، كيم وجسيكا؛ اللواتي
يعشنا في ذات الطابق من البناية. لكن بالله عليكَ قلْ لي:علامَ والفرح يحيط بك؛ إذْ قلما تتفتح أساريرك وخاصة بعد وصولنا هذه البلاد؛ إلاَّ إن كان هنالكَ من سببٍ!! أما هو فقد راحَ يسترسلُ مع بناتِ أفكاره. مابكَ لا تجيب؟!
ربما سيتعرف في الغد على أحدٍ ممن وفقهم الله في سعيهم، كما سيبقى من
خلال هذه الصحف؛ يعيشُ حالةَ التواصل مع بلاده والتي جعلت منه رجلاً
استطاعَ أن يغامرَ مثل غيره؛ ولتحطَ به الرحال في هذه الديار. أراكَ وأنت تشتري الحاجيات المنزلية؛ تأتي ومعكَ حزمةً من الصحفِ في كلِّ مرةٍ؟ ألمْ تتعب من القراءة!! لاياسيدتي؛ إنها الفسحة الوحيدة لي في هذه الظروف الصعبة؛ اطمئني إنه لولا هذه المقالات والأخبار والأدب وغيرها؛ التي يكتبها
رجال كبار وسيدات لهنَّ باع كريمة في الكتابة؛ لكانت الحياة أشدُّ قساوة؛ وخاصة مع هذا البرد والثلج والصقيع، الذي لمْ نعهده في بلادنا والتي لمْ نكنْ ندرك قيمتها ، يالقساوة الغربة؛ لمْ نذقْ طعمها من قبل يدمدمُ لوحده؛ ماذا حدث يا ترى؛ أوضاع أمته التي مازال تعمل لتأمين المزيد من التقدم والرفاهية لمواطنيها. ناهيكَ أنَ محتلاً مازال يغتصبُ جزءاً من أرضها ؛ تتطلبُ من أصحابِ القرار أن يخصصوا المزيد من الأموال بهذا الاتجاه؛ فما من أمةٍ استرجعت حقها دون أنْ تضحي بالغالي والنفيس وتروي الأرض بالدماء الزكية الطاهرة!! ومنذُ أن سنت قوانين الحياة على يد المتبصرين
والمبدعين تؤكد النظريات أن البقاء هو للأفضل؛ ولنقلْ في هذا الزمن الصعب: إنَّه للأقوى؛ ولو إنَّ الكلمتان ليستا من ذات المصدر. لذا فقد شرعوا ومنذ زمن في بناء قوة دفاعية؛ كي يفهم الطرف المعتدي؛ إنه لم يعد
بإمكانه استباحة أرض غيره؛ ولابدَّ من أعادة كلَّ ما أحتل لأصحابها عاجلاً أمْ آجلاً؛ هذا هو حكم التاريخ، وهذه هي القاعدة الأساسية في الصراعات بين الشعوب، ومن لا يرتضِ بقرارمحكمة التاريخ؛ سيرفضه العالم وليس ببعيد أن يرفضه شعبه أيضاً؛ إن وعي الشعوب اليوم في مراحل متقدمة؛ ويجب الأخذ بها؛ واحتساب مؤثراتها الداخلية من قبلنا نحن الذين ضاعت أرضنا وأهدرت حقوقنا.
* * *
لكنَّ كم أصابته خيبة أملٍ من كثرة الغيوم الداكنة التي كانت تطارده بين صفحات بعض تلكَ الجرائد والمجلات، فقدْ تمتعَ بعضُ السادة على مواهب قادرة أنْ تستفيدَ من هذا المناخ الذي يحيطها؛ وأن تفلتَ العقال لأقلامها وتحلق حيثما تشاء؛ ولتجعل من أمته وكأنها صحراء قاحلة لاغيمة شتاء تسقيها؛ ولا ضوء شمس يطل عليها كلّ صباحٍ. أراكَ متعبٌ ما بكَ؟! ماذا حدث؟!
قالتها الزوجة المنهمكة بإعداد الطعام لأولادها الذين سيعودون من مدارسهم بعد قليل.لاشيء يا حبيبتي!! لاشيء؛ تسألَ في نفسه: ترى أينَ كانت هذه الأسماء اللامعة المتصدرة الصفحات
وبخطوط عريضة وكأنها في إحدى الحملات الدعائية لانتخابات الرئاسة في بلاد العم سام. أنتَ تحدث ذاتكَ؛ أمْ إنها الكتابة التي تأخذكَ مني!لا قلتُ لكِ؟! إنني أفكرُ فيما يكتبه البعض من الكتَّابْ؛ يستكمل الحديث بينه وبين نفسه!! هلْ القارئ وحسب ظن هؤلاء الكتاب!! وأنَّ غشاوة هو أيضاً حاسة المعرفة ؟وأنَّ غشاوة لحقت في عينيه إثر برودة هذه المناطق الشبه قطبيه!! فما من أحدٍ يطالع أويتفحص ما يكتبون!! تماما كما يفعل الكثير ممن يتحلقون حول مخازن الترخيصات؛ وكأننا إلى الحشر ذاهبون، أم أن الموهبة التي حباهم الخالق بها؛ قدْ تأثرت هي أيضاً ببعضٍ من عاداتِ المجتمع الجديد؛ فأصابها شيئاً من الخنوثة، وبهذا تكون قد فقدت أجمل سماتها الإبداعية، وتحولت إلى مسرحٍ امتلأت مقاعده ونفذت بطاقاته؛ ولم يعد للقارئ المشاهد من مكان سوى الخنوع والانكماش على الذات!! فقد طالومعذرة من هؤلاء ولشظف العيش وقساوة الحياة؟! فقد طال حتى ما في صدورهم من أفئدة!! ويقيني أنها ما تزال عامرة بالحبِّ والإيمان والعطاء!! فشرعوا يقارعون مرارة الأيام بكلِّ ما يخطر لهم من حكايات الأنس والجان في بلاد الكرم والدفء
والصقيع. وكأن أمتنا ما عادت إلاَّ قلة من الرجال يتسارعون في تشخيصهم وتسليط الأضواء عليهم، ومن حيث لا يدرون إنَّ الكتابة هي منعكس عن شعب يعد بالملايين؛ وهم إخوتهم وأبناء أمتهم لازالوا يعملون ويجهدون في إقامة السدود وفتح القنوات
وري الأراضي التي يلتهمها التصحر؛ الزاحف إليها مثل الجراد في مواسم القحط. ويزرعون النخيل والحمضيات، وبناء المنشآت وإدخال المكننة وما إلى غيرها من إنجازات؛كالمعاهد والمشافي والجامعات؛ لتبعد عن كاهلهم قدر المستطاع مصاعب هذه الحياة، ولتؤمن فرص عملٍ للكثير من العائلات، ولتخلق جيلاً يواكبَ التقدم؛ وليساهم في حلِّ ما يتعرض له من معضلات. وبهذا يفعل هؤلاء السادة؛ على سلخ بني جلدتهم حقها، وهم في قرارة أنفسهم أنَّ لذويهم يسعون جاهدين مدافعين!!!
* * *
لمْ يردْ أن يقحمَ ذاته في تلكَ المتاهات ؛ إدراكا منه إنَّ الماهرَ في الإبحار قد يخطئ، إذ تهبُّ الريح من حيث لا يتوقع.
فالكتابة ـ قبل كلِّ هذه المفردات ـ موهبةٌ وإبداع؛ ومراكبٌ تنقل
أصحابها نحو الأعلى؛ لتسموبالنفوس؛ وتتطهر الذوات؛ وتتفتح العقول؛ وتزيل كلَّ الطحالب والعوالق والرواسب،وليكونوا على شاكلة من يقيمون في المجتمعات الراقية على ذمة مقياس الرقي؛ إنْ كان هنالك رقي أم هو الآخر أيضاً؛ فقدْ فقدتْ أجهزته بعضاً من حساسيتها؛ فراحت متأرجحة متعرية مثل بعض النسوة؛ تارة من فوق وتارة من أسفل، وهذا يدافع عن مقولة؛ وثالث ـ أستغفرُ الله...ـ يدافع عمَّا" ما لم تسمع به أذن ولم تراه عين ولم يخطر على بال بشر" .
وعلى الرغم من كلِّ هذه الصرّعات؛ فإنَّ المثقفين فيهم ممن يكتبون ينقلون كلَّ ما يحدث؛ ولكن عن الحق لا يحيدون؛ يسعدون من في مجتمعهم أو ممن أرتضى العيش معهم؛ وذلكَ من خلال إطلاعهم على أحدث المكتشفات والإبداعات؛ ويحدثونهم عن كلِّ غثًّ وسمين؛ فما عاد القارئ يرى سوى صورة صادقة مشرقة حيناً؛ ولا تخلو من بعض النكسات حيناً آخر، كي يحاول ويساهم في الإصلاح، لا أن يزيده هدما. مما يجعل من إنسانهم في حالة فرحٍ دائمٍ وتواصل يحلم بالوصول إليه ضمن مستقبلٍ أفضلْ.
* * *
أما ممن يجيد الكتابة منا!! لا أدري لما هذا التركيز على تقديم صور اليأس؛ أهذا هو المطلوب؟! كي نقدمه لإنساننا الذي ما عادت تشدُّه إلاَّ هذه الروابط الثقافية على أحسن تقدير!!
هلْ هذا هو العلاجُ؛ أمْ أنها وصفات طبيِّة مبرمجة ومدروسةٍ من أجل مزيدٍ من القنوط والانحدار؛ وليرمى فيما بعد في أحضان الفقدِ والضياع؟!!
أم أنَّ لا صورة مشرقة في تاريخنا العامر في الأمجاد!! فيقدمون لأصحاب العاهات والظنون ـ ودون عناءٍ منهم ـ أنَّ أمتنا ليست جديرة بالحياة!! لقد عاد الأولاد من مدارسهم؛ أما تريد أن تتناول طعام العشاء معنا !! قالتها زوجته؛ نعم يا سيدتي!! جلس مع أطفاله؛ هاهم قد كبروا وطالت قاماتهم؛ ويتناقشون عن دروسهم ومسائل الرياضيات واللغة، كان يفكر أيام شبابه كيف
كانوا يتناقشون الإخوة آباء اليوم، وكيف شقيقه الأكبر منه كان يساعده في حلِّ الحساب؛ وكيف كانوا يحفظون النصوص الأدبية سوية؛ كان يعشق التاريخ ويحفظه عن ظهر قلب. تباً لكِ أيتها الأيام!! من كان يصدق أنه سيهجر بلده؟! وليرى ويقرأ ما يكتبه ممن يدعون أن لهم معرفة في شتى العلوم وما من شاردة لا يدركونها؛ تباً لكِ أيتها الأيام!!
* * *
إنني لأعتقدُ جازماً؛ إنَّه مامن شعبٍ أكثر من شعبنا له ولعٌ وحبٌّ وارتباطٌ في التاريخ، الذي هو حجرُ الزاوية في القدرة على النهوض والاستمرار في البناء الوطني والقومي.
منه نستلهم الهمم ونشدد العزائم ونقوي ما قد وهن؛ وفي صفحاته تدون اشراقات شعبنا وكبواته أيضاً؛ لا أن نجعلها غيوما رمادية معلقة فوق رؤوسنا؛ التاريخ هو المنارة التي نحتاجها ساعة اللزوم . إنَّ من ليسَ له تاريخ؛ لا مستقبل ينتظره؛ ومن ليس له وطن يتجذر فيه؛ " ليس له في الثرى ضريح". ومن يسهل عليه
الانسلاخ عن أمته وتاريخه وماضيه؛ لا يستغرب إنْ لم يقر الأخرون بوجوده بينهم؛ مهما جاهد وعمل في سبيل ذلكَ. إنَّ الوطنَ أيُّ وطن حياته مثل حياة أفراده؛ يحقق النجاحات وتلحقه
بعض النكسات، والمواسم لاتقاس جميعها بذات المكيال!! والأمم بشعوبها تحيا وليس العكس صحيحا ، وما من أحدٍ يستطيع أن يتجاهل الحقائق. تماما كمن لا أحد يستطيع أن ينكر كم من رجالات عظام أنجبتهم أمتنا ولاتزال ولن يصيبها القحط أبداً.
* * *
كان صراخ إبنته قد ملأ المكان، ترك ما بين يديه من أوراق وجهاز الهاتف الذي كان من خلاله؛ يتحدث مع من وفقهم الله في أعمالهم؛ وقد وجد لديه فرصة عملٍ تقيهِ وعياله في هذه الغربة الصعبة. قطرات دمٍ تسيل من إصبع أبنته؛ وهي تبكي؛ لاعن جرحها؛ وإنما: اتسخَ علمي يابابا...؛ بالدم يا بابا...؛ ذاكَ علم بلادها التي كانت تحاول جاهدة أن تعلقه على زجاج النافذة؛ بعد أن أتقنت رسمه ولونته بمساعدة والدتها إذ كانت صغيرة جداً يوم هاجروا الوطن؛ في الغد سيستلم عمله رئيس تحرير، نعم! ما بك ماذا حدث لم تعد تحدثني قالها صاحب الجريدة الذي على الطرف الثاني من الهاتف؛ عفواً يا أستاذ! لا لا! إني أسمع دم وعلم ، مبروك يا أستاذ؛ الله ما هذا !!علم ودم وبحث عن عمل..؟ صدفة كلها صدفة!! لا؛ لا شئ يجيء من العدم، أليس هكذا يقول لافوازيه، نعم نعم!! غداً نلتقي صباحا في المكتب؛ اتفقنا؛ نعم إلى الغد.تهللت أسارير زوجته؛وراحت ترسم أحلامها، لقد أنعم الله علينا !! نعم أنها نعمة من الله؛ ومن يعرف كيف يصقلها هو الموهوب!!
ابتسم هو أيضا مع زوجته؛ ابتسامة ثقة وشكرا الخالق على هذه الهبة؛والتي يمارسها منذ صباه؛ رحمك الله يا أبي؛ أنت الذي علمتنا الكتابة وقرض الشعر والقصة والرواية منذ أن كنا صغاراً، رحمكَ الله يا أبي؛ كم كنت تعلمنا حتى في أوقات الطعام
"العلم في الصغر كالنقش على الحجر" كم كنتَ ترددها!!وتلكَ المفردات والأشعار وحكايات أبو زيد الهلالي و...، يحدِّقُ النظر
في عنوان عريض من الصفحة الأولى من الجريدة التي أحضرها للتو ولده نزار: إنَّه ما من كاتبٍ عظيمٍ إلاَّ وينتمي إلى
أمةٍ عظيمة!!
* * *
لافال 2009/ 08/ 28 المهندس : الياس قومي
مواضيع مماثلة
» مقترحات للمجمع المقدس لا بدّ منها..بقلم المهندس الياس قومي.كندا
» تحية من القلب للشاعر اسحق قومي. بقلم المهندس الياس قومي
» من كندا ومن مونتريال جاء إلينا الشاعر المهندس الياس قومي...فأهلا به بيننا
» من كندا ومن مونتريال جاء إلينا الشاعر المهندس الياس قومي...فأهلا به بيننا
» هل يعي الرجال؟!!! بقلم المهندس الياس قومي
» تحية من القلب للشاعر اسحق قومي. بقلم المهندس الياس قومي
» من كندا ومن مونتريال جاء إلينا الشاعر المهندس الياس قومي...فأهلا به بيننا
» من كندا ومن مونتريال جاء إلينا الشاعر المهندس الياس قومي...فأهلا به بيننا
» هل يعي الرجال؟!!! بقلم المهندس الياس قومي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى